ليست هناك امكانية لقيام مجتمع مدني في ظل سلطة احزاب تتفوق على سلطة الدولة والدستور.وليس هناك مثل تلك الامكانية في ظل غياب القانون ووجود اشخاص وتجمعات قبلية او سياسية او دينية تعلو على القانون. فالمجتمع المدني ليس مؤسسسات تنظيمية لها نشاط خارج اط\ار السلطة السياسية الحاكمة او خارج اطار المجتمع السياسي خارج السلطة فحسب. المجتمع المدني له تاثير مباشر على صناعة القرار.وهذا التاثير هو الذي يقرر وجود مجتمع مدني ويقرر مدى تاثيره وجدواه ووجوده في الواقع الاجتماعي والسياسي لاي مجتمع.


تكون منظمات المجتمع المدني عادة في موقع مقابل للاحزاب السياسية والسلطة السياسية ولا تاثير لهما على نشاط وتوجهات مؤسسات المجتمع المدني.والاحتواء الشائع لشعارات الديمقراطية والمجتمع المدني من قبل الاحزاب الشمولية يمنع ظهور مجتمع مدني حقيقي، ويحول المؤسسات الشكلية للمجتمع المدني الى اذرع ضاربة للسلطة او الاحزاب كما كان الحال في مرحلة الدكتاتوريات العربية والعالمية حيث تتحول منظمات الطلبة والشباب والنقابات ومؤسسات الاديان واتحادات المعلميم والمحامين والكتاب وغيرهم الى اجهزة رسمية تحرس جبروت السلطة وتغذيه ضد المجتمع.


اود ان احل سوء فهم شائع حول المجتمع المدني والعلمانية.لاتعني العلمانية النظام السياسي الشمولي الذي لايؤمن بالدين. ولذلك ليس لدينا علمانية في العالم العربي في ظل وجود احزاب سياسية يسارية وقومية لاتؤمن بالدين ولكن ليس لها من الموقف العلماني سوى شكله. فالعلمانية منظومة فكرية تعارض الشمولية الايديولوجية، ولذلك فليست الاحزاب الشيوعية علمانية وليست الاحزاب القومية غير الدينية علمانية.فنظام التعليم مثلا في النظام العلماني ليس نظاما عقائديا يتبع ايديولوجية الحزب الحاكم وعقيدته السياسية ونظرته الشمولية الى المجتمع.اما في الاحزاب الشيوعية فنظام التعليم نظام ايديولوجي ليس حرا، اذ انه بدل ان يرتبط بالكنيسة ارتبط بالتوجديه الايديولوجي للنظرية الماركسية بعد تحويلها الى نظرية لينينية طوباوية تنظر الى العالم على انه كل شمولي خاضع لمقررات التنظير الحزبي والرؤية اللاييدولوجية للحزب.
كذلك ليست الاحزاب القومية مثل حزب البعث او حركة القوميين العرب سابقا او الاحزاب العربية ذات الفكر القومي علمانية. فهي تنظر، مثل الاحزاب الشيوعية، الى التعليم نفس النظرة ومثل الاحزاب الشيوعية، تغفل مسالة الحريات وحقوق الانسان وتحجول مابقي من مؤسسات مدنية مستقلة الى اجهزة حكومية سلطوية تدافع عن اخطاء الحكم وجرائمه ضد المجتمع.
ففي السياق العلماني هناك مسالة اساسية هي ان الحقوق ليست مكتسبة وانما طبيعية. اي لا دخل للاديان ومؤسسات الحكم ملكية ام جمهورية، في انبثاقها او منحها، كما لايحق للاديان ومؤسسات الحكم مصادرتها اوتجميدها.
ومن هذا الموقف يذهب النظام العلماني الى التعليم كونه حرا لاتوجيه سياسي او ايديولوجي للدولة عليه ولا سيطرة للكنيسة عليه ولايحق لهما توجيهه خارج العلم والتجربة.


ففي فرنسا مثلا، وبعد حقبة طويلة من الحروب الدينية التي كانت تغذيها التعاليم اللاهوتية في المدراس،وامتدت من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر، صدرت عام 1905 ساسلة تشريعات قاونية بموجبها لاتقوم المدارس الوطنية او المحلية باي نوع من انواع الدعاية الدينية عبر المناهج التعليمية وفي نفس الوقت تمنع هذه التشريعات جميع المدارس الوطنية والمحلية من اجبار اي طالب على تلقي تعليم ديني.
كان المجتمع الفرنسي منقسما بسبب تلك الحروب ودوافعها التي ارتدت رداء دينيا وغذتها العواطف والحماسات الدينية، ولعب التعليم، كما هو شان التعليم العراقي خلال الحرب مع ايران ومابعدها من حروب،دورا في تغذية النزاعات تلك.
افهم سر الحاح على كلمة العلمانية. ففي الغرب لاتتكرر هذه الكلمة الى نادرا. اما في عالمنا العربي فهي تتردد بسبب هيمنة القوى الدينية. والالحاح عليها بدون تطابق معناها مع مبادئها اضر،ويمكن ان يضر اكثر، امكانية الوصول الى مرحلة فصل الدين عن الدولة، لا باعتبار العلمانية الحادا، وانما باعتبارها فكرا وموقفا يتعلق بتحديد صلاحية كل من الدين والدولة واين يلتقيان واين يفترقان.اي صلاحية الزمني وصلاحية الديني التي جعلها رجال دين كثيرون ومسلمون اكثر صلاحية واحدة لاتفترق ولاتتغير وفق اطروحة الاسلام دين ودنيا دون ان تعني هذه الاطروحة الايات التي تؤكد على ان الايمان والعمل على دخول الجنة لايعني التخلي عن التمتع المشروع بمتع الدنيا.
انني اعتقد ان هدف الفكر العلماني في العالم العربي والاسلامي يمكن ان يتحقق ايجابيا لمناقشة الفكر الاسلامي باعتباره انتاجا انسانيا وليس الهيا. اي ان الاطروحات الدينية التي انتجها الفكر الاسلامي خلال اربعة عشر قرنا من الصراعات السياسية التي غلفت الاختلافات الفقهية والمفاهيم الدينية قابلة لان تتغير وفق مناهج التحديث السياسي والثقافي والاجتماعي التي تسود العالم.


ماهي مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي؟
تبدأ هذه المستلزمات بالشروع بمرحلة نقدية، سياسية وفكرية وفلسفية للفكر السياسي والاجتماعي السائد الذي يحول دون تحول المجتمعات السياسية الى مجتمعات مدنية. اي نقد الشمولية الايديولجية لدى جميع الاتجاهات دون استناء. ان التنوير يبدأ من الخروج من اطر القناعات والمسلمات كما يخرج من اطر الخوف والارهاب الفكري.لقد خضع الفكر النقدي والتنويري العراقي والعربي لحملات ارهاب فكري نظمتها وقادتها الاحزاب السياسية المهيمنة بمساعدة مثقفين شموليين معادين للحرية والتنوير والتعددية والمشاركة السياسية. هذه حقيقة سياسية واثقافية واجتماعية جعلت النخب العربية شريكة في جريمة مصادرة الحريات وتغييب القانون واعتبار الدستور حكاية مملة.ومن المؤسف ان تكون هذه النخب قد تلقت دعما لتحقيق دورها الاستبدادي هذا من دول ديمقراطية غربية لاترى في الديمقراطية والمجتمع المدني الا حقا غربيا مقتصرا على الولايات المتحدة ودول اوروبا لاغربية.فالولايات المتحدة لم تدعم اي مشروع ديمقراطي او ليبرالي في العالم العربي. واتخذت من مفهوم العلمانية حجة لصراعها مع الاسلام. وهذه حقيقة علينا نحن الليبراليين والعلمانييين ادراكها جيدا.


تعالوا نلقي نظرة سريعة جدا على تاريخ العلمانية والمجتمع المدني في اوروبا فللمقارنة فوائدها دائما رغم رفضها من قبل مجموعات كبيرة من المثقفين والسياسيين الذين يريدون المحافظة على الاستبداد والتخلف السياسي وغياب القانون والدستور والحريات المدنية في العالم العربي والشرق الاوسط. فاسبينوزا اطل براسه من سقف الاستبداد الديني ليخضع الدين لنقد منهجي رغم اعتقاد بعض الباحثين بان كتابه في البحث التيولوجي السايسي يتصل بنهضة البرجوازية البرلندية، وخرج هوبزمن دهليز الاستبداد السياسي والحكم المطلق ليعلن ان المؤسسات السياسية والاجتماعية لايتم تبرير وجودها الا بمقدار ما تحمي المصالح العامة وتضمن الحقوق الفردية، ليمهد الطريق نحو اضعاف الحكم المطلق وانبثاق المؤسسات على يد لاحقيه من الفلاسفة والمفكرين. فقد انتشل لوك الحكومة من حضيضها المطلق ليضعها في خدمة المجتمع وليعبر عن الثورة الانجليزية وراي الطبقات والفئات الصاعدة نحو النهضة والتنوير حيث ظهر مؤلفه (حول الحكومة المدنية) عام 1690بعد سنتين على الثورة الانجليزية. واطلق لوك مفهوم التسامح ودعا الى عقلنة المسيحية وانتقد نظريات الحكم الابوي للملوك ومجد حرية الانسان باعتباره كائنا عاقلا فالعقل والحرية مترابطان وان غاية الفلسفة مثل غاية السياسة وهذه الغاية هي البحث عن سعادة الانسان وتحقيقها وحمايتها.


انطلق لوك من فكرة ان حالة الملكية حالة طبيعية وهي تسبق المجتمع المدني، فالملكية خيرة للمالك وضرورية للجنس البشري ليحصل الجميع على السعادة. فالانسان العاقل الحاذق، وليس الطبيعة وحدها، من يصنع القيمة والمنفعة في الاشياء والادوات ويعطيها وظائفها ومنافعها.
ان لوك الذي يعتبر اباً للفردية الليبرالية وللعلمانية لايعطي الحكم ايو وظيفة دينية فهو يفصل بين ماهو زمني من اختصاص الحكومة وبين ماهو روحي خارج اختصاصها فيقول( ان كل سلطات الحكومة المدنية لاتتعلق الا بالمصالح المدنية) منطلقا من عقلانية الحكومة وواقعيتها الدنيوية ليصل الى الدعوة الى شجب التعصب والحماس الديني في كتابه (محاولة حول الدراك البشري) معلنا (ان السلطة التشريعية اعلى من السلطة التنفيذية) دعيةاعيا الى فصل السلطتين وعدم اجتماعهما في نفس الاشخاص( مقيدا) السلطة التشريعية بالحرية والعقل مؤكدا ( ان السلطة في جوهرها هي سلطة الحرية ) التي تقود الى السعادة بواسطة العقل.


ولكن لوك لايترك السلطة حرة. انه يقيدها بالعدالة.فكل سلطة سياسية يجب ان تكون عادلة.
هوبز، قبل لوك، اعطى للعقل مكانة سياسية حين قيد الملك بالعقل والضمير المهني في زمن بدأ فيه نقد الحكم المطلق.وفي كتابه (الليفيتان) ينتقد هوبز الخرافات وعلم الشياطين والرقى والتعاويذ التي تعتمد عليها تجارة الكهنوت. ففي الفصل الاخير من الكتاب والمعنون(مملكة الظلمات) التي يضعها بدلا عن (مملكة الرب) التي يدعيها رجال الاكليروس والوزراء والموظفون الكبار والملك الذي يتسلم التاج من الاسقف(1) يشن هوبز حملته ضد ثقافة الخوف التي ينشرها رجال الدين وتشكل مصدر ارباحهم، ويعتبر الخوف من القوى الخفية هو الدين، منتقدا منظومة التعاليم الكهنوتية التي تشد الانسان الى مملكة الظلمات.
(1) Hobbes.Leviathan.Pelican Classics1968.p630).)في الجزء الاول من الكتاب، الفصل الرابع عشر، يتساءل هوبز ببسالة،عن معنى الحق الطبيعي، ومعنى الحرية والفرق بين معنى الحق ومعنى القانون، والحق الطبيعي في ان يكون الانسان حرا في ان يفعل كلاعدالة شئ،ومعنى الواجب، ومعنى العدالة ومعنى الظلم والجور،ومعنى الحكومة، وغيرها من المعاني الاجتماعية والسياسية ذات المحتوى الفلسفي التي ساهمت بصياغة الفكر الفلسفي للنظام السايسي الديمقراطي (2)(ibid.p189-200)
لقد انشغل هوبز ببحث مشكلات فلسفية عبر الانشغال بالتاريخ ايضا. انه يسعى الى تفكيك المفاهيم واعادة صياغة دلالاتها السياسية والقانونية والاجتماعية. ففي بحثه حول الحق الطبيعي.


ان الليفيتان هو حيوان بحري ضخم ومتوحش، وقد اراد هوبز( حجم الكتاب ضخم هو الاخر) ان يوحي بالتشابه بين الحكم وبين هذا الحيوان المتوحش. ومن عناوين كتب هوبز( عناصر القانون) و(المواطن) (الطبيعة البشرية والجسم السياسي) نلمس اسس العقل الديمقراطي الصاعد في فلسفة الحكم في اوروبا، الامر الذي يغيب دور القانون والدستور والمواطن والفردية في الفكر السياسي العربي السائد وفي الخطاب الثقافي والسياسي في بلدان الشرق الاوسط.


لقد خرج هوبز من تصور الحالة الطبيعية التي يراها حالة حروب وفوضى وخوف وشريعة غاب، الى المجتمع المدني باعتباره خلاصة للحقوق الطبيعية ومرحلة لاحقه لمرحلة الحق الطبيعي التي نادت باستقلالية هذه الحقوق.
بعد ان فتح هوبز ولوك الباب امام العقل والتنوير ونقد الحكم المطلق والدور الديني للحكم ظهرت موجة التنوير عالية وتصاعد مدها مع مونتسكيو و(روح الشرائع) مؤكدا على فصل السلطات ومعتبرا الديمقراطية مثل خلفه توكفيل مناسبة للعقل. وتوكفيل هذا زار امريكا سنة كاملة ليكتب( الديمقراطية في امريكا) عام 1835 مؤكدا على دور الديمقراطية في التاثير على المؤسسات خاصة مؤسسات العدالة، فالمساواة امام القانون هي الديمقراطية بعيدا عن الاعتبارات الدينية.

ان كل عمل الفلاسفة والمفكرين التنويريين لم يكن ليتحقق على المستوى الواقعي ويصبح مبادئ واسس النظام السياسي لو لم يبادر السياسيون، الاحراروالشجعان، الى تبني هذه المبادئ والاسس والايمان بها والدفاع عنها.
ان التعددية السياسية والبرلمان والصحافة الحرة والمجتمع المدني تدين كلها، ليس فقط للطبقات التي أمنت بها، وانما الى المفكرين التنويرين الذين خاضوا كفاحهم الفكري المرير في عصور الظلام والارهاب الفكري، والى السياسيين الذين حملوها في الهيئات التي كانوا يمثلون مواطنيهم فيها، سواء الهيئات التشريعية او القضائية او الثقافية، والى ظهور مصالح جديدة لقطاعات المجتمع التي كانت متضررة من الحكم المطلق والصلاحيات الحكومية التي لاتصطدم بقانون او دستور او قوة رأي او صحافة حرة او احزاب تعمل من اجل المصلحة العامة مجبرة بحكم قوة ونفوذ المجتمع المدني الذي ظهر رديفا للمجتمع السياسي ومعادلا اجتماعيا للسلطة السياسية.


لقد مهدت هيئات الحكم المحلي الطريق امام نفوذ المجتمع المدني. فالنظام المركزي كان يقهر المجتمع.
لم يكن تطور العلمانية كنظام للتفكير الحر والعلمي مقتصرا على فلاسفة بريطانيا رغم انهم هم الذين بدأوا به. فما ان فتح الباب امام نقد الحكم المطلق حتى ظهر من عتمة الارهاب الفكري للحكم المطلق والكنيسة فلاسفة وكتاب ومفكرون، سرعان ما اشاعوا موجة التنوير في عموم اوروبا المظلمة. في فرنسا ظهر فولتير والموسوعيون، ديدرو وروسو ومونتسيكيو ودالامير.ومن نضال الانسكلوبيديين وفلاسفة االانوار واساتذة الجامعات الالمان الفلاسفة خاصة فويرباخ وهيغل تميز مجتمع جديد بدأت ملامحه تتشكل بمعزل عن السلطة والمجتمع السياسي للملك والنبلاء ورجال الدين هو المجتمع المدني الذي اخذ يتشكل في تنظيمات وافكار مناهضة لسطوة الحكم، تعتمد على الحقوق والقانون.
ان ظهور وتطور المجتمع المدني اعطى دفعة قوية للتشكل المهني القائم على المطالب الحقوقية لفئات المجتمع المضطهدة والمهمشة والعاملة في ظروف البؤس والحرمان والتمييز. لقد كان المجتمع المدني ثمرة من ثمار العلمانية، ولذلك لن يقوم مجتمع مدني في ظل الشمولية سواء كانت وطنية او اممية او قومية. ويمكن مراجعة التجربة الاشتراكية للاتحاد السوفيتي السابق ومنظومته الاشتراكية في اوروبا الشرقية لنرى عملية تغييب المجتمع المدني وحرمانه من حق العمل والنشاط، او مراجعة التجارب القومية في العراق وسوريا وليبيا والجزائر وغيرها لنرى ايضا كيف ان الشمولية القومية تغيب المجتمع المدني من جهة وتغيب العلمانية من جهة اخرى.


ان ادعاء العلمانية من قبل احزاب شمولية، يسارية او قومية وهم كبير يهين العلمانية ويشوه سمعتها ويعطي طابعها الحر لانظمة قمعية شمولية لاتؤمن بالحريات والحقوق كما هو الحال لدى الشيوعيين والبعثيين والقوميين. ان العلمانية المزعومة لهذه الانظمة مستمدة من ان هذه الانظمة ليست دينية، في حين انها تشترك مع معظم القوى الدينية في شمولية مطلقة تخضع المجتمع لتوجيهها وايديولوجيتها وعقيدتها كما تخضع التعليم والثقافة والعمل والقانون والعدالة والاقتصاد والراي العام لاحتكارها وسيطرتها وهيمنتها.


تشير تجربة المجتمع المدني في العراق خلال السنوات الخمس الماضية الى جملة ظواهر سلبية:
الظاهرة الاولى: ان منظمات المجتمع المدني تاسست وفق رغبة ارادية ذات طابع بيروقراطي(ادري) من قبل سلطة الاحتلال بعد صدور قرار مجلس الامن باعتبار القوات الامريكية قوات احتلال الامر الذي وجدت في هذا القرار فرصة لادارة المجتمع المدني بشكل اشرافي مخطط.
الظاهرة الثانية: ان هذه المنظمات تعتمد في تمويلها على اموال جهات توجه هذه المنظمات توجيها سياسيا وحزبيا احيانا ممايتناقض مع قيم ومعايير ومبادئ المجتمع المدني باعتباره مجتمعا مدنيا وليس سياسيا.
الظاهرة الثالثة: ان غالبية من يعملون في اطار هذه المنظمات من الحزبيين او الحزبيين السابقين الذين يحملون اهدافا ايديولوجية تخضع لتوجهات تخدم احزابا وتشكيلات سياسية ولاتخدم مواطنين في اطار اجتماعي وحقوقي.
الظاهرة الرابعة: ان كثيرا من هذه المنظمات تطالب الدولة برعايتها مما يخل بوظيفتها باعتبارها رقيبا على الدولة اعتمادا على القانون والدستور وقيم الديمقراطية.


هذه الظواهر تطعن في استقلالية المجتمع المدني ومنظماته، وبالتالي تلغي وظيفة المجتمع المدني وتحوله الى ذراع سياسية للقوى السياسية او الحكومة. وبالاضافة الى ان منظمات المجتمع المدني ذات طابع تطوعي فان التجربة العراقية تشير الى اهمية الاموال والحصول عليها كمحرك لظهور المئات او الالاف من هذه المنظمات لاسباب مالية تؤثر على مصداقيتها وفعاليتها، بدل المساهمة الجادة والدؤزبة في تحقيق عملية التحول الثقافي نحو الديمقراطية في بلد يمر بمرحلة انتقالية طبيعية وضرورية بعد سقوط نظام استبدادي حكم لعدة عقود.
لقد اثبتت النجربة العراقية ان منظمات المجتمع المدني قد خضعت لعملية تسييس فهي منحازة وتشترك في الصراع السياسي وتزج في انحيازات حزبية وايديولوجية. ان ابرز مثل على ذلك هو قضية المرأة، فبدل ان تقوم منظمات المجتمع المدني بمتابعة حقوقية ديمقراطية لقضية حقوق المراة فانها اصبحت مسيسة من قبل احزاب وقوى سياسية تستخدمها كواجهة للصراع السياسي والايديولوجي، وكذلك قضية الدين ودوره السياسي، اذ تورطت كثير من منظمات المجتمع المدني بمواقف من الدين والقوى الدينية الحاكمة، ذات طابع سياسي وايديولوجي بدل استخدام القانون والحق والدستور والمواطنة في نشاطها.


ان اخطر ما يواجهه المجتمع المدني في العراق هو ادلجته واعتباره جزء من الصراع الايديولوجي والسياسي، اذ يفقد استقلاليته ومبرراته ويتحول الى اذرع للسلطة كما هو الحال في الاحزاب الشمولية اذا تصبح الاتحادات والمنظمات المدنية منظمات حزبية وسياسية تساهم في قمع الراي الاخر وتخوض صراعا ايديولوجيا ضد الاخر من منطلقات سياسية وحزبية سواء في السلطة او خارجها.

نبيل ياسين

(1) Hobbes. Leviathan. Pelican Classics1968.p630)
(2)(ibid.p189-200)