يكاد هذا العنوان يتصدر الأخبار يوميا، بسبب التفجيرات التى ما أن تنقطع حتى تعود تارة أخرى، لترعب العراقيين من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، وقد حصل الانفجار الأخير فى الكرادة الشرقية وتكدست الجثث الممزقة فى السوق الذى دمر تماما، ووزع الجرحى والمصابون على مستشفيات عديدة، حيث يجاهد الأطباء لأنقاذهم بما يتيسر لهم من الأدوية والضمادات.

الكرادة الشرقية هى من ضواحي بغداد الشرقية القديمة، وقد اشتهرت ببساتينها التى كانت تسقى ب(الكرود) التى جاءت منها تسمية المنطقة. كانت أول ضاحية من بغداد حل فيها الأثرياء وبنوا فيها ما شاؤوا من القصور. الى جانب تلك القصور كنت تجد بيوت الطين التى يسكنها الفلاحون والفقراء. توسعت الضاحية وأصبح تعج بسكانها من الفقراء و متوسطى الحال، وانتشرت فيها المعامل الصغيرة منها والكبيرة، فبدأ الأغنياء يتركونها الى ضواحي جديدة مثل ضاحية المنصور والجادرية وغيرها.

أغلب سكان الكرادة الشرقية من العرب الشيعة، ولكنهم عاشوا بوئام مع السنة، ولم تحدث مشاكل تذكر بينهم، وصار التزاوج بين أفراد الطائفتين أمرا اعتياديا وتوثقت العلاقات بين الجميع.
لم تكن هذه هى المرة الأولى للانفجارات فى منطقة الكرادة ولكنها حلقة فى سلسلة طويلة من التفجيرات مزقت المنطقة وبدأ الكثيرون يتركوها. ان المجرمين يختارون الوقت والمكان الذى يشتد فيه ازدحام الناس، وبطبيعة الحال لا يوجد فى مثل هذه الأماكن لا أمريكان ولا قوات عراقية، بل مدنيين قد تكون غالبيتهم من النساء والأطفال.

حال سقوط النظام الديكتاتوري السابق، تدخل مرتزقة الدين من المعممين فى شئون السياسة والحكم وشكلوا ميليشيات تتنافس فيما بينها وبعضها اتفق مع بقايا البعثيين، ودخل البلد شذاذ الآفاق من القاعدة المجرمة والانتحاريين المجرمين الذين جاؤوا من البلدان العربية بحجة مقاومة الاستعمار الأمريكي، فقاموا بأعمال اجرامية لم يعرف لها العراق مثيلا فى تأريخه. فقد أخذوا بقتل العراقيين بالجملة وبدون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ ومريض، ودمروا المراقد المقدسة، التى يزورها المسلمون من كل أنحاء العالم (وهى حرام ان تزار او تقام فى عقيدة هؤلاء القتلة)، فأثاروها معارك بين أبناء الشعب الواحد، ولم تعد للجوار حرمة ولا للصداقة معنى.

ووصلت الأحقاد بين الجميع الى درجة يرثى لها، حتى ان بعض العراقيين جعلوا يحتضنون القادمين الغرباء المخربين ويرشدوهم الى مواضع الضعف فى الجانب الآخر، والى الأهداف التى تكتض بالناس مثل الأسواق ودور العبادة والمدارس، ونالت الكرادة الشرقية حصة كبرى منها. آخر تلك الأعمال الاجرامية كان فى مساء يوم الخميس 6 آذار/مارس الجاري، حيث حصل تفجيرين وقتل فيه أكثر من 80 انسان وجرح أكثر من 120 وجلهم من الأطفال والنساء ودمرت منازل ومحلات عمل كثيرة.

لا يوجد هناك شك مطلقا فى كون العملية الاجرامية هي من تدبير القاعدة، وأغلب الظن ان العرب الغير عراقيين الذين حصلوا على اقامات من حكومة صدام هم الذين سهلوا وساهموا فيها، فان هناك أعدادا كبيرة منهم، بعضهم تزوجوا من عراقيات ويتقنون اللهجة العراقية، ولن يكون من السهل العثور عليهم من قبل السلطة لتقديمهم الى العدالة وابعادهم عن البلد.
لقد كانوا يشكلون الطابور الخامس لصدام، وفى نفس الوقت يعمل البعض منهم فى مخابرات بلدهم الأصلي. ان وجود هؤلاء فى العراق يشكل خطرا داهما على العراق والعراقيين والمطلوب من الحكومة أن لا تهمل أمرهم. تقريبا فى كل يوم نسمع عن اعتقال بعضهم، ومن النادر ان نسمع بمعاقبتهم، بل تقوم الحكومة فى أغلب الأحيان بتسليمهم الى بلدانهم التى صدرتهم الينا.

ان القاعدة المجرمة تشكل خطرا داهما ليس على العراقيين فقط بل على كل من لا يدين بمذهبهم، واذا قدر لهم وسيطروا على العراق فسيهدمون جميع المراقد المقدسة السنية بما فيها مسجد الامام أبو حنيفة والشيخ عبد القادر الجيلي اضافة الى المراقد المقدسة فى كربلاء والنجف الأشرف، لاعتقادهم بأن زيارة هذه الأماكن بدعة ومن يقوم بها فهو كافر يحل قتله. قد يتساهلون فى البداية بعض الشيء مع أهل السنة، ولكن ما ان يجهزوا على الشيعة حتى يشملون السنة وباقى الأديان والمذاهب بالتقتيل والدمار. ولا ننسى تدمير المسجد والمرقدين الشريفين للامامين العسكريين، والذى أضر بالسنة والشيعة معا.

قبل بضعة أيام أعلن مقتدى الصدر عن ابتعاده مؤقتا عن السياسة لمواصلة دراسة علوم الدين ليحصل على مرتبة (آية الله)، وتضرع الى الله تعالى ان يغفر له ذنوبه. ولكنه لم يعلن عن توبته عما فعله بشعب العراق المسكين، حيث تبعه الجهلاء والطامعون بالمناصب والثروات وأدخل فى جيشه (جيش المهدي) كل من هب ودب من الجهلاء والمجرمين ومن ضمنهم فدائيو صدام وغير العراقيين من العرب، وعاثوا بالبلد فسادا وأعاقوا اعادة اعماره ونهبوا ثرواته وما زالوا يفعلون. وارتكبوا أول جرائمهم بقتل السيد عبد المجيد الخوئي، وصدر أمر قضائي باعتقال المسئولين عن الجريمة، ولم ينفذ هذا الأمر حتى هذه الساعة.
يقولون ان القضاء مستقل ويجب المحافظة على استقلاله، ومع ذلك نجد بعض من صدرت عليهم الأحكام يسرحون ويمرحون، وآخرين القي القبض عليهم بالجرم المشهود، وبدلا من تقديمهم الى القضاء يحتفظ بهم كموقوفين لأنهم مدعومون من قادة أحزاب وأعضاء فى مجلس البرلمان الهزيل.

وكما أكدت عليه فى كتاباتى السابقة، فاننا نحن العراقيين يجب علينا رص صفوفنا وتوحيد كلمتنا، فقد ضحينا بالكثير وعانينا الكثير بسبب تفرقنا ومعاداة بعضنا للبعض الآخر، والأعداء يدخلون بلدنا ويخرجون منه كيفما يشاؤون، ويسرحون ويمرحون بيننا كما يريدون، وبعضنا يوفر لهم الحماية بقصد الانتقام وأخذ الثأر. وها قد مرت خمس سنوات عجاف ولا يبدوا لنا ولو بصيصا من النور فى نهاية النفق.


عاطف العزي

ملاحظة: قبيل ارسال هذا المقال، قرأت هذين الخبرين
1- من بى بى سي عن ارسال (شاحنة فضائية) تحمل خمسة أطنان من الماء والغذاء الى مركبة الفضاء التى تدور حول الأرض. ستستغرق الرحلة 3 أسابيع، ولا يوجد فى الشاحنة بشر، بل أن العلماء يسيطرون عنها من الأرض. وبعد تفرغ الحمولة ستعود المركبة محملة بالفضلات من مركبة الفضاء لتفريغها واحراقها فوق المحيط الهادىء.
2- فتوتان: الأولى نشرت فى جريدة القبس الكويتية بتأريخ 12 نوفمبر 2004 نقلا عن ايلاف، تقول الفتوى: أصدر الشيخان السعوديان عثمان الخميس وسعد الغامدي فتوى تحرم المرأة على الانترنيت (بسبب خبث طويتها)، وأضافت الفتوى: (لايجوز فتح الانترنيت الا بحضور محرم مدرك لعهر المرأة ومكرها).
الفتوى الثانية: رقمها 21409 تأريخها 29/3/1421 هجرية صادرة عن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء فى المملكة العربية السعودية، وهذا ما جاء فيها بايجاز: استفسر أحدهم عن حكم بيع الزهور فى المستشفيات لتقديمها الى المرضى، فجاء الجواب: هذه عادة وافدة من بلاد الكفر نقلها بعض المتأثرين بهم من ضعفاء الأيمان وبناء على ذلك فلا يجوز التعامل بالزهور بيعا أوشراء أو اهداء. وقد وقع عليها الشيوخ : عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، و صالح بن فوزان الفوزان، و بكر بن عبد الله أبو زيد.
ولا تعليق لدي عليها فى الوقت الحاضر،وشكرا