أدوات احتجاج وحشد مجانية بأيدي النشطاء

يرجع البعض تعبير الأخ الأكبر Big Brother إلى رواية الكاتب جورج أوريل (1984) التي تناولت مجتمعا يدار بواسطة طبقة تستمد سلطانها من الأخ الأكبر الذي يشير إلى الحاكم، واشتهر هذا التعبير حين أصبح عنوانا لبرنامج واقعي يعتمد على مراقبة مجموعة من الشباب عبر الكاميرات، وأصبح quot;الأخ الأكبرquot; رمزا لممارسة سلطة مراقبة الآخرين. وفي عالم الانترنت تعرضت بعض المواقع الالكترونية لاتهامات بأنها تمارس دور الأخ الأكبر ومراقبة أنشطة رواد الانترنت، من أشهر هذه المواقع، موقع فيسبوك.. الذي يقدم بآلياته فرصة جيدة لكل أخ أكبر أن ينقل سلطاته إلى أرض الافتراض.. أو الانترنت، فإلى أي مدى ينجح مستخدمو الفيسبوك في الخروج من قبضة هذا الأخ الأكبر؟

كانت سمعة فيسبوك قد ارتبطت لدى المستخدم الغربي بأنه موقع يمارس دور الأخ الأكبر، حين اتهمه عدد من مرتادي ونشطاء الانترنت بأنه ينقل معلومات المستخدمين إلى جهات استخباراتيه، ومرة أخرى اتهم بأنه ينقلها إلى جهات تسويقية، وهو ما دفع الموقع إلى إظهار اهتمام أكبر بخصوصية المستخدمين وإرشادهم إلى سبل تحقيقها، لكن هذا لم يمنع من أن يظل الموقع مستهدفا من جهات تجارية تبحث عن زبائن، أو سياسيين ومرشحي رئاسة حاولوا التودد للمستخدمين من خلاله، بل وصل الأمر في وقت من الأوقات بأجهزة أمنية كجهاز الاستخبارات الأميركية أن تعلن عن حاجاتها إلى عملاء على صفحات الموقع!

هكذا تبدو صورة الأخ الأكبر التقليدية في موقع فيسبوك لدى شريحة من مرتادي الانترنت.. إلا أن الأمر اختلف إلى حد ما في المنطقة العربية، وتزايدت حدة تدخل الأخ الأكبر إلى حيز الفيسبوك مع اتساع استخدام الموقع على نطاق واسع ووصول عدد المستخدمين إلى 70 مليون مستخدم، فتم حجب الموقع كليا في سوريا، وجزئيا في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما تعرض شاب مغربي للاعتقال بعد أن أنشأ صفحة باسم الأمير مولاي رشيد شقيق العاهل المغربي ولم يتم الإفراج عنه إلا بعفو ملكي، أما أخر الحوادث التي يمكن اعتبارها نقلة نوعية في استخدام الشباب العربي للموقع من أجل أغراض سياسية، فهو إنشاء مجموعة مصرية على الموقع ضمت قرابة 69 ألف مستخدم أغلبهم من الشباب المصري لأجل تنفيذ إضراب في السادس من إبريل/ نيسان الماضي كانت قد دعت إليه قوى معارضة مصرية ضد ارتفاع الأسعار في مصر.. وكان لهذه المجموعة الالكترونية ثم للمدونات من بعدها دور هام في تسخين أجواء ما قبل الإضراب.

وكعادته.. نجح الأخ الأكبر في مصر في الوصول إلى من شجعوا على الإضراب في نطاق الفيسبوك، وعلى رأسهم الشابة إسراء عبدالفتاح 28 سنة مديرة مجموعة إضراب 6 إبريل/ نيسان التي تم اعتقالها مؤخرا، لتتحول في نظر شريحة من المستخدمين إلى بطلة يعلق العديد منهم صورها في حسابهم في الفيسبوك ويهدي البعض الآخر إليها كلمات الشعر والثناء، وانتقلت قصتها وصورها إلى صفحات المدونات الالكترونية والصحف اليومية.

من المفارقة أنه في نفس يوم الإضراب المصري، كانت هناك حادثة أخرى وراء الأطلنطي كان وراءها الفيسبوك أيضا، وتحديدا في مدينة لانسينغ بولاية ميتشيغن الأميركية، حيث شهدت المدينة حسب المصادر الإخبارية أحداث شغب احتشد فيها ما بين 3 ألاف إلى 4 ألاف شاب أميركي وانتهت إلى حالة من الفوضى، واضطرت قوات الأمن إلى إنهاء الشغب باستخدام الغاز المسيل للدموع، ويعد هذا الحفل تقليدا سنويا يقام بجوار حرم جامعة ميتشيغن، وكانت الجامعة قد حذرت من إقامة هذا الاحتفال نظرا لما انتهى إليه من أحداث مؤسفة في أعوام سابقة.. وبعد سيطرة الشرطة على الأحداث، ظهر الأخ الأكبر محاولا اقتحام حاجز الفيسبوك بحثا عن مؤسس المجموعة الالكترونية التي حثت آلاف الشباب على مخالفة قوانين الولاية وإقامة هذا الحفل، وذلك تمهيدا لمعاقبته.

قد تبدو المفارقة وكأنها تشير من طرف خفي إلى أن الأخ الأكبر أيا كانت جنسيته لن يترك الشباب يديرون أنشطتهم من أرض افتراضية داخل الفيسبوك، إلا انه من الصعب أن تتساوي صورة الأخ الأكبر في كافة الثقافات، فعلى سبيل المثال يتم الآن الإعداد لحملة بريطانية عبر مجموعة تضم ألاف المستخدمين من أجل تأييد إضراب سائقي الشاحنات ضد غلاء الوقود هناك، وهناك مجموعة أخرى تضم 93 ألف مستخدم يطمحون إلى تنظيم مظاهرة كبرى ضد غلاء الوقود.

وإن عدنا إلى مصر التي مازالت تشهد أصداء اعتقال مديرة مجموعة إضراب 6ابريل في فيسبوك.. فأن إجراءات الأخ الأكبر لم توقف حماس بعض النشطاء عن استمرارهم في تنظيم انشطة قادمة، فقد انضم مئات المستخدمين إلى مجموعة مصرية تسعى لتنظيم إضراب جديد في مايو القادم، فهل يسفر ذلك عن مواجهات جديدة بين النشطاء في فيسبوك والأخ الأكبر؟ هذا ستوضحه الأسابيع القادمة
إن ظاهرة استخدام الفيسبوك كوسيلة للتغيير الاجتماعي أصبحت مثيرة للانتباه بعد عدد من التجارب العالمية التي كان الموقع نجمها، كالمظاهرة التي أقيمت في فبراير/شباط الماضي و شارك فيها مئات الآلاف في العاصمة الكولومبية بوغوتا ضد حركة فارك الثورية المعارضة للحكومة، ونجح الفيسبوك في حشد 346 ألف مستخدم في المجموعة المنسقة للمظاهرة على الموقع، وحسب جيرمي ماك ديرموت، مراسل بي بي سي في بوغوتا، فإن هذا الاحتجاج الحاشد قد أظهر قوة الإنترنت في حشد الجماهير عبر العالم. وربما لم يقف الأخ الأكبر هذه المرة ضد هذه الممارسات الحاشدة حين لم تتعارض مع مصالحه.


من ناحية أخرى فإن موقع فيسبوك يقدم خدمات و أدوات هامة تساعد على تنظيم هذه الاحتجاجات منها استخدام أجندة الأحداث التي يمكن ضبطها بحيث تكون متاحة أمام الملايين من مستخدمي الموقع، وتستخدم أيضا آلية quot;المعجبينquot;، التي تحشد المعجبين من مستخدمي الموقع حول شخص واحد، والأهم من هذا خاصية المجموعات التي تتوافر فيها خدمات تحميل الفيديو والصور، وكتابات أعضاء المجموعة وآراءهم والتواصل معهم عبر الرسائل.


وكما كانت هذه الأدوات بمثابة أسلحة في أيدي الشباب الذين اجتذبتهم السياسة في فضاء الفيسبوك، فإنها وسيلة خطرة قد يستخدمها الأخ الأكبر في أي مكان في العالم للتعرف على هوية الشباب المشاركين في هذه الأنشطة واتجاهاتهم.

عبدالرحمن مصطفى