في مقاله المنشور بإيلاف، أمس(19.01.08)، تحت عنوان quot;تلك الأرض الطيبة تدعى سورياquot;، أتحفنا الزميل سعدالله خليل بدفاعٍ طويل عن quot;جمهوريةٍ مثاليةquot; أخرى، أضافها لرصيد quot;الجمهوريات الكلاميةquot;(على غرار quot;جمهورية الكلامquot; الإفلاطونية)، التي أُطلقت كلامياً،، في الماضي الفلسفي البعيد، عبر هواء quot;المنطق الطلقquot;.
quot;جمهورية سعدالله خليلquot;، هي جمهورية quot;عربية الهوى والمكانquot;، هذه المرة، إذ تُعرف في الراهن الرسمي بquot;الجمهورية العربية السوريةquot;، التي هي في الحقيقة السورية الراهنة quot;جمهورية آل الأسدquot;، وquot;جمهورية القرداحةquot;، وquot;جمهورية الأمن العسكريquot;، وquot;جمهورية البعثquot;....وسوى ذلك من الأسماء والصفات، التي تليق بحال quot;سوريا الراهنةquot;، الخارجة عن كلّ المكان وكلّ الزمان.

لدى قراءتي للأول من المقال، بدءاً من عنوانه، حسبتُ أن الكاتب الزميل، سوف يتطرق إلى سوريا، بإعتبارها أول المكان، وأول المدينة، وأول الإستقرار، وأول الزراعة، وأول الري، وأول الكتابة، من وجهة نظر تاريخية، ميثولوجية، إسطورية عتيقة، كما كان قد درسها الباحث والمفكر السوري المعروف فراس السواح، في سلسلة أبحاثه عن quot;مغامرة العقل الأولى/ دراسة في أسطورة سوريا وبلاد الرافدينquot; (1976)، وquot;لغز عشتارquot; الله(1985)، ودين الإنسانquot;(1994)، وquot;آرام دمشق وإسرائيلquot; (1995)، وquot;الأسطورة والمعنىquot; (1997)، وسواها من الدراسات والأبحاث، التي تناول السواح في بعضها، quot;سورياquot; وجاراتها في quot;المكان القديمquot;، كquot;أولٍ للأبجديةquot; وquot;أولٍ للمستقرquot;.

إلا ان الجديد على مستوى quot;المكان السوريquot;، في خطاب الزميل، هو أنه حاول التأسيس لquot;جمهورية كلاميةquot; جديدة، عربياً، لا وجود لها، إلا في الكلام المولّد للكلام.
فquot;سورياquot; أو quot;تلك الأرض الطيبةquot;، التي تناولها الكاتب سعدالله خليل، هي quot;سوريا كلاميةquot;، يمكن لأي باحث عن شئون المنطق والكلام، أن يقرأها في بطون quot;مجلدات كلاميةquot;، هي من الكلام إلى الكلام.
quot;سوريا زميلناquot;، هي سوريا نريدها ونبتغيها، لا تلك التي عشناها(ونعيشها) وعاشرناها (ونعاشرها). quot;سوريا، تلك الكلمة الطيبةquot; التي من كلام الزميل، هي سوريا نسعى إليها، ونرجوها، ولكنها في الواقع والمعاش، لم تلد ولم تولد بعد.

ففي الأول من تأسيسه، لquot;الجمهورية الكلاميةquot;، يقول الكاتب: quot; لم أعد أذكر اسم ذلك العالم الذي قال: (على كل إنسان متحضر أن يقول: إن لي وطنان. الوطن الذي أعيش فيه، وسوريا). فسوريا إذن أصل الحضارة، والبلد الأول للإنسان، منها انطلق، واعتنق، وبنى البلدان. وأوروبا التي كانت في بحر من الظلمات أخذت حضارتها عن سوريا، دون أن نبخس مصر حقها، واليونان. فمنذ الألف التاسعة قبل الميلاد استصلح السوري الأرض، واستقر فيها، وبنى في العالم أقدم المستوطنات الزراعية- تل المريبط في حوض الفراتquot;.

نعم، كانت هذه سوريا الماضية، التي باتت تُعرب الآن، بإعتبارها خبراً quot;ثقيلاًquot; لquot;كانquot; وأخواتها. ولكن الغريب، هو أن كاتبنا الزميل، يحاول ان يساوي بين سوريا quot;الميثولوجيةquot;، الماضية، كأولٍ للحضارة، وسوريا الراهنة القرداحوية، كأولٍ وربما آخرٍ للديكتاتورية.
فهذا الكلام عن quot;الوطن الكلاميquot;، يشبه في بعضه، إلى حدٍّ كبير، ذلك الخطاب العربي الممجوج، الذي طالما انتقده الزميل، وأقصد الخطاب العائد إلى الوراء، والذي يبكي دائماً على quot;خلفهquot; الماضي، ببلاده الماضية، وعلومه الماضية، وحضارته الماضية، التي كانت في مقدمة العالم الماضي، فيما الأوروبيون كانوا يسبحون، زمانئذٍ، في بحرٍ من الظلمات!!!quot;
فأين هي quot;سوريا الوحشيةquot; الراهنة من حضارتها الماضية؟
أين هي مدنها quot;الخرابquot; الراهنة، من مدنها العامرة الماضية؟
أين هي quot;استخرابquot; أرضها الراهنة وزراعتها، من quot;الإستصلاحquot; الذي كانته ذات الأرض الماضية، أيام زمان؟
أين هي quot;سوريا الأسدquot; من quot;سوريا أدونيسquot;(أدونيس، هو من أشهر آلهة الخصب في الميثولوجيا السورية)؟

كاتبنا الزميل، العزيز، يرى في سوريا(ه)، أو quot;جمهوريته الكلاميةquot;، quot;ملاذاً للهاربين من أوطانهم خوفا من الموت، أو من جحيم التمييز والاضطهاد القومي والديني والسياسي. ووطناً لمن لا وطن لهم يلجأون إليه. فتحت لهم أبوابها واحتضنتهم وأمَنتهم وصاروا جزءا منها، ولن نذكر أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين. بل الأزمان الأخيرة، وخير شاهد، العراقيون الذين لم تُفتح لهم أبواب دولة عربية، كما فُتحت لهم أبواب سوريا. وأيضا الفلسطينيون الذين لم ينالوا حقوقاً كما نالوها في سوريا، فمنذ (1948) وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوظيفي السوريquot;. انتهى الإقتباس.

ولا أدري، أيّ quot;ملاذٍquot; آمنٍ يمكن أن تكونه quot;جمهورية الكلامquot; لquot;الغرباءquot; الذين quot;لا وطن لهمquot;، في الوقت الذي لا يمكن لها ان تكون ملاذاً لمواطنيها الأصليين، الذين هم من شحمها ولحمها.
وهل من quot;تمييزٍ وإضطهادٍ قوميٍّ ودينيٍّ وسياسيٍّquot; لعين، يمكن الحديث عنه، أكثر مما هو قائمٌ على قدمٍ وساق في quot;سوريا الأسدquot;؟

ودليلنا على ما شطح به الزميل، كما تشطح سوريا بقيادة دكتورها المناضل(حفظه الله) بشار الأسد، على الطالعة وعلى النازلة، يكمن في الإجابات الطويلة على هذه الأسئلة السهلة، الكثيرة، والتي لاتزال قائمة، على طول سوريا وعرضها:
من حرّم عشرات الآلاف من المواطنين الأكراد الأصليين(حوالي 300 ألف كردي)، عبر ما يسمى بquot;الإحصاء الإستثنائي 1962quot; السيء الصيت، من حق التجنس بالجنسية السورية، أسوةً بسائر المواطنين؟
من سمّى مواطنيها الأكراد المولودين في سوريا، أباً عن جد، بquot;الأجانب السوريينquot;، أو quot;مكتومي القيدquot;، وبالتالي، أخرجهم من كل حقوق المواطنة السورية، خلافاً لكل الأعراف الدولية المتعارف عليها، علماً أن هؤلاء لا يزالون quot;مواطنين ممنوعينquot;، لا إعراب لهم في الجملة السورية، وخارجين عن كل الحقوق، إذ يعيشون كمواطنين quot;مفترضينquot; في quot;سوريا الخارجquot;، أكثر من عيشهم في quot;سوريا الداخلquot;؟
من صادرَ أراضي مواطنيها الأكراد في مناطق الجزيرة، ومنحها، تحت شعارات شوفينية معروفة، لquot;عربهاquot; الوافدين من مناطق قصّية في الداخل والشمال السوريين؟
ومن وقام ببناء مستوطناتٍ نموذجية لهؤلاء العوائل العربية الوافدة، شبيهة، بتلك quot;المستوطنات الإسرائيليةquot;(أكثر من أربعين مستوطنة)، لتغيير المعادلة الديموغرافية، في شمال شرقي البلاد، ذات الأغلبية الكردية؟
من خطط وأسسّ لما يسمى بquot;الحزام العربيquot; الأمني بإمتياز، الواقع، راهناً، والمطوّق للمناطق الكردية، في الجزيرة السورية؟

من هو المخطط والمنفذ الفعلي، في quot;جمهورية الكلام السوريةquot;، للمجازر الطائفية المرتكبة بحق السوريين من الطائفة السنية، في مجزرة حماة(02.02.1982)، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي؟
حسب تقريرٍ للجنة السورية لحقوق الإنسان، بلغ ضحايا احداث حماة فقط 30ـ 40 ألف إنسان، جلهم كانوا من المدنيين.
وبحسب تقارير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فقد بلغ ضحايا مجزرة سجن تدمر(27.06.1980)، حوالي 1000 قتيل. وفي مجزرة حي المشارقة حيث قتلت صبيحة عيد الأضحى 83 مواطنا أنزلوا من شققهم وحصدت أرواحهم، ومجزرة سوق الأحد التي أودت بحياة 42 مواطناً وجرح 150 آخرين. ومنها أيضاً، مجزرة الرقة التي راح ضحيتها عشرات المواطنين الذين لقوا حتفهم حرقاً بعدما جمع المعتقلون في مدرسة ثانوية وأضرمت النيران حولهم، بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبها نظام القرداحة، في مجزرة حماة الجديدة(الملعب البلدي، 04.02.1982)، ومجزرة حي سوق الشجرة(حوالي 160 مدني)، ومجزرة حي البياض، ومجزرة سوق الطويل، ومجزرة سوق الدباغة، ومجزرة حي الباشورة، ومجزرة حي العصيدة، وحي الشرقية، وحي الشمالية، وحي البارودية، ومجزرة الجامع الجديد، ومقبرة شريحين، ومعمل البورسلان، ومجزرة العميان، والعلماء، ومجزرة الأطفال، والفتيات، ومجزرة المشفى الوطني وسواها من quot;مناسباتquot; الإبادات الجماعية، التي quot;تلذذquot; بها القائمون على شئون القتل الطائفي آنذاك(يُنظر تقرير المنظمة الآنفة الذكر، 02.02.06).

ثم لا أدري كيف يفتخر الكاتب الزميل بسوريا(ه)، أو quot;جمهوريته السورية الفاضلةquot;، لأنها quot;فتحتquot; أبوابها للعراقيين quot;الذين لم تُفتح لهم أبواب دولة عربيةquot; أخرى، كما ذهب.
quot;من يدري يدري، ومن لا يدري، فهو كف عدسquot;، على حد قول المثل.
كل عراقي التجأ لسوريا quot;المفتوحة الأبوابquot;(على حد قول الزميل)، يعرف أن طريق اللجوء إلى أحضان دمشق(قلعة العروبة)، لم يكن مفروشاً بالورد والياسمين(إلا لقلة قليلة جداً)، كما قد يتوهمه البعض. فالعشرات مممن التقيتهم شخصياً، من العراقيين اللاجئين، في quot;مكاني السوريquot;(الجزيرة تحديداً)، فقدوا حياتهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، نتيجة quot;مأمورياتهمquot;، أو أدائهم لquot;الواجبquot;، كما كان يسمى. فهؤلاء كانوا مأمورين، بأوامر رئيس مكتب حزب البعث العراقي، المقيم في سوريا، والمسمى بquot;أبو مدينquot; آنذاك، لتنفيذ عمليات quot;تخريبيةquot; في الداخل العراقي، تلبيةً لأجندات quot;سوريا الزميلquot; البعثية المعارضة، لquot;العراق الشقيقquot;.
آخرون قضوا سنيناً طوال، في سجون سوريا quot;المخابراتيةquot;(وما أكثرها)، لمجرد quot;وشوشة أمنيةquot;، تلقتها السلطات السورية من هنا وهناك.
فأيّ وطنٍ quot;مضيفٍquot;، هو ذاك الذي يفتخر الكاتب بفضائله، إذ يرسل ضيوفه quot;المعززين المكرّمينquot; إلى غياهب الموت quot;البعثيquot;، المؤكد؟

أمّا عن الفلسطينيين، فمن دخل quot;المخيماتquot; الفلسطينية المنتشرة في أفقر ضواحي دمشق، واطلع على حال quot;حقوقquot; قاطنيها، يعرف بالتأكيد، كيف يُعامل الفلسطينيون كquot;غرباءquot;، وquot;أرباع مواطنينquot;(هذا في أحسن الأحوال)، وليس كquot;جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوظيفي السوريquot;، إطلاقاً، كما ذهب الكاتب.
هذا عدا استخدام النظام السوري، quot;فلسطينييهاquot;، كورقة سياسية، تحت الطلب، لعب بها على الدوام(ولايزال)، وقت الحاجة وquot;الضرورة السوريةquot;، مع أعدائها، على أكثر من جبهة وصعيد. ولعب النظام السوري(ولايزال)، على حبال القضية الفلسطينية عامةً، وعلى quot;فلسطينييهاquot;، على المكشوف، وذلك بتحويلهم إلى أحزاب، ومعارضات، ومشاورات، وبيانات، ومظاهرات تحت الطلب. لا بل ذهب النظام أبعد من ذلك، أحياناً، إذ استخدم القضية الفلسطينية، عبر جماعاتها الخاصة، إلى quot;جيوب إرهابيةquot;، لركوب أجندات إقليمية مكشوفة(جماعة فتح الإسلام بقيادة شاكر العبسي مثالاً).
فمَن من العرب(كل العرب)، استفاد من مأساة الفلسطينيين، وتشرد قضيتهم، أكثر من quot;سوريا الحركة التصحيحيةquot;، ونظامها الذي ترك جبهة جولانه، ليحارب quot;الأعداءquot;، في جبهاتٍ بعيدة، بلبنان وفلسطين.
وربما quot;تقديراًquot; لquot;قدس العرب وفلسطينييهاquot; منح النظام المخابراتي السوري إسم quot;فلسطينquot; لأوسخ، وأشنع وأشهر فرع مخابراتي(في دمشق قلب العروبة النابض)، لممارسة شتى صنوف التحقيق القذر، والإرهاب، والرعب، والتعذيب المنظّم.

يتابع الكاتب حديثه عن سوريا quot;المتعددة المتآلفةquot;، قائلاً: quot;ولا بد أيضا لكل إنسان يتصف بالصدق والموضوعية- مهما كبرت أو صغرت درجة قصر أو مد النظر لديه- أن يرى تلك الفسيفساء البشرية السورية، وتناغمها وتآلفها بالرغم من تعدد ألوانها وأشكالها ومشاربهاquot;. انتهى الإقتباس.
وهنا أسأل الكاتب أيضاً، من كان السبب في تحويل مباراة كرة القدم بين فريق الفتوة الديري(دير الزور) وفريق الجهاد ذي الأغلبية الكردية(القامشلي)، قبل سنوات(12 مارس آذار 2004)، إلى مباراة دموية، ما أدى إلى سقوط حوالي 40 قتيل(كردي حصراً) وعشرات الجرحى؟
أليس القائمون على رأس النظام في محافظة الحسكة، هم الذين حوّلوا المباراة إلى فتنةٍ(كانت مدبّرة)، واقتتالٍ بين عرب الجزيرة وأكرادها؟
أغلبية المصادر(كردية وغير كردية)، أكدت على تورط محافظ الحسكة آنذاك، سليم كبول، في القتل المدبّر، بإعتباره رأساً للفتنة، لأنه كان المبادر الأول، في استعمال الرصاص الحي، من خلال مسدسه الشخصي، كما ثبت.

كل أحداث الثمانينيات، التي انفجرت في محافظات الداخل(حماة وحلب)، وقعت لأسباب سياسية طائفية بإمتياز، فالشارع السني السوري لا يقبل الشارع العلوي السوري(والعكس بالعكس)، والشارع العربي لا يقبل الشارع الكردي، والأسباب معروفة بالطبع، تتعلق بالإحتقانات المتراكمة، من جراء الممارسات السياسية الخاطئة، لquot;أهل الخطأquot; القائمين على شئون quot;سوريا الخاطئةquot;.
فعن أيّ quot;تناغمٍ وتآلفٍquot; بين ألوان الطيف السوري يتحدث الكاتب، في وقتٍ يعلم القاصي والداني، أن حق الحكم الفعلي، في سوريا، محصورٌ في quot;آل الأسدquot;، المحسوبين على بعضٍ قليلٍ، من الطائفة العلوية، منذ انقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970. وبالمناسبة، ليس من الصحيح القول بأن الطائفة العلوية تحكم سوريا، كما هو شائع. وعلى رأي أحد أقطاب النظام السابق، عبدالحليم خدام، وأحد مهندسي quot;سوريا الخاطئةquot;، فإنّ هناك مجموعة بين 300 الى 500 مستفيد من النظام، لكن مئات الآلاف من العلويين مقهورون، وليست الطائفة هي المستفيدة او الحاكمة، حافظ الاسد كان حاكماً وهو استخدم الطائفةquot;.
فquot;سوريا الأسدquot; استخدمت(ولاتزال) الطائفة العلوية شماعةً لحكمها، أو كquot;قميص عثمانquot;ها، عند الضرورة.

وعن لبنان، هكذا يبرئ الكاتب quot;ذمة سورياquot;، بإلقاء كل quot;لاإتفاق لبنانquot;، وquot;حروب اللبنانيين فيما بينهمquot;، بقوله: quot;والخلافات في لبنان منذ الاستقلال، سببها ومصدرها الرئيسي أهل لبنان، وسكان لبنان، وتركيبة النظام والدولة اللبنانية، والتبدلات الديموغرافية. وفي كل طائفة لبنانية ألف خندق وألف زعيم وألف دكان. فمتى اتفق اللبنانيون؟ ومتى خمدت الحروب الأهلية فيما بينهم؟ (1958-1974). لا بل متى خمدت الحروب داخل الطائفة الواحدة؟ ومتى تفاهم اللبنانيون على شيء؟ ومتى استطاعوا أن ينتخبوا رئيسا لدولتهم، الذي منذ الاستقلال تقرره لهم الدول الأجنبية: الفرنسية والأمريكية والعربية!quot; انتهى الإقتباس.
وإذا كان اللبنانيون فعلاً، هم أس مشاكل لبنان(هم) وأساسها، فلماذا احتلت quot;سوريا الأرض الطيبةquot;، بقيادة quot;نظامها البعثي الطيبquot; لبنان، وركَبته، ونهبته، وأفسدته، وخرّبته، وعصّرته، واستعمرته، وقتلته(ولا تزال)، ومسخته، وجثت على صدور أهله، قرابة ثلاثة عقود من الزمن اللبناني الصعب(1976ـ2005)؟
كل العالم يقول أن سوريا لا تزال تقتل لبنان، وتُعطّل لبنان، وتخرّب لبنان، وتمنع لبنان، وتقسم بين لبنان ولبنان، وتبني وتدعم quot;جيوبهاquot; الأمنية، وحدائقها الخلفية في لبنان(حزب الله مثالاً)، فيما كاتبنا الزميل يردد مع ماكينة الإعلام السوري، أن quot;مصدر مشاكل لبنان هو لبنان نفسهquot;.

تحدّث الكاتب، مطولاً، عن quot;إنجازاتquot; سوريا quot;التصحيحةquot;(نسبة إلى الحركة التصحيحية، وهي التسمية البعثية لإنقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد 1970). فحدثّنا عن quot;حرية الأديان والعبادات وممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادةquot;، إلا أنه لم يخبرنا عن حرية التعبير والرأي وعن حرية السياسة وأهلها، الذين يُعتقلون يومياً، على أيدي رجال الأمن والمخابرات، quot;الطيبينquot;، في quot;الجمهورية السورية الطيبةquot;.
الكاتب الزميل، لم يخبرنا عن سوريا quot;تلك الأرض المعتقلةquot;، وعن quot;سوريا السجنquot;، وسوريا الديكتاتوريةquot;، وquot;سوريا البعثية العفلقية، التي اختزلت كل ألوان موزاييكها إلى اللون الواحد الأحدquot;، وquot;سوريا الأمنيةquot;، وquot;سوريا المخابرات العسكريةquot;، وquot;سوريا الأسد إلى الأبدquot;، وquot;سوريا الكيفية، الخارجة على القوانين، والأعراف الدولية، والشرعيات، والإنتخابات إلا بنسبة 99،99quot;، وquot;سوريا الفسادquot;، وquot;سوريا حاضنة الإرهابquot;، وquot;سوريا تحت خط الفقرquot;،ووو...إلخ.

الكاتب لم يحدثنا عن اعتقال د. وفاء حوراني، وميشيل كيلو وأكرم البني وجبر الشوفي وأحمد طعمة وكمال اللبواني وأنور البني ووليد البني وياسر العيتي وعلي العبدالله، وأحمد طعمة وآخرين، إضافةً إلى العشرات من معتقلي الرأي الأكراد، القابعين، تحت ظروفٍ جداً قاسية، في السجون والمعتقلات السورية.
ولم يخبرنا زميلنا، عن quot;سوريا الخربانة اقتصادياًquot;، التي اعتقلت أحد أكبر المفكرين الإقتصاديين العرب، البروفسور عارف دليلة(عميد سابق لكليتي الإقتصاد بجامعتي دمش وحلب)، في سبتمبر/ أيلول 2001، لإلقائه كخبير محاضرة عن quot;الإقتصاد السوري: المشكلات والحلولquot;، وحكمت عليه في محكمة أمن الدولة شبه العسكرية، بالسجن عشر سنوات مع الأعمال الشاقة.
وكذا لم يكشف لنا الكاتب عن ملف ما يقارب 17000 مفقود، اعتقلوا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي واختفت آثارهم(يُنظر التقرير السنوي الأخير الصادر عن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، 15.01.08).

ثم ماذا عن quot;سوريا الفقر الكبيرquot;، فحسب دراسةٍ أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية مع المكتب المركزي للإحصاء وهيئة تخطيط الدولة العام الماضي، quot;ان نسبة الفقر في سورية بلغت 11.4 بالمئة من عدد سكان سورية اي ان 2.2 مليون سوري هم ضمن خط الفقر الأدنى و30.1 بالمئة من السوريين ضمن خط الفقر الأعلى.
وحسب دراسةٍ أخرى لعميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية د. وائل الإمام، فقد بلغت نسبة السوريين ممن هم تحت خط الفقر 30.13 % (سوريا الحرة، 11.04.07).

وماذا عن quot;سوريا المشرّدةquot;، وquot;سوريا القمامةquot;، حيث جاء في أحد التقارير التي نشرتها وكالة آكي الإيطالية للأنباء، أن quot;عدد نابشي الحاويات في العاصمة السورية دمشق وريفها يبلغ نحو أربعين ألف نابش، وأنهم يتسببون بأذى بيئي للمدينة لا حدود لهquot;. ويضيف التقرير، quot;أن نابشي الحاويات يشكلون تكتلاً أشبه بـ quot;المافياquot;، وأنهم يسيطرون على quot;مكباتquot; النفايات حول دمشق ويؤجرون أكوام القمامة للبحث فيها، كما يقومون باستئجار أطفال لهذه الغاية ينتشرون في معظم أحياء دمشق صباحاً ومساءً لإفراغ الحاويات والبحث بأكياس القمامة عن كل ما يمكن الاستفادة منه كالبلاستيك والمعادن والورقquot;(آكي، 22 أوكتوبر/ تشرين الأول 2007).

هذا غيضٌ عن quot;سوريا الخراب الفيضquot;. فالكتابة عن سوريا المسكوتة عنها في خطاب الزميل سعدالله خليل تطول، ولكني أكتفي بهذا القدر، وأختم مكتوبي ببعض قصيدةٍ للشاعر السوري الأصل والروسي الجنسية غيورغي فاسيلييف، بعنوان quot;سورياquot;، إذ يقول فيها:
سوريا
ليست صفةً او اسماً
ولافعلاً او حرفاً
ولا فاعلاً اومفعولاً
ولاعاقلاً او معقولاً
مبتدأ كانت، و ِلكَانَ صارت خبراً

هوشنك بروكا
[email protected]