قال لي - بطل مسرحية عطيل هو هاملت!

قلت له متعجبة
- لابطل مسرحية عطيل هو عطيل.

قال لي
- لابطل مسرحية هاملت هو عطيل وأنا متأكد من ذلك!
قلت
ـ لا.. بل هو عطيل.
قال لي
- لا..أنت لاتفهمين شيئا في المسرح الشكسبيري!


قالت لي
-أكتبي محاضرة عن نجيب محفوظ للطلاب..كيف يكتب ؟ ماذا يقرأ؟ كيف عاش حياته؟
قلت لها
-لماذا لااكتب محاضرة عن الشاعرة فدوى طوقان أعرفهم فيها عن أدب المرأة العربية وظروفها الصعبة التي مرت بها،خصوصا أن الشاعرة فدوى طوقان قد كتبت سيرتها الذاتية بوضوح وصدق.
قالت لي
- من هي فدوى طوقان؟ نريد كاتبا معروفا!

كنت كلما أزور هذه العائلة العراقية، المتكونة من أب وهو أستاذ للفلسفة في أحدى الجامعات والام وهي مدرسة للغة الانكليزية، والابن المتخصص في الترجمة، والابنة المتخصصة بعلم الكومبيوتر.
كنت كلما دخلت عليهم وخرج ضيفا منهم،يبدأ الاب بالحديث عن سلبيات الضيف الذي قبله قبل، وتبادل معه أطراف الحديث، ثم تستلم الام ايضا عيوب الضيوف الذين غادروا قبل قليل..من راسهم الى قمصانهم الى أحذيتهم، بعدها يتفق الزوج والزوجة في تطابق فكري واحد...فيقولون بنفس اللحظة عن ضيوفهم الذين غادروا قبل قليل
-( ثولان... ميفتهمون)
مامن مرة دخلت الى هذه العائلة الاووجدتني أسمع في كل مرة كلمة(أثول...ثولان..ميفتهمون..أغبياء) وفي ذات يوم أنبرى الابن حيث قال لابيه
-(هنا في الغرب يسمح بفتح الكثير من الجمعيات، فقط أقترح ياأبي فكرة غريبة وسيوافقون عليها..أفتح انت وأمي جمعية وسمها جمعية الثولان)
-سأل الاب ومن رئيسها؟
أجاب الابن
- أنت رئيس جمعية الثولان وأمي رئيسة جمعية الثولات، وأنا وأختي نصبح اعضاء بها!
سرح الاب..ودخن سيكارته..ووضع ساقا على ساق.وانتفخت اوداجه..وقال
- يالها من فكرة عظيمة!

قد لاتصدق عزيزي القارئ هذه المشاهد الحية،التي صورتها لك والتي حدثت لي فعلا وهي غيض من فيض مما رأيت..من مشاهد أغرب من الخيال في زمن العيش في أوربا.وأروبا التي تعني للانسان الطموح العلم..والفكر..والبحث...والاجتهاد.والعمل حيث لايجد الانسان وقتا لهكذا صور ومشاهد،ولكن ومن المثير حقا، أن تكون هذه المشاهد هي من أكثر الظواهر العراقية بروزا على السطح،حيث تمارس الاكثرية العراقية...مهمة الحديث بطريقة أستعلائية...تفاخرية...تشنجية..عصبية مستمتعة بالنصب على الاخر...منتقدة على طول الخط الاخر،كي توكد أنتفاخها وتميزهاعن الاخر، يفهمون من الحوار على أنه كرة في ملعب.... ويرددون دائما بأن الكرة في ملعبهم..فالحوار بالنسبة لهم جولة كروية(أما ربح أخسارة) والجميع عندهم يكذبون، وتخيل عزيزي القارئ كيف تكون هذه العلاقات...من بدايتها وحتى أنكسارها وتهشمها.

ينصبون ويسخرون من الاخر،بطريقة تدل على تشوه الروح قبل العقل( ويظهر هذا بشدة عند الرجال وبصورة ضعيفة عند النساءلانشغالهن بمهام أكثر) وأذا كنت جالسا في حضرة (مدعي العلم والمعرفة) فهم يعرفون عن الارض وكرويتها أكثر من غاليلو! ويفهمون في الشعر العمودي وقصيدة التفعلية وقصيدة النثر، أكثر من المتنبي والجواهري وكل شعراء العصر الحديث!وهم يعرفون في الفلسفة التي توقفت عند كتاب الستينات!حيث ماتوا كل فلاسفة العالم الذين جاءوا بعدهم!وهم متأكدون من أن هتلرا مات مقتولا لامنتحرا!وهم الوحيدون الذين يعرفون أصل الشجرة وفرعها ولماذا مثلا يتسلق القرد على الشجرة؟ وهم يعرفون لماذا سمي البحر الميت ميتا ولماذا وجدت مستشفى المجانين في العالم؟ وهم النقاد المثاليون للاخر الذي تلوكه ألسنتهم!وهم يريدون الجالس معهم صامتا ليضمنون تميزهم وتفاخرهم حيث ترتفع أصواتهم بالسعير، فتجد الكل يتحدث بنفس الوقت ونفس اللحظة والكل أطرش لايسمع! وتراهم جالسون(واحد يخاف من الثاني) يفتقدون الى أسترخاء الحوار...ويرددوون كالببغاوات كلمة( الاصول) وهم لايفقهون أصل هذه الكلمة...معناها...مبناها وفعلها المرتبط أصلا بأحترام الذات وأحترام الاخر...أحترام رؤياه...تقافته مهما أختلفت عنا.

لماذا تعيش الشخصية العراقية، مشكلة التبجح بالمعرفة وأزدراء الاخر..والانتقاد المستمر، طبعا لاينفصل الامر عن النشأة والتربية العراقية، التي تعتمد في تربيتها أصلا على الاستبداد والاستلاب في تربية الفرد،فأنت ترى العائلة العراقية أما يحكمها أب مستبد وقاس، أو أم متحكمة،أو أخ أكبر يقرر مايريد للجميع،أو أم متسلطة،أو عمة تلغي العائلة بأكملها وتتحكم بالعائلة بطريقة درامية،أو خالة تدس أنفها في كل شئ،أو عم أوخال يظهران عند التدخل في الشؤون الداخلية للعائلة والفرد.


هؤلاء هم الين يربون الاولاد والبنات ويزرعون الرعب في قلوبهم،وعدم الثقة بالنفس،وينشأوون العقد وتراكمها في النفس الطرية الغضة،يبنون عند الفرد الغرور،وأنتقاد الاخر، هذه بعض المواصفات التي تمتاز بها التربية العراقية،وهذه التربية مرتبطة أرتباطا وثيقا بظاهرة مدعي العلم والمعرفة والنصب!فالعائلة العراقية لاتركز على التربية السليمة، واحترام خصوصية الاخر، وتطبيق النقد الجمالي الذي يرفع من قيمة الفرد والاخر،وتطبيق النقد الذاتي الفردي........الذي يوضح عيوب الشخصية ليتجاوزها، من هنا تجد،العائلة العراقية تربي،أبناءها وتزرع في قلوبهم الخوف من الناس.لذا تجدهم يعيشون رعب تلك المتلازمة التي يرددونها على ألسنتهم(شتكول الناس) فا الناس بالنسبة لهم دين!


طبعا لايستطيع المرء أن يفصل بين الظروف السياسية المنعكسة على الظروف الحياتية الاجتماعية في العراق وخارجه،الا ان تلك الظاهرة في نمو مستمر وهي تسير في طريقها لتصيب الصغار أيضا،فلذا على مدعي العلم والمعرفة (ان يبدوا بالدراسة من جديد لتعليمهم فن الحوار،واحترام الاخر،واحترام الذات ورفض أشكال الاستبداد،والبدء بقراءة كتب تتحدث عن السلام والمحبة والسلوك البشري الراقي!ومفهوم الاختلاف، والطفل له الحصة الاكبر في تعليمه فن المحبة والاختلاف،لينشأ هادئا سعيدا، واثقا من نفسه، يعرف من نعومة أظافره مفهوم الاختلاف والحوار بطريقة مبسطة لينشأ رافضا مبدأ الاستبداد،لنضمن بعدها خفت حدة الحروب عندنا.


من هنا لاأستغرب علاقة الجدل البيزنطية بين الحاكم والمحكوم في العراق،فدائما هناك شعار الحاكم المضحي،من أجل شعبه والشعب هو المضحى به،أليس هؤلاء الحكام قد خرجوا من رحم هذه العوائل العراقية!

زهراء حسن
[email protected]