بدا الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر في إطلالته المفاجئة على شاشة قناة الجزيرة القطرية مشوشا مرتبكا وغسان بن جدو يفوز بمحاورته ليسجل سبقا صحفيا لقناته الممنوعة من العمل في العراق، وهو قرار يشمل كل من يعيش في العراق مواطنا كان أو زعيما؟!...
حتى بن جدو إرتبك لمرات عديدة وهو يتلقى أجوبة الزعيم الشيعي وهي بالمجمل إجابات قصيرة مبتسرة لم يكن الكثير منها يشبع ظمأ المحاور، فيما كانت بعض الإجابات مفاجئة حقيقية للمحاور، خصوصا ما يتعلق بإعلان الصدر معاداة الأمريكان في العراق الذين أسمائهم مرارا بالمحتلين، لكنه نسي وهو يطرح نفسه على شاشة الفضائية كزعيم للأمة العراقية، جامعا السني والشيعي معا تحت خيمته، أنه لولا الأمريكان لما سمع أحد من الشيعة باسم هذا الزعيم الشاب، ولما إستدل أنصار والده على قبره خوفا من الدكتاتورية الصدامية.

يجمع عراق ما بعد صدام حسين جميع متناقضات الحياة على أرضه..كتل برلمانية متصارعة بالسلاح في الشارع نهارا، وفي الأمسيات يتبادل زعمائها أنخابهم حدادا على أرواح ( شهداء الشارع ) من الكتلتين!!. فبتنا نحن العراقيون لا نعرف أي قتيل من هؤلاء نحسبه شهيدا عند الله ينزل غرفا في الجنة، وأي منهم قتيل يخلد في الجحيم يصلى بناره المستعرة، فحتى أصحاب السوابق المحكومين بجرائم مخلة بالشرف أصبحوا بقدرة قادر جهاديين في سبيل الله، ويحسب قتلهم شهادة في سبيل الله؟!.


فكما يجمع العراق على أرضه كتلا برلمانية ووزارية معروفة ومعلنة على الصعيد الرسمي، ولكن في الخفاء هناك عصابات وميليشيات تابعة لهذه الكتل تتصرف بأموال العراق كيفما تشاء، ففي الوقت الذي يتسلم وزرائها في الحكومة ونوابها في البر لمان رواتب مغرية على حساب معاناة الشعب،تنهب عصاباتها وميليشياتها خيرات العراق سواء في غرب العراق أو جنوبه.. عصابات خارجية مدعومة من بعض دول الإقليم، وعصابات داخلية مدعومة من كتل سياسية ممثلة في البرلمان والحكومة..


وآخر المضحكات المبكيات في عراق التناقضات هو إستسهال إعلان حالات حظر التجوال الشامل في العاصمة ومعظم محافظات العراق كلما هبت جماعة بوجه الحكومة، فبمجرد مطاردة من تسميهم الحكومة بعصابات الإجرام يعلن حظر التجوال في مدن العراق، رغم أننا عشنا في هذا البلد ولم نلحظ أن الحكومات العراقية السابقة أعلنت حظر التجوال إلا خلال الأيام الثلاث الأولى من الإنقلابات العسكرية.


فعلى ما أذكر لم يعلن منع التجوال في العراق إلا أربعة مرات وهي خلال أربعة إنقلابات متتالية شهدها العراق وهي، ثورة عبدالكريم قاسم على الحكم الملكي في 14 تموز 1958، وإنقلاب 8 شباط البعثي عام 1963، وإنقلاب عبدالسلام عارف على رفاقه في البعث عام 1963 أيضا، وأخيرا إنقلاب حزب البعث على حكم عبدالرحمن عارف في 17 تموز 1968، وكانت جميع هذه الحالات من حظر التجوال هي مكرسة لتصفية الحسابات بين الإنقلابيين الجدد وأعوان السلطات السابقة. ولكن الحكومة الحالية السجينة في المنطقة الخضراء لا يهمها مصالح الناس عند إعلان أي حالة لمنع التجوال ولأي سبب كان حتى ولو لمجرد مطاردة عصابة إجرامية كما تقول؟!.

كما كان المعتاد في السنوات الماضية أن نرى الحكومة العراقية وهي تقاتل أحزاب المعارضة لها، سواء كانت سنية أو شيعية، كردية أوعربية وغيرها، ولكننا لم نسمع أبدا أن أيا من الحكومات العراقية السابقة أعلنت الحرب على كتلة سياسية ممثلة في البرلمان عبر إنتخاب ديمقراطي وهو الإنتخاب الذي أوصل قادة هذه الحكومة الى السلطة؟؟!!.. ألم أقل لكم أن العراق يجمع كل متناقضات الحياة.

وفي التقييم لهذه الحرب الداخلية، فقد أعلنها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر خلال مقابلته في قناة الجزيرة وبصراحة متناهية، أنه ينتظر الوقت المناسب لتحرير العراق من القوات المحتلة، وطبعا سيشمل حربه القادمة والمنتظرة ضد الإحتلال من وصفهم بـ( البين بين ) أي الحكومة العراقية التي يعتبرها بالتأكيد أذناب الإحتلال،عندها سيشمل حكمه بالطبع معظم القوى السياسية العراقية التي جاءت الى السلطة بعد سقوط صنم بغداد.
ولابد عند التقييم الذي نحن بصدده لهذه الحرب الداخلية، من الإشارة الى أن خطوة الحكومة العراقية هذه جاءت متأخرة جدا.. لأن الحرب التي تخوضها الحكومة حاليا تحت شعار محاربة الفساد، وإنهاء عمليات السلب والنهب للنفط العراقي من موانيء البصرة، كانت ضرورية قبل عدة سنوات، وتحديدا بعد أن أعيد الإستقلال المزيف للدولة العراقية بعودة بول بريمر الى بلده غير مأسوفا عليه، وقد فعلها حينذاك رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي الذي يبدو أنه إستشعر خطر هذا التنظيم قبل فترة طويلة من الحكومة الحالية، ولكنه خسر معركته تلك بسبب متناقضات السياسة في العراق وتغليب زعمائه لمصالحهم الشخصية والحزبية والإنتخابية على مصلحة الوطن؟!.


فقد كاد علاوي أن يقضي على هذا الجيش الذي أعلن دولته المنتظرة فيما بعد في جنوب العراق وداخل مدينة الصدر في بغداد في الوقت الذي كانت فيه الحكومة العراقية غارقة في سبات عميق، من دون أن تلتفت الى هذا الخنجر المسموم على خاصرتها؟!.


ولا أدري كيف يمكن للحكومة العراقية أن تواجه هذا الجيش العقائدي العالمي الذي تبجح زعيمه الشاب في قناة الجزيرة أنه يسيطر على كامل العراق من خلال وجوده في كل مكان بالعراق؟!. فهذه الحكومة القابعة في المنطقة الخضراء والتي ما زالت لا تتجرأ الى النزول للشارع خوفا من تنظيم القاعدة الذي شكل دولته الإسلامية في وسط العراق، كيف ستستطيع أن تقضي على من تسميهم بالوجه الآخر لتنظيم القاعدة وهو جيش المهدي الذي سيشكل دولته المنتظرة بإذنه تعالى في الجزء الجنوبي من العراق، ويجب أن لا ننسى أن معظم منتسبي هذا الجيش الذين يعدون بمئات الآلاف وهم من شباب الطبقة المحرومة الذين بالكاد كانوا يجدون أقواتهم، فأصبحوا اليوم بفضل سرقات النفط والإستيلاء على مقدرات البلد وخيراتها من أصحاب الملايين،حتى أن زعيمهم لا يستطيع ردعهم كما تقول الأخبار؟!


لعل الإجابة على هذا السؤال الكبير تكمن في النبأ الذي سمعناه يوم أمس وهو وقف القتال بين الفريقين والشروع بمفاوضات بين الحكومة والتيار الصدري.. ولا أدري من سيملي شروطه على الآخر ليعلن إنتصاره في هذه المعركة التي جرت تحت يافطة محاربة الفساد، فلننتظر وقد يكون للحديث صلة..

شيرزاد شيخاني

[email protected]