في خبر نشرته جريدة الإيلاف الأليكترونية يوم ٤نيسان من هذا الشهر يقول مراسل إيلاف quot; أُسامة مهدي quot; : يناقش قضاة ومسؤولو المحكمة الجنائية العراقية العليا حاليا الكيفية التي سيتم بها التعامل مع رئيس المحكمة الجنائية الثانية محمد الخليفة العريبي قاضي محكمتي الانفال السابقة وانتفاضة الجنوب الحالية على ضوء اكتشاف وثيقة تحمل توقيعه يصدر فيها امرا بأعتقال 12 معارضا للنظام السابق عام 2001 عندما كان قاضيا للتحقيق في مديرية أمن محافظة الديوانية الجنوبية وتم اعدامهم في اليوم التالي بقطع رؤوسهم بناء على ذلك. ويضيف كاتب الخبر وفق مصدر قضائي عراقي من بغداد اتصلت به إيلاف، يضيف بأن ان الوثيقة تشير الى ان القاضي قد اصدر امرا عام 2001 باعتقال الاشخاص الاثنا عشر بناء على خطاب موجه الى مديرية امن الديوانية صادر عن منظمة quot;فدائيي صدام - الاستخباراتquot;. تتهمهم بالانتماء الى احزاب معارضة من دون تسميته.

ويقول الخبر ان مسؤولي المحكمة الجنائية العليا يدرسون حاليا الاجراءات المطلوبة التي سيتم بها التعامل مع القاضي العريبي على ضوء هذه الوثيقة مشيرا الى ان هناك توجه بعزله وتقديمه الى المحاكمة او التكتم على الموضوع مقابل تقديمه لاستقالته خوفا من تأثير القضية على سمعة المحكمة ومصداقية الاحكام التي اصدرتها في وقت سابق. لا اريد الدفاع عن القاضي محمد العريبي هنا ولا إضافة شيء إلى تلك الوثيقة التي لم نرها منشورة في سياق الخبر، ذاك انها جزء من فوضى عارمة تسود الأوساط العراقية الإعلامية والسياسية وحتى القانونية في نشر الوثائق والإتهامات، وصار بإمكان أي شخص أو جهة سياسية تزوير الوثائق والبيانات ونشرها والتشهير من خلالها بسمعة أفراد ومجموعات دون أية صيغ قانونية يُفترض إتباعها في مثل هذه القضايا الخطيرة. فقبل أيام معدودة نشرت في الصحافة الأليكترونية الكردية رسالة موجهة إلى نائب رئيس النظام العراقي السابق quot; عزة الدوري quot; بتاريخ عام ٢٠٠١ يدعي فيها كاتبها (إسمه جمال رشيد) انه نجح في كسب قيادات في الأحزاب الكردية للعمل مع المخابرات العراقية. ولا تحمل الوثيقة بطبيعة الحال أية سمة رسمية ولا ملاحظات تذكر من الدائرة الأمنية التي احتفظت بها في ملفاتها. ولم ينتبه مرسل الوثيقة ( أو كاتبها ) ولا الصحف التي نشرتها وجعلت منها حدث الساعة، ان هناك خطوط ممحية على ذات الصفحة التي أُستخدمت للرسالة (الوثيقة) وهي بإعتبارها رسالة موجهة إلى شخص مثل quot; عزة الدوري quot; يفترض إستخدام ورقة نظيفة وغير مستخدمة من قبل. أما المثير فيها فهو التشابه بين آثار تلك الخطوط الممحية على الصفحة المستخدمة وبين أرقام وخطوط وحروف الرسالة الحالية. هل هي آثار التمرين على إختراع الوثيقة أو نسخها أو وضع أكثر من نسخة منها في ملف (فولدر ) واحد، أو أو أو....إلخ من الأسئلة والإستفسارات لا يجيب عليها أحد.

بالعودة إلى الوثيقة التي تتعلق بالقاضي محمد العريبي وتم الكشف عنها كما يقول خبر إيلاف، ما هو شكلها، بين أي ملف من ملفات الأمن تم العثور عليها، هل هي مرقونة على الآلة الكاتبة أم مكتوبة بخط اليد، ما هي العلامات الفارقة التي تميزها عن الوثائق quot; المزيفة quot;، ما هي علاقتها بالوثائق الأخرى التي عثرت عليها في ذات الملف الذي تضمنها، وهل كان quot; العريبي quot; قاضياً في تلك الفترة التي صدرت فيها هذه الوثيقة، وهل كان هناك قضاة في مديريات الأمن والمخابرات؟ تحتاج هذه الأسئلة وغيرها إلى الإجابة الدقيقة والمقنعة قبل النشر، فالسبق الصحفي رغم أهميته وضرورته الملحة في الحياة الصحفية إنما تقتضي المهنية قبل كل شيء. كما معروف في الطرق المنهجية التي يتم التعامل وفقها، فإن الوثائق تخضع لآليات محددة وسياقات غير عشوائية قبل الكشف عنها ونشرها في الصحافة.

وهي آليات تستوجب معرفة الخبراء القانونيين والمختصين في هذا المجال، كما تستوجب تمحيص دقيق تُوضع الوثيقة بموجبه في سياقها التاريخي ومقارنته في ذات الوقت مع وثائق أُخرى ذات علاقة. دون هذه الآليات المنهجية لا يجوز إستمعال الوثيقة ضد الأشخاص والمجموعات حتى ولو كانت صحيحة. مثلما ذكرت في البداية لا اريد الدفاع عن القاضي محمد العريبي ولا الأسماء التي تم ذكرها في الوثيقة التي نشرت في الصحافة الكردية ولا الطعن في الخبر المذكور ومصداقيته، ولكن الفوضى العراقية الراهنة وبيع الوثائق في السوق السوداء لغرض التشهير وكسب المال، تفرض علينا quot; الحذر الشديد quot; في تعاملنا مع معلومات من هذا النوع وبيانات لم يتم التأكد من صحتها وتمحيصها قانونياً وعلمياً.

خالد سليمان

[email protected]