الحديث عن خصوم الجمهورية الاسلامية الايرانية، حديث ذو شجون و له تفرعات و إمتدادات إفقية و شاقولية و يتباين خصوم طهران من حيث الاشکال و المضامين و حتى الحجوم و الاوزانquot;السياسيةquot;وquot;الاعتباريةquot;، لکن طهران أولت و تولي دوما إهتماما إستثنائيا لعدوتها اللدودة منظمة مجاهدي خلق و تکاد تخصص جانبا غير عاديا من ميزانية و إهتمام جهاز إستخباراتها لمطاردة هذه المنظمة و السعي لکبح جماحها و وضع حد لتحرکاتها على الصعيد الداخلي بل وأن مصادر إستخبارية مطلعة أکدت بأن الاستخبارات الايرانية قد قامت ببث أکثر من 60 مجموعة إرهابية لإغتيال زعيم المقاومة الايرانية السيد مسعود رجوي. ومع أن النظام الاسلامي في طهران ليس يقلل من شأن خصومهquot;المستکبرينquot; على المستوى العالمي و لا من أندادهquot;الطائفيينquot; على مستوى المنطقة، لکنه يجد أن الترکيز على منظمة مجاهدي خلق التي ترتکز بشکل مکثف في مدينة أشرف بين بغداد و ديالى من حيث ثقلها العسکري، فيما تتخذ من باريس منطلقا لتحرکاتها السياسية التي تتسع يوما بعد آخر، من أهم أولوياتها وفق هذا السياق.


وليس بالامکان الجزم بأن جهاز الاستخبارات الايراني لم يتمکن من إختراق هذه المنظمة أو لم يبث بين أوساطها عيونه، کما ليس بالامکان التحاشي عن حجم الضغط العسکري ـ السياسي ـ الاستخباري ـ الاعلامي الموجه ضد هذه المنظمة من قبل طهران، لکنه في نفس الوقت ومع وضع تلك الامور في الحسبان، إلا إنها لم ترق الى مستوى تفتيت أو حتى تحجيم المنظمة وإنما کانت عبارة عن ضربات قد تکون العديد منها موجعة و حتى تحت الحزام، غير إنها لم تکن قاضية.


أما منظمة مجاهدي خلق، فقد کانت و لازالت تشکل أهم نقطة ضعف تواجه نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بل وحتى إنها و بشهادة العديد من الاوساط المختصة بالشأن الايراني، تهدد وجود هذا النظام و تشکل کابوسا مؤرقا له، ولم يأت قلق و توجس طzwnj;هران من هذه المنظمة إعتباطا وإنما کانت تستند على حسابات في غاية الدقة، إذ أن المنظمة و من خلال نشاط و تحرکات أعضائها و مواليها في الداخل، تمکنت من نقل صور في منتهى الدقة و الواقعية بخصوص البرامج التسليحية لطهران و لاسيما النووية و البالستية منها، کما إنها تمکنت أيضا من رصد التحرکات الاستخبارية لها على عدة أصعدة سيما الصعيدين العراقي و الاقليمي بشکل خاص. و نکاد نجزم بإنه لولا السعي الدؤوب لمنظمة مجاهدي خلق في تتبع و کشف الانشطة و البرامج التسليحية السرية لطهران، فإن العديد من الاجهزة الاستخبارية الدولية کانت قد توشك على منحquot;شهادة حسن سلوكquot; لها بل و أن الاجهزة الاستخبارية الامريکية قد فعلت ذلك فعلا و بغباء مطبق لا تحسد عليه إطلاقا، لکن ماکشفت عنه المؤتمرات الصحفية الخاصة للمنظمة بخصوص معلومات دقيقة و موثقة عن الانشطة النووية للحکم الايراني قد فاجأ العالم کله و أيقظه من نوم عميق کان يغط فيه. ولم تتوقف المنظمة عند هذا الحد، وإنما قامت بتحديد العناصر الامنية المشبوهة داخل الهرم السياسي في إيران کما قامت بالکشف عن العديد من الوجوه الاستخبارية الواردة الى العراق تحت غطاء شاطاتquot;تجارية أو سياسية أو إعلامية أو حتى دينيةquot; ولم تکن تلك الهجمات التي شنتها القوات الامريکية في مدن أربيل و السليمانية و بغداد وإعتقلت قادة من قواتquot;القدسquot; المتمرسة في أعمال الارهاب و الاغتيال و التفجيرات، سوى إنعکاسا لتلك المعلومات الدقيقة المسربة من هذه المنظمة. وجاءت النشاطات و التحرکات السياسية غير العادية للسيدة مريم رجوي على أصعدة البرلمانات الدولية المهمة و الحساسة، لتميط اللثام عن قوة هذه المنظمة و عن حقيقة کونها البديل الامثل و الاوفر حظا للحکم الحالي. من هنا، کان لابد لطهران أن تقوم بتحرك عاجل و قوي لسحب البساط من تحت أقدام المنظمة ولم يکن أمامها سوى تحريك حفنة من عملائها و مأجوريها داخل مدينة أشرف في سعي منها لزرع حالة من إنعدام الثقة داخل مدينة أشرف بين أوساط المنظمة من جهة، ومن أجل التقليل من شأن المنظمة و أهميتها على الصعيدين الاقليمي و الدولي، ولذلك فقد قامت مجاميع محددة في الفترة الاخيرة بالانسحاب من مدينة أشرف و اللجوء الى ترکيا أو إقليم کوردستان العراق و طبلت أجهزة الاعلام الايرانية لذلك الامر و هولت من أمره کثيرا لکن المعلومات الواردة من أوساط مقربة من أشرف أکدت بأن عدد الذين ترکوا مدينة أشرف لأسباب مختلفة تترکز في سياقها العام على الضغط الايراني، لم يتجاوز 200 فردا و إن المنظمة لم تتفاجأ بالامر إطلاقا و إنما کانت تتوقعه و تتحسب له وان الامر لم يکن سوى quot;سحابة صيفquot; وقد مرت بسلام على حد وصفه.


ومع ان طهران قد إنتشت بعض الشئ بنصرهاquot;المفتعلquot;هذا، لکنها تدرك جيدا بأن ما تخبأها الايام القادمة من مفاجئاتquot;غير متوقعةquot;لها من جانب المنظمة سوف تکون أکبر و أکثر حجما و تأثيرا من هکذا تحركquot;إستخباريquot; أعدت له طهران منذ فترة طويلة بحسب مصادر إستخبارية إقليمية. وتؤکد هذه المصادر بأن وصول طهران الى مستوى طرح مسألة مقايضةquot;جيش المهديquot; بمنظمة مجاهدي خلق مع الامريکان، يؤکد قوة و متانة الضربات التي وجهتها و توجهها هذه المنظمة للنظام السياسي في إيران، رغم إن الامريکان و الغرب و حتى البعض من دول المنطقة قد باتوا يدرکون أهمية ورقةquot;منظمة مجاهدي خلقquot;في تصديها للنفوذ الايراني و لجمه.


وإذا ماکانت طهران تقوم بتسريب معلومات بشأن قرب عقدها لصفقة سياسية ـ عسکرية مع واشنطن وتنهي بموجبها منظمة مجاهدي خلق، فإن أوساط نافذة من المنظمة في باريس قد أکدت و بحزم بأنها تعد العدة للعودة الى طهران بل وحتى إنهم أکدوا لنا بأن إحتفالهم القادم برأس السنة الايرانية الجديدة والذي سيصادف 21/3/2009، سوف يکون في طهران ذاتها!

نزار جاف
[email protected]