استئجار إدارة ناجحة لإدارة المال العام

لا يستطيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مهما استخدم وأبدع من وسائل، أن يصلح الخراب الذي أحدثته فتح في المجتمع الفلسطيني على مدى تاريخها حتى الآن. وواهم من يعتقد أن عمر الفساد في المؤسسات الفلسطينية هو من عمر السلطة الفلسطينية التي جاءت إلى الأراضي الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو. لا، فعقلية الخراب والفساد والمفسدين،هي أقدم من هذا بكثير. فالمحسوبية والعشائرية الجهوية وتسخير المال العام لمآرب شخصية وتجميع الثروة،كلها من الأمور التي كانت معروفة وسائدة قبل أن تتحول فتح من حركة تحرر وطني تمارس الكفاح المسلح، إلى سلطة حاكمة.


ولا نبالغ إذا ما قلنا أن هناك أجهزة في منظمة التحرير وفي فتح على وجه الخصوص كانت مقسمة جهويا وأبويا وعشائريا وعائليا حتى قبل توقيع اتفاقات أوسلو. بحيث كان المرء ببساطة يسمى أيا من المؤسسات الفتحاوية التي كانت موجودة باسم صاحبهاquot; أبو فلان أو أبو علاّن. وخلاصة القول أن فتح التي كانت كبرى المنظمات الفلسطينية والعمود الفقري للعمل الوطني الفلسطيني لم تكن مؤسساتها قائمة بأي حال على كفاءة من يديرها، بقدر ما كانت تخضع في إدارتها لحسابات جهوية وعشائرية دقيقة موجودة هي الأخرى المجتمع الفلسطيني نفسه.
ومن الملاحظ أن هذه الأمراض انتقلت كما هي من الثورة إلى السلطة الفلسطينية وزيادة quot;حبتينquot;، لأن التنافس على هذه الأسس المذكورة آنفا، وهذه الأمراض أصبحت على أشدها، لا سيما مع وجود المزيد من الأموال التي ضختها الدول مانحة في جسد هذه السلطة.
ليس من السهل على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو رئيس مهما أوتي من أسباب القوة والجبروت، أن يخوض حربا ناجحة على الخراب ومظاهر الخراب من الفساد والمفسدين، في الوقت الذي عجز فيه الرئيس الفلسطيني الأسبق ياسر عرفات بكل ما أوتي من شعبية ورمزية عن إحداثه.


وربما كان من المهم أن نبق البحصة ونقول، أن أبو عمار الذي كانت شعبيته تساعده في اتخاذ إجراءات حقيقية لمحاربة الفساد،لم يبادر إلى اتخاذ أية خطوة عملية في هذا الشأن. وهو لم يفعل شيئا أمام هذا الخراب التاريخي المستشري في الجسد الفلسطيني، بل لنا أن نشير ونؤكد أنه هو الآخر، ساهم مساهمة فعالة في تنمية الفساد والمفسدين ومساعدتهم على تحقيق مآربهم على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية. فنحن مثلا لم نسمع يوما أن الرئيس الرمز قام بحملة لمعاقبة ومحاسبة هؤلاء المفسدون المعروفون لشعبنا والذي لا نجد داعيا لذكر أسمائهم أو إحصاء حجم ثرواتهم.بل وأكثر من ذلك أيضا أنه غالبا ما كنا نرى ونسمع كيف كان يكافأ وتعلى مراتب أمثال هؤلاء المفسدين.


وربما تكمن مشكلة الكثير من الفلسطينيين في ذاكرتهم المنخورة التي لا تترسخ فيها الحقائق بقدر ما تعلق فيها الخرافات والأوهام. خصوصا عندما تتخيل عهدا ماضيا ورديا ومعافي في ظل حكم الرمز. وتتصور أن الخراب هو ابن لحظته أو نتاجا لتقصير شخص ما بعينه.
والمشكلة الثانية الأكثر خطورة تكمن في انتظار التغييرن حتى لدى النخب السياسية التي تنادي بالإصلاح،من شخص الرئيس الذي تعلق عليه كل المهام الوطنية والإقتصادية والثقافية والاجتماعية. وتتناسى في الوقت نفسه دور مؤسسات المجتمع المدني وغيرها من المؤسسات المناط بها عملية الإصلاح.أننا في انتظار(جودو). لكن جودو ضعيف وغير قادر على إصلاح خراب تاريخي ومتفشي كبقعة الزيت. فما العمل إذا؟
اقترح أن تتنادى مؤسسات المجتمع المدني والنخب الثقافية والفعاليات الإقتصادية في المناطق الفلسطينية إلى استئجار إدارة مشهود لها بالنجاح من أية دولة في العالم،حققت نموا كبيرا في مجتمعاتها لتدير المناطق الفلسطينية.حتى لو كلف استئجار مثل هذه الإدارة نصف المساعدات المقدمة من الدول المانحة. وشرط أن لا يتدخل الفلسطينيون في إدارة هذه الشركة.


لقد جربنا الثوريين والوطنيين عندنا،فأكلوا الأخضر واليابس، وأتوا على كل ما حصلنا عليه من الدول المانحة ومن الناتج القومي. وربما كان انتظار أن تصحو ضمائر المنظمات والحركات الفلسطينية التي تسلمت الحكم وفشلت في إدارة المناطق الفلسطينية، هو انتظار عقيم ومكلف ويهدر المزيد من الوقت والطاقة.


وفي اعتقادنا أن دعوة إدارة أية شركة أوربية ناجحة لقاء مقابل مجزي لإدارة المناطق الفلسطينية وتنميتها وبناء كادرات إدارية فلسطينية ناجحة، سيكون له آثارا طيبة على أوضاع الفلسطينيين. وأرجو أن لا يفهم من كلامنا هذا أن ندعو دولة غربية لتدير مناطقنا الفلسطينية،أو ندعو إلى صيغة انتداب جديد، فهذا كثير ولا تحتاج المناطق الفلسطينية إلى خطوة كبيرة كهذه، عدا عن أن أية دولة في العالم لا تتشجع أمام ما وصلت إليه أوضاعنا لتنتدب علينا،بل أرى أنه يكفي الاتفاق مع إدارة سوبر ماركت ناجح في أوربا استطاع تحقيق قفزة اقتصادية ونموا كبيرا برأس مال بسيط لتصل أرباحه إلى عشرات مليارات الدولارات سنويا، ليدير المناطق الفلسطينية.كما أرى أنه من الضروري الاتفاق مع مثل هكذا إدارة على تربية كوادر فلسطينية من خلال إقامتها لدورات ومدارس بهذا الخصوص.ولكن بشرط أيضا أن نوفر لمثل هذه الشركة الظروف الأمنية المناسبة التي تمكنها من العمل والاستثمار. فلا يتدخل أبو الجماجم أو أبو الغضب ولا الأبوات أو عتاولة فتح وغيرها في هذه الإدارة.


وفي النهاية نقول أن المراهنة على الرئيس الحالي،أو أي رئيس، في إحداث قفزة نوعية محاربة الفساد، هو عبث ومضيعة للوقت. لأن الفساد استشرى وتجذر في مجتمع وسلطة كل ما فيهما قائم على المحسوبية والفساد.
والأفضل ولكي ينجو الفلسطينيون، هو أن يبحثوا عن حلول لمحاربة الفساد من خارجهم. علهم يستطيعيون التقدم ولو قليلا في مسيرتهم الطويلة.

ناديه عيلبوني
صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا