المتتبع للأحداث والتطورات التي مرت على العراق، منذ تأسيسه عام 1921 وحتى الوقت الحاضر، يجد أن الشخصية العراقية، ومنها الشخصية الموصلية، قد مرت عبر هذا التاريخ الطويل بظروف بيئية متقلبة وأوضاع سياسية ونفسية واجتماعية واقتصادية مضطربة غير مستقرة، وأنها رغم ذلك حافظت على خصائص ايجابية وملامح مشرقة، ويكاد يجمع الكثير من الباحثين وعلماء النفس في الدراسات الإنسانية وعلماء الاجتماع من العراقيين والعرب والأجانب، أن هذه الشخصية لم تهتز كثيرا وبقيت تتسم بخصائص وطبائع مختلفة نسبياً عن غيرها من الشخصيات الأخرى، فقد وصفها البعض بأنها شخصية بدوية تتصف بما يتصف به سكان البادية من الخصائص السلبية والايجابية ووصفها آخرون بصفات تضعها في مصاف الشخصية القائدة والشخصية الفيلسوفة ذات الفكر الحر والشخصية المؤمنة وغيرها من الصفات الحميدة، بينما وصفها البعض الآخر بأنها شخصــية ثائرة متمردة انقلابية لا ترضى على حاكم أو سلطان و تنزع إلى الثأر والانتقام و تميل أحيانا إلى الفوضى ولا تذعن للنظام والالتزام، ووصف آخرون السلوك الشخصي عند البعض بأنه يتسم بثنائيات معروفة للعراقيين أنفسهم، فإلى جانب المرونة نجد التصلب والى جانب العزيمة وإرادة التنفيذ نجد الركون والاستسلام للجمود والى جانب النظرة المتطفلة نجد النظرة البائسة..


وهناك في كل سلوكية ثنائية، من المار ذكرها سابقا، ميل إلى اللين الزائد أو التشدد الزائد تبعاً لظروف نفسية أو اجتماعية أو فكرية أو تاريخية..
إلى جانب ذلك هناك من الباحثين من يرى أن صدمة الحروب والدمار، التي تعرضت لها البلاد، قد ساهمت في إحداث خلل في مزاجية شريحة مهمة من العراقيين وميلهم الشديد نحو التقوقع على أنفسهم والحذر غير الطبيعي من كل ما هو أجنبي بفعل تراكم ظروف تاريخية وأخرى معاصرة، مما يعني أنهم بحاجة إلى دواء جديد قوامه الانفتاح المدروس على قضايا السياسة والاجتماع والفنون والحياة العامة كي يعود التوازن والتماسك لسلوكهم الشخصي وتتعزز الثقة في نفوسهم ويزداد شعورهم بالمسؤولية تجاه التعامل مع مثل هذه الحالات من دون المساس بأمن الوطن وسيادته وانتهاك حرمته وسيادته الوطنية وذلك من اجل تعزيز تماسك النسيج الاجتماعي وتفويت الفرصة على كل من يحاول خرق هذا النسيج، الذي أريد له أن يزهق أكثر من مرة من قبل قوى أجنبية أو محلية مرتبطة بهذا الطرف الإقليمي أو الدولي أو ذاك.. ومهما يكن رأي الآخرين بالشخصية العراقية، فان هذا الرأي أو التقييم لا ينقص من واقعها وجوهرها شيء لأنها شخصية متماسكة بالأساس والجوهر وتتسم بخصائص ايجابية لا تتغير بسهولة إذا ما تعرضت إلى المحن والمصائب كونها عميقة الجذور ومتأصلة في ضمير العراقيين ووجدانهم وتصرفاتهم وسلوكهم الفردي والجمعي وان شذ عن هذا نفر ضال أو ضعيف فلا يمكن القياس عليه خاصة في مثل الظروف الملتهبة التي تعصف بالعراق بشكل لم يتعرض له بلد في العالم..


رغم هذه التحديات فأننا نعتقد أن الإنسان العراقي قد تعلم الكثير من الدروس والتجارب التي مر بها وأصبح قادرا على وعي حقيقة هذه التحديات ومواجهتها بصبر ورباطة جاش وإصرار لتفويت الفرصة على كل من تسول له نفسه النيل من وحدة التراب الوطني وتماسك أبنائه بكافة أطيافهم ومذاهبهم وأديانهم مثلما هو قادر على مواجهة حالة التشرذم التي زُج بها قسرا والتي أريد لها أن تحدث شرخا خطيرا في مفهوم الوحدة الوطنية وتجزئة البلاد ونهب ثرواتها وجعلها مسرحا لصراعات أجنبية على حساب مصالح العراق الاستراتيجية..


لقد أثبتت التطورات اللاحقة صحة التحليل الذي يفيد بان العراقيين، قد استفاقوا مؤخرا من الصدمة وبلغ بهم وعي حقيقة ما حدث مرحلة النضج فراحوا يطالبون بتصحيح المسارات الخاطئة في كافة المجالات والتي كانت السبب في حصول ماساتهم رغم محاولات بعض القوى السياسية فرض تعتيم على ما يجري من تطورات وأحداث سياسية واجتماعية واقتصادية وتخدير الجماهير بإجراءات عقيمة ووعود مضللة يراد منها امتصاص نقمتها وردات فعلها الآخذة بالتزايد يوما بعد آخر..


وعلى مستوى محافظة نينوى ( المحافظة الثانية في العراق بعد العاصمة بغداد ومركزها مدينة الموصل ) نجد أن هذه التحديات، عندما يقرر الموصليون التعامل معها بروح المسؤولية والتصدي لها بوسائل الدفاع المشروعة، ليست الغاية الوصول إلى تهديمها فقط، بل جعل مواطني هذه المحافظة يستعيدون إدراكهم لقيمهم الأصيلة، والموصليون يعرفون جيدا أنهم أخوة وأبناء بلد واحد منذ أن خلقهم الله وان لا مجال لعلقمي أو أبو رغال جديد بين صفوفهم وإذا ما وجد مثل هذا الإنسان فعليهم فرزه وكشفه وإخراجه من بين صفوفهم لان أمثاله هم أساس البلاء في البلاد، وان القوى الخارجية، التي بات تدخلها مكشوفا في الشأن العراقي، يروق لها وجود مثل هذا العنصر الشاذ والمدمر، لكن على هذه القوى أن تدرك جيدا أن محافظة نينوى كانت، وما تزال منذ أقدم العصور التاريخية، مدينة العلم والثقافة والحضارة والقيم الإنسانية النبيلة وهي نموذج مصغر للعراق الحر والموحد، رغم تعدد أطيافها وقومياتها وأديانها ومذاهبها، وهي تشكل فسيفساء عراقية جميلة قوامها المحبة والتآخي والتعاون والانسجام والوحدة الوطنية الصميمية، وان أبناءها قد أدركوا جيدا أبعاد ما يحاك في الظلام ضد بلدهم من مؤامرات لاختراق نسيجه الوطني المتماسك وإضعافه وتشويه صورته في محاولة يائسة لإحداث الفتنة والبلبلة والفوضى والتفرقة والتمييز العنصري والطائفي بين أبنائه، ولهذا فهم يرفضون هذه المؤامرات ويقفون ضدها وقفة رجل واحد وأنهم ماضون في تبني خيار الوحدة الوطنية والعمل المشترك للمحافظة على وحدة محافظتهم وتقدمها وازدهارها وتعزيز قيم المحبة والتعاون والتماسك الوطني بين أبنائها من خلال التأكيد على انه لا فرق بين السني والشيعي والمسيحي والكردي والايزيدي والصابئ والشبكي والتركماني وغيرهم من المذاهب والطوائف والأديان لأنهم أبناء بلد واحد ومحافظة واحدة عاشوا فيه آلاف السنين متجاورين متصاهرين متعايشين يقتسمون لقمة العيش الشريفة، ويدافعون عنها وعن وطنهم العراق بالغالي والنفيس وإذا ما شذ بينهم، في يوم ما، إنسان مريض أو مرتد أو متنكر لمدينته أو بلده فالكل سيحاول إصلاحه أولا وألا تعرض للنبذ والعزل وإعلان البراءة منه، وعندها سيكون الوقت قد فات على الندم وحان وقت الحساب واقترب.


عبدالوهاب محمد الجبوري
باحث واكاديمي عراقي