موقف جماعة حزب الله الشيعية في الكويت يتماشى مع ثقافة الإسلام السياسي المؤدلج بعدما وصفت عماد مغنية بـquot;الشهيدquot;. وهو موقف يتشابه مع وصف جماعات كويتية إسلامية سنّية الأردني مصعب الزرقاوي أو الفلسطيني عبدالعزيز الرنتيسي بـquot;الشهيدquot;، باعتبار أن الصفة التي يشترك فيها هؤلاء الثلاثة هي quot;النضالquot; ضد إسرائيل وأمريكا. لكن هؤلاء معروفون أيضا بمواقفهم المعادية للكويت، رغم تباين تلك المواقف من واحد إلى آخر. فهناك من ساهم في التخطيط والمشاركة في عمليات إرهابية ضد مصالح كويتية قُتل خلالها كويتيون أبرياء وتمت محاولات لتخريب وتدمير الأمن القومي الكويتي والاعتداء على رمز الكويت، وهناك من شجع على غزو الكويت ورفض تحريرها، أي أن الثلاثة أساءوا للكويت ولأمنها القومي كل على طريقة التنظيم الذي ينتمي إليه ووفق مخطط العنف فيه. فالثقافة التي ينتمي إليها هؤلاء هي دينية مؤدلجة، بمعنى أن الأفكار التي يستندون إليها تطغى عليها الثنائيات الإلغائية المطلقة، ثنائيات تقسّم الأمور والقضايا إلى حق وباطل، فهم يرون الآخر المختلف معهم باطلا تجب مواجهته بل ومحاربته وإرهابه، حتى لو كان ذلك الباطل هو الوطن والإنسان المسالم البريء. هذه الجماعات أسّست لمشروع ديني مستبد، وأظهرت عداءها للبراءة الإنسانية ولامبالاة تجاه مصير الأوطان وأمنها القومي، وساهمت في الاعتداء على الحرمات وإرهاب المسالمين، لكنها من جانب آخر أبرزت اهتماما بمشروعها السياسي الديني المؤدلج، واعتبرت quot;النضالquot; ضد إسرائيل وquot;حاميتهاquot; أمريكا واجبا دينيا مقدسا، ولو جاء ذلك على حساب مصالح الأوطان وسلامة الإنسان. إن هذه الجماعات لا تجد أي غضاضة أو حرج في وصف شخصياتها المؤدلجة بـquot;الشهداءquot;، حتى لو كانت تلك الشخصيات تهدد مصالح بلادها أو كانت أياديها ملطخة بعمليات إرهابية ضد مواطنيها المسالمين وضد الإنسانية بشكل عام.


إن التصنيفات السياسية الدينية الحزبية المؤدلجة تبرز على السطح لتلطخ سمو الدين لتصبح ألعوبة في أيدي جماعات الإسلام السياسي على حساب أمن الوطن ومصالحه. وقد عانت الكويت منذ عام 1990 من مثل هذه المواقف الدينية (والعروبية) جراء الغزو العراقي الهمجي، وها هو المشهد يتكرر مع جماعة حزب الله الكويت التي وصفت من خطط وشارك في الاعتداء على أمن الكويت ورمزها وأبريائها، أي عماد المغنية، بـquot;الشهيدquot;. وهذا وصف يعكس تأييد مواقف رجل quot;ناضلquot; ضد quot;أعدائهquot; الإسرائيليين والأمريكيين وغيرهم بصورة إرهابية عنيفة يحث عليها فكره المؤدلج، لكنه أساء للكويت بشنّه هجمات إرهابية عليها حسب العديد من التقارير الدولية، وبالتالي لا مجال إلا لوصفه بالإرهابي، وهو ما يجب أن يوصف به أيضا الزرقاوي والرنتيسي. فالمعروف عن مغنية أنه كان مطلوبا لدى 42 دولة بينها الكويت بسبب عمليات إرهابية، كما انه لم يمارس عملياته ضد أطراف عسكرية فحسب بل ساهم في خطف طائرة مدنية أمريكية عام 1985 وفي تفجير مركز ثقافي يهودي مدني في الأرجنتين في أوائل تسعينات القرن الماضي، كما تتهمه تركيا بترتيب انفجارات استهدفت المصالح البريطانية عام 2003.


لذلك، يجب ألا يكون الموقف تجاه الإرهاب انتقائيا. وبما أن مواقف مغنية تجاه الكويت وتجاه مدنيين آخرين غير كويتيين كانت إرهابية، فإن وصفه بالإرهابي يجب ألاّ يتزعزع تحت ذريعة أنه واجه إسرائيل وأمريكا وquot;ناضلquot; ضدهما، أو أنه لا يوجد دليل مادي على إرهابه في الكويت. وفي غير هذه الحال يجب على جماعة حزب الله وصف الزرقاوي بـquot;الشهيدquot; أو أن يصف تنظيم القاعدة مغنية بـquot;الشهيدquot;. فالشجب والإدانة والاستنكار يجب أن يكون موقف جميع الكويتيين تجاه من أرهب الكويت وهدّد أمنها القومي، وكذلك ضد من أرهب الإنسانية. وجزء من quot;نضالquot; مغنية صب في إطار إرهاب الكويت وإرهاب مدنيين آخرين، لذلك يجب إدانة أي موقف يصفه بـquot;الشهيدquot; سواء كان هذا الموقف كويتيا أو غير كويتي. فمغنية لم يرهب الكويتيين فحسب وإنما أرهب غيرهم من الآمنين. يجب إدانة موقف جماعة حزب الله الكويت لأن وصفها دليل على رضاها بما قام به مغنية تجاه الكويت وتجاه غيرها من الآمنين. يجب على هذه الجماعة احترام مشاعر الكويتيين والاعتذار للشعب الكويتي، مثلما كان يجب على كل من وصف الرنتيسي أو الزرقاوي بـquot;الشهيدquot; أن يعتذر أيضا للكويتيين، لكن تلك الاعتذارات لم تقع ولن تقع. فإذا كان من السهل على المواطن الكويتي وصف تنظيمات دينية وعروبية بالإرهابية لأنها اعتدت على الكويت وأرهبت أمنها وشجعت على غزوها وعلى محاولات إلغائها من على خريطة الوطن العربي، فإن من السهولة بمكان وصف مغنية وتنظيمه بالإرهابي لكونه اعتدى على الكويت وأرهب أمنها وهدد مصالحها الحيوية وأسال دماء أبرياء مسالمين.


كان على النائب عدنان عبدالصمد أن يوجه حديثه بشأن الدفاع عن مواقف مغنية والتشكيك بأدلة إرهابيته، إلى أسر الشهداء الكويتيين الذين سقطوا في عملية اختطاف طائرة quot;الجابريةquot; في عام 1988، وإلى من تم إرهابهم في تلك الحادثة، وأن يوضح ملابسات محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل في مايو 1985 ويدينها بشدة، لا أن يحصر قضية وصف مغنية بـquot;الشهيدquot; بتحدي تصريحات وزير الداخلية الكويتي ليسيّسها ويوظفها في خانة التكسب السياسي من أجل التشكيك في التقارير الأمنية الدولية. فالسؤال حول quot;الأدلةquot; في جرائم الإرهابيين ليس له صلة بالواقع ولا بالمنطق، فأي دليل مادي وواضح استطاعت وكالات الاستخبارات العالمية المختلفة الحصول عليه لإدانة مختلف الإرهابيين؟ ولماذا لا يتم التشكيك في تقارير أخرى تتهم الإرهابي أسامة بن لادن بذلك؟ فهناك مكابرة واضحة من قبل جماعة حزب الله الكويت تجاه مشاعر الشعب الكويتي، وهناك نفي يستند إلى السخرية من جميع التقارير التي تتهم مغنية بتدبير حادثة quot;الجابريةquot; وتدبير حادثة quot;موكب الأميرquot;، لكن لا يوجد في أفق هذه الجماعة أي نفي للتقارير الأخرى التي تتحدث عن إرهاب مسالمين آمنين غير كويتيين. فهل الإرهاب تهمة من يرهب الكويتيين فحسب.. أم أن التهمة تطلق على من يرهب الآمنين دون تمييز لجنسية أو دين؟ وبالتالي هل يعتبر الإرهابي كارلوس بريئا لأنه لم يمس كويتيا بسوء مثلا؟ إنها آفة الأدلجة الدينية. لقد أطلق النائب عدنان عبدالصمد وعودا أثناء التحضير لانتخابات مجلس الأمة السابقة أكد خلالها أن مصلحة الكويت فوق كل اعتبار ولو تعارضت مع فكره وأيديولوجيته وquot;ولاية الفقيهquot;. لكن يبدو أن تلك الوعود تبخرت مع اختبار مغنية الذي بات يمس مصلحة الكويت وأمنها القومي وأمن مواطنيها.


إن الفكر الديني المؤدلج، كفكر التنظيم الذي ينتمي إليه مغنية أو الزرقاوي أو الرنتيسي، يسهّل عملية إلغاء الآخر المختلف، المعيق لحركة أدلجته الدينية السياسية. لذلك من السهل ممارسة قتل وإلغاء وإرهاب الجهة المعرقلة لمشروعه واستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل ذلك. وهنا تلعب الثنائيات الدينية المؤدلجة دورا رئيسيا. أي أن المسوغ الديني المؤدلج يصنف الناس لكي يستبعد بعضهم البعض، ويأتي ذلك بناء على ثنائيات ضدية تقسمهم قسمة نهائية بين الحق والباطل أو الإيمان والضلال أو الخير والشر، مثلما يقول المفكر اللبناني علي حرب. فإذا كانت دولة ما ونظامها وسياساتها تساهم في مناهضة مشروع مؤدلج لجماعة دينية مؤدلجة ما، فلا ضير أمام هذه الجماعة استغلال مسوغ quot;الغاية تبرر الوسيلةquot; حسب النظرية الميكافيلية، ولا ضير في تهديد مصالح وأمن وطن هذا الآخر المخالف له حتى لو كان الوطن مشتركا بين الأثنين، وكذلك قتل مواطنيه غير المنتمين لأيديولوجيته لأنه لا يمثل إلا العنصر الآخر من هذا الثنائي: الباطل والكفر والشر، فيما هو لا يمثل إلا الدين الحق الذي يتخطى في أهميته كل شيء بما فيه الإنسان والأوطان. لذلك تضع هذه الثقافة المؤدلجة الإنسان في مرتبة متأخرة من الاهتمام. يبرز ذلك استنادا إلى تفسير يعتقد أن القضايا الدينية السياسية أو quot;قضايا الأمةquot; هي الأصل الذي يجب الاهتمام به قبل أي شيء آخر، قبل الإنسان الفرد وحقوقه ومصالحه ووطنه ووطنيته التي هي بمثابة قضايا ثانوية مقابل quot;قضايا الأمةquot;. فهذا الفكر أنتج جماعات إرهابية شمولية، كما أنتج ما يسمى بمثقفي الأدلجة، الذين يدافعون بشراسة عن مواقف الجماعات الشمولية تجاه quot;قضايا الأمةquot;، كدفاعهم عن مواقف جماعة حزب الله تجاه القضية الفلسطينية وتجاه معاداة إسرائيل وأمريكا، في حين يتجاهلون عن عمد ودون أي إحساس بتأنيب الضمير سلوك تلك الجماعات تجاه مصالح دول رفضت الانصياع لسياسات تلك الجماعة مما عرض أمن تلك الدول إلى التهديد وإنسانها إلى القتل.

فاخر السلطان

كاتب كويتي
[email protected]