لو لا قرار الحرب لإسقاط الصنم لاستمرت المقابر الجماعية التي ضمت أجساد العراقيين أمواتا واحياءً الى يومنا هذا ولتجاوز عددها أكثر من عددها الحالي بكثير، ولمات آلاف العراقيين في سجون صدام الرهيبة وفي أقبيته العجيبة.

لولا سقوط الصنم لاستمرت مفارم اللحم وقطع الآذان وبتر اليد ووشم الجباه ولأستمر معها القمع والاعتقالات العشوائية والتهجير وتجفيف الاهوار وتجريب الأسلحة الكيمياوية على السجناء السياسيين وقصف المدن الآمنة باليورانيوم المنضب. ولو قرار الحرب لتم اجتياح سوريا بعد إيران والكويت حيث كانت القوات العراقية تستعد لذلك رغم خسارتها الفادحة بتحرير الكويت وتوقيع اتفاقيات الذل في خيمة صفوان، حيث كانت الاستعدادات لذلك قد بدأت وذلك لإشغال الجيش الذي كان يشكل عقدة نفسية للصنم.

لولا قرار الحرب لكان عدد غير قليل من الوزراء في الحكومات التي تعاقبت على الحكم ومعهم عدد غير قليل من أعضاء في البرلمان يتنقلون بين بنايات المعارضة بطهران لحضور الندوات والمهرجانات اليومية والأسبوعية او التنقل بين ساحة فردوسي وشارع (خيابان) ولي عصر وسط طهران.. او الدراسة في الحوزة العلمية بقم والذهاب الى (الكُزر) لشراء حاجيات البيت اليومية..وبعدها حضور مراسيم دعاء كميل ليلة الجمعة للتضرع لله بسقوط الصنم وزوال النظام..

ولولا سقوط الصنم لظل كثير من سياسيينا في سوريا منشغلين بمراجعة فرع 279 للمخابرات السورية في (ابو رمانة) بدمشق من اجل الحصول على تاشيرة خروج لطلب اللجوء الى دول الغرب التي تحترم الانسان، او اجترار الأحاديث السياسية في مقهى هافانا بالصالحية او مقاهي دمشق الشعبية الاخرى...

لولا قرار الحرب واسقاط الصنم لما كان لنا برلمان منتخب ولاحكومة منتخبة وماكان لنا عملية سياسية تشبه اللعبة، الخاسر فيها هو الجمهور وهو الشعب العراقي لان الفرق اللاعبة تريد الحصول على مناصب رفيعة المستوى او تريد الاحتفاظ بما حصلت عليه بسبب اسقاط الصنم....

سقط الصنم وتحررت بغداد من مؤسساته الامنية التي استباحت كل شيء وعُتقَ الشعب من المشاركة الاجبارية في الجيش الشعبي و جيش النخوة وجيش القدس وجيوش صدام التي هربت لدخول دبابتين ظلتا الطريق الى وسط بغداد.

سقط الصنم بعد ضربة قاضية بنعال (ابو تحسين ) الذي لم يختلف كثيرا عن اسلحة الدمار الشامل التي ازهقت الخزينة العراقية ان لم تكن قد افلستها..

خمس سنوات مرت على سقوط الصنم لم تنجح الحكومات المتعاقبة على بناء الدولة العراقية الحديثة لحد الان، وقد تكون الاسباب متعلقة بالمصاعب والعقبات التي صنعتها الكتل السياسية خصوصا قادتها من خلال تصريحاتهم ومشاريعهم واحيانا مسلحيهم..بالاضافة الى تدخل دول الجوار السافر من خلال ارسال المتسللين ودعم فلول البعث وتصدير مشاريع سياسية باسم الحفاظ على الوحدة الوطنية او تهميش طائفة او مكون من مكونات الشعب العراقي!!

وتبدو التجربة العراقية مخيفة للقريب والبعيد من دول الجوار فأُُريدَ ويُرادُ لها ان تفشل،لان نجاحها يعني تكرارها ولو بصعوبة لانها حالة صحية ولو انها كانت حالة مرضية لانتقلت بسرعة كما انتقلت ثورات الضباط الذين حكموا البلدان العربية (ومازالوا) بعد ثورة تموز- يوليو 56 في مصر..

سقط الصنم بقرار الحرب وبقانون تحرير العراق من الولايات المتحدة فتحرر الشعب العراقي وشاركت المعارضة بتأسيس اول مجلس للحكم من الداخل والخارج ثم شارك الجميع بانتخابات برلمانية وتم تشكيل اول حكومة منتخبة في تاريخ العراق الحديث قامت بكتابة الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي، هذا الدستور الذي يضمن حقوق العراقيين جميعا وهو الدستور الذي قد يستطيع العراقيون من خلاله ان يغيروا شكل الحكومة وتركيبتها اذا ما استمرت بترددها في تقديم الخدمات للعراقيين بالرغم من وجود ميزانية كبيرة تجاوزت خمسين مليار دولار، وهو الامر الذي سيقره العراقيون في الانتخابات المقبلة...

د.محمد الطائي

[email protected]