في الاحتفال بعيد الفصح يوم الأحد الماضي قام بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بتعميد الصحفي المصري مجدي علام بعد اعتناقه الكاثوليكية و تم بث وقائع التعميد في كل أنحاء العالم مما أثار جدلا واسعا حول تأثير هذه الخطوة على العلاقات بين الفاتيكان والعالم الإسلامي.
والقضية لا تتعلق بتحول مجدي علام من الإسلام إلى الكاثوليكية فهو حر في قراره الذي يدخل في صميم حرية العقيدة ولكن القضية تتعلق بقيام بابا الفاتيكان بطقوس التعميد علنا في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.


مجدي علام كما قد لا يعلم الكثيرون غادر مصر إلى إيطاليا في عام 1972 بعد تعرضه للاعتقال المؤقت بسبب الاشتباه في علاقته بفتاة يهودية وهناك أكمل دراسته ثم عمل صحفيا بجريدة quot;لا أونيتاquot; التي يصدرها الحزب الشيوعي الإيطالي ثم انتقل إلى صحيفة quot;لا ريببليكاquot; ومنها إلى صحيفة quot;كورييرا دي لا سيراquot; التي أصبح نائب رئيس تحريرها.


وقد أصدر عدة كتب أهمها كتاب quot;تحيا إسرائيل.. قصتي من أيديولوجية الموت إلى ثقافة الحياةquot; ودافع فيه عن الدولة العبرية في مواجهة ما أسماه التطرف الإسلامي وقد منحته إسرائيل جائزة quot;دان ديفيدquot; في عام 2006 باعتباره أحد أهم مؤيديها ووصفته صحيفة quot;هاارتسquot; بأنه صهيوني مسلم!
وللرجل مواقف مثيرة للجدل أهمها دفاعه عن الرسوم المسيئة للنبي ووصفه للحروب الإسرائيلية ضد العرب بأنها quot;حروب وقائيةquot; ومطالبته بأن تتخلي إسرائيل عن مبدأ الأرض مقابل السلام ودعوة الغرب لانتهاج سياسات أكثر تشددا مع العالم الإسلامي واتهامه للإسلام بأنه مصدر كل الشرور والآثام!


وقد تم تعميد مجدي علام والذي يعمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة quot;كورييرا دي لا سيراquot; الإيطالية والبالغ من العمر 55 عاما بعد أن ظل اعتناقه للكاثوليكية طي الكتمان لأكثر من خمس سنوات وأصبح اسمه الجديد بعد التعميد quot;كريستيانquot;!
وعقب تعميده كتب مقالا في صحيفة quot;كورييرا دي لا سيراquot; قال فيه quot;إن روحي تحررتquot; بينما قال البابا بنديكتوس السادس عشر إن التحول إلى المسيحية بعد ألفي عام من قيامة المسيح هو بمثابة معجزة مستمرة!


والحقيقة أنه لا يمكن اعتبار التحول إلى المسيحية أو أي دين آخر بمثابة معجزة لأنه في الوقت الذي يدخل فيه آلاف البشر إلى المسيحية يتخلى عنها طواعية آلاف آخرون دون أن يشكل ذلك فارقا كبيرا فالمسألة تظل محصورة في إطار القناعات الشخصية وحرية الاعتقاد.
لكن المؤكد أن قيام بابا الفاتيكان شخصيا بتعميد صحفي مصري بدلا من إجراء ذلك في إبرشية صغيرة وتسليط الأضواء على هذا الحدث بهذه الطريقة قد سبب صدمة في العالم الإسلامي الذي اعتبر المسألة بمثابة رسالة من الكنيسة الكاثوليكية بأنها سوف ترعى علنا عمليات تحول المسلمين إلى المسيحية.


كما أعادت هذه الخطوة إلى الأذهان ذكرى خطاب البابا في جامعة ريجنزبرج والتي ربط فيها بين الإسلام والعنف استنادا إلى مقولة منسوبة لإمبراطور بيزنطي. ورغم ردود الفعل الغاضبة في العالم الإسلامي آنذاك إلا أن البابا رفض الاعتذار عن خطابه واكتفى الفاتيكان بإصدار بيان أكد أن رأي البابا قد لا يتطابق مع رأي الإمبراطور البيزنطي.


وقد حاول البابا بنديكتوس السادس عشر رأب الصدع الناجم عن هذه الأزمة بالصلاة في مسجد في تركيا وإقامة منبر للحوار الإسلامي الكاثوليكي من المقرر أن ينطلق في نوفمبر 2008 لكن هذا الحوار أصبح مشكوكا في جدواه بعد تشجيع البابا علنا للتحول من الإسلام إلى المسيحية.
صحيح أن هناك آلاف المسيحيين يتحولون في المقابل من المسيحية إلى الإسلام ويمارسون شعائرهم علنا في مناطق كثيرة من العالم لكن عمليات التحول من الإسلام إلى المسيحية ينظر إليها بحساسية أكبر في العالم الإسلامي.


ومع التسليم بحق الإنسان -أي إنسان -في اعتناق الديانة التي يؤمن بها طالما أن هذا يتم بمحض إرادته دون إكراه أو إجبار أو منفعة، فإن المثير للجدل هو دور المؤسسات الدينية إزاء هذه التحولات المثيرة للحساسية على الجانبين الإسلامي والمسيحي!
والسؤال المطروح هل يجوز للمؤسسات الدينية الرسمية التورط في تشجيع التحول من الإسلام إلى المسيحية وبالعكس في ظل ما يشهده العالم من صراعات دينية ومذهبية وعرقية أم من الأفضل للمؤسسات الدينية أن تنأى بنفسها عن هذه المسألة تاركة إياها للقناعات الشخصية حرصا على السلام والتعايش والتفاهم بين الحضارات؟!
في رأيي أن تعميد البابا بنديكتوس السادس عشر للصحفي المصري مجدي علام خطوة سوف تشعل التوتر في العلاقة بين الفاتيكان والعالم الإسلامي!

عبد العزيز محمود
*كاتب وصحفي مصري