يتواصل سقوط الشهداء، ويتواصل تدمير البيوت والممتلكات، وتتواصل استغاثات المشافي بالتبرع بالدم، فيما يواصل العالم القريب والبعيد لعبة الإيغال في الصمت والتواطؤ. غزة تحترق وتُدمّر ويموت أطفالها، بينما لا جديد لدى قيادات الشعب الفلسطيني من الجهتين. فلا عباس ولا مشعل، قدّما ما انتظر شعبهما في الوطن والشتات أن يقدّماه.


وما انتظره هذا الشعب هو جد منطقي وبدهي وبسيط : أن يكون الطرفان على مستوى المسئولية التاريخية، وعلى مستوى كل هذا الشلال النازف من الدم.


مؤتمر مشعل الصحفي في دمشق لم يقدم حلولاً للمعضلة. فهو لم يتراجع عن نتائج الانقلاب العسكري في غزة، ولم يقطع الطريق إلى المنتصف، في حلّ توفيقي وسطي يمدّ يداً حقيقية للطرف الثاني. وعباس في رام الله اكتفى بتعليق المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي إلى أن تمرّ المحرقة، متجاهلاً ما تفرضه الضرورة السياسية ورغبة جزء كبير من شعبه في المصالحة مع حماس. القائدان لم يكونا على مستوى معاناة وتضحيات شعبهما. ولا على مستوى هذه اللحظة الرهيبة من التاريخ. حيث يجري، جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد، تدمير المشروع الوطني الفلسطيني وإلغاء حلم الدولة المستقلة من جانب إسرائيل.


ولعمري هذا أخطر ما في الموضوع. فتحت غطاء سيطرة حماس على قطاع غزة، وتحت غطاء مؤتمر أنابوليس للسلام، تقوم إسرائيل، وعلى نحو ممنهج ومدروس، بدق المسمار الأخير في نعش الدولة الفلسطينية الحقيقية القابلة للحياة. لذا لا يجدي نفعاً أن يكتفي أبو مازن بقرار تعليق المفاوضات، بل يجب وقفها نهائياً، ووضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته. فمن يرد السلام حقاً، لا يفعل ما تفعله الآن إسرائيل. وكذلك لا يجدي نفعاً أن يتمترس خالد مشعل في مواقفه الأقرب إلى عالم اللاهوت المغلق من عالم السياسة المرن والمفتوح.


إننا قبل أن نرتجي من العالم الخارجي تعاطفاً وعوناً ووقوفاً مع الحق، أولى أن نرتب بيتنا الداخلي أولاً. فلا تعاطف مع شعب مقسوم على نفسه، مهما كانت الحجج والمبررات. هكذا يعاملنا العالم، وعلينا أن ننتبه لهذه النقطة.


إنّ إسرائيل، دولة وحكومة، تلعب على المكشوف. وما عاد يهمّها ماذا يقول العالم عنها. فهي في وضع نموذجي، وفّره لها الانقسامُ الفلسطيني، لتحقق كل أحلامها وأمانيها. وأول هذه الأحلام كما قلنا، هو إنهاء حلم الدولة الفلسطينية. والتعامل مع قضيتنا، لا كدولة في الضفة والقطاع والقدس الشرقية، بل ك كانتونات معزولة غير قابلة للحياة. كيان بائس محاصر في قطاع غزة، سمّه إمارة إسلامية أو ما تشاء، ودويلة هزيلة في الضفة، تقبع خلف جدار الفصل العنصري، وتقوم على نصف مساحة الضفة وأما القدس فانسوها أفضل ! ولا بأس من عودة الرعاية الأردنية للضفة، والمصرية للقطاع. تارة على شكل تقديم مساعدات إنسانية، وأخرى على شكل تقديم خدمات كالكهرباء.
هذا ما يحدث وراء الكواليس في إسرائيل. وهذا أخشى ما نخشاه.


لقد عوّدتنا إسرائيل أنها لا تعطي لنا شيئاً بسهولة. وما دمنا ضعفاء ومنقسمين ومهلهلين، فعلى الأغلب، واحتكاماً إلى تجارب التاريخ غير البعيد، لن تعطينا إلا الفتات.


من هنا يتوجب على قيادتي فتح وحماس فضح هذا المخطط الإسرائيلي وتعريته والوقوف ضده بكل الوسائل. ولن يتم ذلك خارج فضاء التوافق والوحدة. لن يتم ذلك خارج النسيج الوطني والاجتماعي لشعبهما في الوطن والشتات.


نقول هذا الكلام، على هامش المحرقة الإسرائيلية المتواصلة فصولاً في غزة. ونقوله قبل وبعد المحرقة. فما يجري من وقائع على الأرض جد خطير. من تعاظم محموم للاستيطان في القدس والضفة، ومن قتل وحصار وترويع في غزة، وكل ذلك يتم بوتيرة عالية غير معهودة لدى الجانب الإسرائيلي.
فهل نستيقظ من أوهامنا ؟ وهم الإمارة الإسلامية في غزة، ووهم السلام المقتول في أنابوليس ؟
سؤالان موجهان إلى عباس ومشعل. والجزء الأكبر من شعبهما في الداخل والخارج ينتظر الرد!

باسم النبريص