تتواصل الحملة الأمنية ضد رموز المعارضة السورية في الداخل السوري، وخاصة في صفوف قيادات إعلان دمشق، وفي صفوف التيار الإسلامي المعتدل، والذي أصبح له وزنا مرئيا في سورية، ولكنه بعيدا عن ضوضاء الإعلام، وكون الأمر يتعلق، بسياق دولي تخاف معه بعض المنظمات الاقتراب من معتقلي الإسلام المعتدل أيضا.

وكنا قد كتبنا في السابق عن هذا الأمر، وفي لفتة لا بد من الانتباه إليها في سورية، بأن جماعة الأخوان المسلمين ومعهم حركة العدالة والبناء، هي تيارات إسلامية معتدلة*1 وإن كانت فقيرة نسبيا، بالمنظرين الذين ينظرون لهذا الإسلام المعتدل، ومعروفون في الأوساط الإعلامية والفكرية العربية والدولية، وهذه ليست نقيصة ولكنها، نقص عليهم تلافيه في الحقيقة، وبشكل واضح، كوضوح أن النظام نفسه لا يريد في سورية إطلاقا تيارات إسلامية معتدلة، تماما مثلما أنه لا يريد تيارات علمانية ديمقراطية، ليبرالية وسلمية، ولهذا نجد أن الاعتقالات تشمل كل التيارات التي تريد تغييرا ديمقراطيا سلميا وتدرجيا وضد الاستقواء بالأجنبي، واحتار النظام كيف يبرر اعتقال هؤلاء، فلجأ في اعتقال الإسلام المعتدل بحجة أنهم إسلاميون متشددون، ولجأ في اعتقال التيار الثاني إلى حجة أنهم يثيرون النزعات الطائفية، ويقومون بإضعاف الشعور القومي للأمة، لم ينتبه أحدا في الحقيقة منذ أن وجهت هذه التهمة لميشيل كيلو، وأنور البني والدكتور عارف دليلة، والآن توجه لرياض سيف، وأكرم البني، وفايز سارة،وعلي العبد الله، وفداء حوراني وياسر العيتي ومروان العش وآخرون، لم ننتبه إلى سؤال بسيط وهو: أية أمة يضعف شعورها القومي هؤلاء؟ السؤال هذا يترتب عليه كمقدمة رؤية حقيقة ما يجري في سورية! لأنها مقياس حقيقي، على طبيعة تفكير السلطة، وعلى جملة الافتراءات التي طالت رموز المعارضة عموما وإعلان دمشق بشكل خاص، إنها ليست أمة في الخيال، بل هي الأمة معرفة بتعريف واحد ووحيد، وهو أنها أمة( السلطة، هذه السلطة بالذات، مع حواشيها القدامى والجدد) وكل تعريفاتهم النظرية، لا تساوي كدمة حذاء أو قبضة رجل أمن على وجه علي العبد الله الذي ذهب البارحة إلى قصر العدل ولازالت أثار الكدمات على وجهه مما اضطر القاضي إلى تحويله إلى الطبيب الشرعي، أو لا تساوي منع سفر لكتاب معروفين، ولرياض سيف الذي قوبل بالسجن بدل السماح له في السفر من أجل العلاج في الخارج من مرض السرطان.

وهنا تعقيبا على مقال كنت قد كتبته عن بعض مما يأتي في خطاب قناة الجزيرة، فإذا كانت قناة الجزيرة بكل عملقتها الإعلامية، تقف إلى جانب السلطة بدمشق، فمن باب أولى أن يقف أتباع ثقافتها إلى جانب هذه السلطة، ثم يأتينا نقد من جهة اليسار، أن المعارضة لم تستطع أن تغطي خيبتها في الوصول إلى الجماهير العريضة، فأرادت تغطية هذه الخيبة بما جرى على صعيد نخبها وفي إعلان دمشق،شيء بقدر ما يدعو للحزن يثير فينا مشاعر تجعل العقل في حالة( كف) مسدود الأفق، كيف ستصل هذه المعارضة إلى الجماهير الحزينة بطلائعها؟ لم يجبنا أحد على هذا السؤال، الأمر بسيط في سورية والجميع يعرف هذا دولا، ومثقفين ومنظرين..الخ لأن المعادلة بسيطة، لا يمكن الوصول للجماهير العريضة إلا تحت سمع وبصر السلطة، وبأدوات وكلمات خطابها هي، والتي تتمحور حول قضيتين فقط: معادة الخارج، والقضايا المعيشية، وفق هذين الحدين تستطيع الوصول للجماهير، أما ما عدا ذلك فالويل والثبور وعظائم الأمور! إذا كانت هذه المعارضة كما يراها بعضنا، إذن لماذا يعتقلها النظام؟ هي مقصرة بالتأكيد، تفتقر إلى منظرين كبار، بالتأكيد لأن المنظرين الكبار في بلدنا ليسوا مع المعارضة. وهذه مفارقة أخرى تسجل، كما هي الحال في أن أغنياء سورية ضد المعارضة أيضا، كما كتبنا عن ذلك من قبل، لهذا لا يوجد ميزان ذو كفتين في محاكمة إعلان دمشق والمعارضة عموما، لأنه ميزان ذو كفة واحدة، حيث أنه لا يرى سوى، أن هذه المعارضة تريد إضعاف شعور هذه الأمة، أية أمة هل هي الأمة السورية، أم العربية؟ أم هي أمة السلطة؟


*1يمكن العودة لتصريحات وبيانات هذه التيارات، ومن جهة أخرى ووفقا لسياقنا يمكن العودة للمرسوم 49 القاضي بإعدام كل إسلامي معتدل! وإلا لماذا لازال ساري المفعول ويعتقل الناس بناء عليه؟

غسان المفلح