في أوائل السبعينات من القرن الماضي كان لأحمد بولي ( اوجاغاً ) صغيراً بناه على جدار ظهر بيت بجوار محل حلويات جواد الشكرجي في شارع الكفاح ( عكًد الأكراد ) ليعمل شاياً طيباً كطيبة قلبه على جمرات الفحم المفروش داخله، ثم يسترزق من بيعه في ( إستكانات ) زجاجية مذهبة لزبائنه الذين نادراً ما تجد غريباً عن المنطقة بينهم. فكلهم من سكنة بيوتها وأصحاب محلاتها..
كانت لديه أريكة صغيرة واحدة لزبائنه، لا تستسع لجلوس أكثر من شخصين عليها او ثلاثة ( بالحشك ). عمله لم يكن قانونياً فهو ككثير غيره من الكسبة في شرقنا حيث يفترشون الأرصفة والمساحات الفارغة ببضائعهم وعيونهم تترقب رجالات البلدية، المأمورون بتخريب وتكسير ومصادرة أكسير عيش الفقراء، لذلك فغالبية زبائنه يشربون شايهم وقوفاً وعلى الماشي...

سالم خنجي ورفيق دربه سالم مينة هما الوحيدان اللذان نراهما طوال الوقت جالسين على ( القنفة ) اليتيمة وكأنها ملكهما فلا يجوز لغيرهما الراحة عليها إلا بموافقتهما أو عند غيابهما عنها، وهذا لم يحدث أبداً لأنهما عطالة بطالة طيلة سنوات عمرهما....

ذات مرة ترك سالم خنجي مكانه لقضاء حاجته في تواليت المقهى المقابلة لاُوجاغ بولي على الطرف الآخر من الشارع. عند إنتهائه لمح شخصاً إعرابياً غريباً عن المنطقة قد أخذ زاوية قنفته بجوار صديقه إبن مينة.
( خال رجل على رجل وديخوط بالجاي على أقل من كيفة وماخذ راحتة. إشورطة الهذا وكَعد بمكاني؟ ).
تساءل خنجي مع نفسه وأخذ يفكر بطريقة ما لإنهاض الرجل من مكانه قبل أن يعبر الشارع فجأة ركض سالم خنجي نحو صاحبه ولما وصل وضع فمه في اُذنه إصطنع الخوف وهمس بصوت مسموع قائلاً له.
لك سالم، هسة كنت بكًهوة العاصفة. وما شفت إلا عشر سيارات مال أمن وإستخبارات ومخابرات وشرطة طبكَت على الكَهوة ونزلوا منها الجماعة ودخلوا جوة وصاروا يفتشون بجيوب كل الكَاعدين بالكَهوة. لزموا جم واحد لكَوا وياهم مناشير مال حزب الشيوعي اللي أنت إتوزعهة. عندك بعد منهن وياك؟؟.
( لأن واحدهم قاري دمارات صاحبة ) أدرك سالم مينة قصد صاحبه سالم خنجي من قصته فرد عليه بصوت عال كي يسمعه الإعرابي المسكين.. لا تخاف. ماكو شي بجيبي. كلهة خليتهة جوة الحصيرة الكَاعد عليهة هذا اللي بصفي. كان الرجل يسترق إليهما بإندهاش وهو يرتجف حتى صار وجهه برتقالياً فنهض من مكانه وكأن عقرب سام قد لدغه ووضع إستكان الشاي الذي لم يكمل شربه على القنفة وصاح ببولي. بويّ الجايجي. هاي خليتلك خمسين فلس بالماعون. كلهة إلك.. ( كان سعر إستكان الشاي آنذاك 10 فلوس ) وركض هارباً..
جلس سالم خنجي في مكانه ونادى على بولي قائلاً جيبلنا هسة جايين وتبقى مطلوب إلنا جايين. بقية الدرهم !!!!!!!



حسن أسد