هل تكفّر أميركا عن اخطائها السابقه.. بداية لتصالحها مع العالم...?

الصدفة وحدها هي التي شاءت ان أشاهد المقابله التلفزيونيه مع جدة باراك أوباما في كينيا.. سيده مسنه تعيش في كوخ بسيط جدا ليس فيه من أدوات أو معالم الرفاهية أي شيء.. بينما حفيدها يتسابق مع أعتى رجال السياسه الأميركيين في سباق الرئاسة الأميركية.. ندا بند.. وعلى قدم المساواة.. ترى ماذا كان سيكون مصيرة فيما لو بقي والده في كينيا..


وقبل يومين فقط وبالصدفة وحدها شاهدت تأييد ودعم السيناتور تيد كينيدي لأوباما كأفضل مرشح للرئاسه الأميركية بغض النظر عن أصله.. ودينه.. وعرقه .. فهو أميريكي يتساوى في حقه مع أي شخص آخر... وتحدث اوباما عن قصة نجاح والده في الحصول على منحة للدراسه في إحدى الجامعات الأميركية تساهم فيها عائلة كينيدي العريقه.....


ودارت في ذهني العديد من المقارنات.. كيف ان مواطن اميركي من الجيل الأول للمهاجرين ينجح في الوصول إلى هذا المنصب.. بينما يحرم العديدون من المواطنين في العالمين الإسلامي والعربي من الوصول إلى مراكز قيادية في الحكومات الإسلاميه..فقط لإختلاف ديانتهم..
كيف يخلد الأغنياء أسماؤهم.. ويوظفوا اموالهم لمساعدة الفقراء لسنوات عديده لإفادة مجتمعهم.. وكيف يتصرف أغنياؤنا بأموالهم.. صرفها على قصور .. نساء وبذخ.. وحتى حين أرادوا إفادة العالم ساهموا ببناء الآف المدارس الإسلامية..


سيدي القارىء.. أنا لا أقصد التجني أو الإساءه إلى مجتمعاتنا.. ولكني أقصد أن أبين كيف يتصرف الإنسان في العالم الحر.. كيف أن الحرية والمساواة تصقل الفرد وترتقي به إلى إنسانية عالمية تكسر وتتخطى الحواجز والحدود.. نحن أيضا في أمس الحاجة إليها...
وأعود إلى موضوع الساعه.. الرئاسه الأميركية..


يتسابق مرشحو الإنتخابات الرئاسيه الأميركية للحصول على المقعد الرئاسي بإقناع المنتخب الأميركي بأفضلية كل منهم لخدمة مصلحتة ونظرا للظروف الحالية التي تعصف بالولايات المتحدة فيها العديد من العواصف السياسية العالمية جرّاء الأخطاء السياسة المتتاليه التي أحدثتها سياسة الرئيس بوش بحيث تسببت في شرخ كبير في قيم الولايات المتحده الأميركية كراعية مخضرمه للديمقراطية وحقوق الإنسان.. تطغى السياسة الخارجيه على الأمور المحلية في الإنتخابات.. احد أهم هذه الأسباب..هو تواجد عدد كبير من العسكريين والجنود الأميركيين على أراض غريبه.. يتعارض فيه وجودها مع قيمها في الحرية والإستقلال حين كانت اول الداعين لإنهاء الإستعمار وإلى حق الدول بالسيادة والإستقلال.... ثم عدم الشرعية والكذب في الأسباب التي أدت إلى هذا الوجود (أسلحة الدمار الشامل ) .. إضافة إلى الخوف الأكبر الممكن حدوثه في حال إنتخاب رئيس أحمق ومتهور قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب اخرى مع إيران.. ثم تكلفة هذه الحرب المادية والمعنوية لأميركا..

هدأت عاصفة 11 سبتمبر.. وهدأت موجة الغضب والإنتقام.. وهدأت موجة الخوف من الإسلام.. لتحل محلها موجة من التساؤلات العميقة.. ما ذا إستفدنا من الحرب على الإرهاب سوى زيادة الخوف وزيادة حقد العالم وكرهه لأميركا .. هذا الكرة هو ما دعا العديد من المثقفين والشباب إلى العودة إلى العقلانية لتقفي الأسباب الحقيقيه لهذا الكره.. العديد منهم يحاول جاهدا تفهم الآخر.. والتواصل الإنساني مع الآخر.. لأن هذا التواصل أفيد في عوائدة الإقتصادية والإنسانية لخدمة الطرفين..خرج المواطن الاميركي من قبضة توظيف السياسيين للخوف من الإسلام الغامض والبعيد ليعترفوا بأنه دين مثل بقية الأديان.. و لن ينجح في جعل الخوف يسود على حريتهم. وديمقراطيتهم..

هذا الشعور هو الذي أقنع العديد من الناخبين بأن التعددية الثقافية التي نشأ فيها باراك أوباما تؤهله للتعامل مع العالم كله بالقيم الأميركيه القديمه التي جعلت منها الدولة العظمى..التي حققت حلمه في الحياة الكريمه والحرية والمساواة.. إعلانه الإستعداد لمحاورة ومقابلة أي زعيم عالمي بدءا من كاسترو وحتى أحمد نجاد لخدمة مواطنه الأميركي وخدمة السلام العالمي جعله يفوز بنصيب الأسد في تعداد الناخبين الذي يزداد يوميا.. برغم الحملات المشككه في أصله وفي دينه.. فإنه إستطاع بحكمه وعقلانية متناهية أن يتغلب على هذه الشكوك حين قال وببساطه انه أميركي قبل كل شيء.
أميركا تقف على عتبة قرن جديد وثورة جديده تتمثل في التصالح مع نفسها ومع تاريخها العنصري حين إستعبدت الرجل الأسود.. وإستعبدت المرأه.. لتؤكد بإنتخابها إما رئيسا أسود.. وإما إمرأه..حريتها وتخلصها بلا رجعة من الإرث الذي راح ضحيته ما يقارب المليون اميركي في نهاية القرن التاسع عشر في الحرب الأهليه التي قادها أبرهام لنكولن لتحرير أميركا من الرق..تأكيدا لمبدأ المساواة.. والقدرة على الموضوعية والعقلانية أخيرا..


سواء نجح اوباما.. أو نجحت هيلاري كلينتون.. فإن هذا سيكون المؤشر الحقيقي لنجاح التجربة الديمقراطية في اميركا.. وقد يكون بداية مشوارها الحقيقي للرجوع إلى المبادىء الأساسيه لعظمتها.. بدلا من فتح الباب لدول غنية ناشئه لم تنضج ديمقراطيتها بعد كالصين والهند..
وقد تكون بادرة حسن النية الجديده لتعاملها مع بقية دول العالم بإحترام لسيادة الجميع وبمساواة في الحقوق الإنسانية.. وعالمية هذه الحقوق.. بدون إزدواجية في المعايير. وبدون غطرسة وإستعلاء.. لتؤكد أنها جديرة بالقيادة العالمية ... آمل وأتمنى ذلك والأيام شاهدة...


أحلام أكرم

باحثه وناشطه في حقوق الإنسان