هل ثمة علاقة بين خطبة صلاة الجمعه وانجاز الامه الحضارى؟ عبر التاريخ كانت هذه الشعيرة الإسلامية تعبر عن ضيق هذه الأمة حيناً وانفتاحها أحياناً أخرى وعن خط سيرها الحضاري سواءَ كان قوةَ أو ضعفاً وما تعانيه من ضيم واستغلال سواءً من الداخل أو الخارج. فهي ترمومتر هام يكشف عن صحة الأمة واعتلالها فنراها كما كانت في أحوال سابقة تضيق حتي لتقتصر على مدح السلطان والتسبيح بحمده وأحياناً أخرى تتسع لتشمل كل الآم الأمة وما تعانيه من جبروت وتخويف وتجويع وما يواكب هذين الطرحين سواءً من مكافآت وعقوبات. وكذلك تكمن أهميتها في كونها تجمع أسبوعي يدل على وحدة المسلمين وتناصرهم وكشفاً لما يعترض طريقهم من مشاكل وطرحاً لحلول تلك المشاكل والعقبات إن ما نشهده اليوم مختلف تماماً ولا يدل على احتفاظ هذه الشعيرة بمكانتها السابقة حتى أن الناس أصبحت تتسارع الى أقصر المساجد خطبة كعمل روتيني ينبغي الخلاص منه بأسرع وقت فلم تعد هذه الشعيرة نبض الأمة ولا مصدراً لشحناتها الإيمانية الأسبوعية. ولست هنا بصدد قضية الإطالة أم القصر في أداء الخطبة فالإطالة في كل الأحوال مذمومة ما لم تكن هناك حاجة لذلك ولكنني الحظ ظاهرة اجتماعية لها مدلولاتها التاريخية وهي ظاهرة تحول هذه الشعيرة الإسلامية الكبيرة من مكانتها العظيمة التي أرادها لها الشارع الى مجرد شعيرة روتينية وهذا التراجع ليس في التشريع وإنما في إدراك الناس. وأعتقد أن هناك سببان يتعلقان بعنصري الخطبة الأساسيين وهما الخطيب ونص الخطبة نفسها وهناك سبب ثالث عام يتعلق بتراجع الأمة ككل ومن ثم تراجع مرتكزاتها وأساسياتها.


أما السببان الذاتيان المتعلقان بعنصري الخطبة فأولهما نص الخطبة وموضوعها فهي أن لم تكن تلامس مشاعر مسلم اليوم وقضاياه وتستشرف مستقبلة وتنقله من قضية الى أخرى داخل إطار اهتماماته فهي بالتالي لا يمكن أن تشد انتباهه وتركيزه. أما السبب المتعلق بالخطيب فأنا أعتقد إن الخطيب الجيد هو ذلك الذى يجمع في طرحه بين العاطفة والعقل ويعمل على استملاك هذين الجانبين المهمين في شخصية المستمع بحيث لا يتركه ينأى بعاطفته بعيداً ولا يستند على عقلانية مركزه تستدعيها ظروفنا الحالية توقعه في براثن اليأس وأنما يمزج بين عاطفة الماضي المجيد والإمكانية العقلية للخروج من حاضرنا البائس من خلال زرع الأمل في نفوس الناشئة. أما السبب الثالث فهو خارج عن نطاق عنصري الخطبة ويتعلق بوضع الأمة ككل وهو على ما يبدو يتمثل في فقدان الأمل وعدم وجود الدليل المحسوس على إمكانية التغيير، بعد الإدعاء بأن الدين هو صانع الدولة فإذا به يصبح أحد أدواتها، فبالتالي تصبح ممارسة الشعائر عملاً روتينياً تخص الأفراد ولو استعملنا التعيير الاقتصادي لأمكننا القول بأن هناك خصخصة للدين فلم يعد نبراساً تنهض به الأمة من خلال ركائزه وشعائره التي منها صلاة وخطبة الجمعة، بالقدر الذى تحول فيه الى عملاً فردياً وأن كان الإدعاء الرسمي غير ذلك ونظراً لضرورة ارتباط الأقوال بالأفعال وإذا أردنا أن نعيد لهذه الشعيرة أهميتها كذلك فلنجعل لها انجازاً حضارياً ترتكز عليه وتعيش في كنفه بدلاً من استحضار الماضي كل الوقت والالتفاف حول الحاضر وليس بالضرورة أن يكون مادياً لعدم إدراكه في وقتنا الحالي وإنما من الممكن جداً أن يكون معنوياً من خلال مزيداً من الحرية والعدالة والمساواة وإشاعة ثقافة الحوار بحيث لا تتركز السلبيات في أنفس الناس ليطالبوا المنابر وخطباءها بايجاد الحلول وتحمل المسئولية التي تفرضها هذه المنابر، ولتكن بعد ذلك دينية خالصة مما يمكث في الأرض وينفع الناس، وللحقيقة أن هناك أسماء لا تزال تجذب الناس للاستماع إليها في خطب الجمعة لمكانتها وعلمها وقوة تأثيرها ولكن لا نريد أن تتحول هذه الشعيرة العظيمة من كينونتها الخاصة الى كونها انجازاً فردياً مما يفقدها قيمتها في ذاتها وتفتقر بالتالي الى الهدف الذى من أجلة شرعت ولكن من العدل الاشاده ببعض خطباؤنا الشباب لادراكهم ووعيهم لاهمية هذه الشعيره وتناولهم للمواضيع فى اطار من التوسط الزمنى والعقلانى.

عبدالعزيز محمد الخاطر
( كاتب من قطر )

[email protected]