قرأت مرة عن غاندي في مذكراته عندما كان في السجن حيث طلب منه احد الصحفيين الأنكليز عن رأيه فيما يتعلق باحوال وطنه وبمعيشة شعبه الذي لم يعش الفرح والحرية لحظة واحدة، فرد عليه.. سيدي ان اردت معرفة الحقيقة اسأل البسطاء ممن افترشوا الأرض فهم الأصدق في قول الحقيقة.

وهنا اقول ان العراقيون بحاجة الى من يجيب كمثل اجابة غاندي، فبعد خمس سنوات مضت على الحرب لم يعش العراقيون البسطاء لحظة فرح واحدة، بل ادى بهم الحال الى فقدان ذاكرتهم التي كانت تحوي مجموعة ذكريات وافراح ومسرات كانت تجمعهم مع احبائهم واقاربهم واصدقاءهم، وعزاءنا لكل عراقي فقد عزيزا عليه.

قالوا انهم جاءوا لتحرير العراق وشعبه من الدكتاتورية ومن حكم البعث الذي انفرد بالحكم فاساء استخدام السلطة فانتشرالفساد والنهب والقتل وكل انواع الجريمة...، فاستبشر العراقيون خيرا من قدومهم، واولى تصريحاتهم كانت.. اننا اي.. الأحزاب والتكتلات والشخصيات المعارضة والتي اجتمعت في لندن وصلاح الدين والتي تعاونت مع امريكا لتحرير العراق، جئنا محررين وسوف نحقق الرفاه والنمو الإقتصادي في الوطن حيث العدالة والقانون سيسود البلد.... واظافوا.. ان العراق بعد صدام الدكتاتوري سيعيش حالة من الإستقرار وسوف نحقق احلام العراقيين في الحرية والرفاه.

لكن العراقيون لم يجني منهم غير انتشار الفوضى والجريمة، حتى ان بعضهم قالوا ودون خجل انهم ماضون بانشاء المزيد من مشاريع بناء المستشفيات والمدارس والجامعات والمعاهد ورياض الأطفال وملاعب الرياضة، كما قالوا.. لقد انتعش الفن وازدهر الغناء وتقدمت المرأة وباشرت بارتياد ملاعب السباحة والجمناستك وركوب الخيل والملاكمة وركوب الدراجات بكل حرية، كما ازداد عدد الذين يرتادون السينمات والمسارح والنوادي الترفيهية ومن كلا الجنسين.

ان من يشاهد اجتماعات مجلس الرئاسة او الوزراء او جلسات مجلس النواب خلال الخمسة سنوات الماضية يشعر بان العراق بخير وشعبه عيش عيشة الملوك، وان المجتمعون مهتمون بنواقص واحتياجات شعبهم اليومية من أمن ومعيشة وخدمات، مشهدهم كوميديا حين يطلون علينا عبر التلفاز مرتاحين ومبتسمين ويتبادلون النكت وبيدهم { السبحة } التي يبدو انهم مهتمون بها كثيرا من اي شئ آخر باعتبارها هي السحر الذي يمدهم بالقوة والعزيمة ورباطة الجأش حين يقدمون على العمل لضبط الأمن وتوفير الخبز للمواتينين العراكيين، وليست كما يوصف البعض ان السبحة ملهاة ترمز لكسل فكري
وفراغ ثقافي!


ولأنهم كفوئين ومتميزين ومنتخبين فانهم يستظافون من قبل الفضائيات للتحدث عن ما قدموه للعراق من أمن وديمقراطية ورفاه، لكن المضحك ان جميعهم يرددون كالببغاوات جملة جاهزة يدعوها العراقيون {كليشة} والكليشة عبارة عن جمل جاهزة يرددها المتحدث دون عناء لانها لا تحتاج الى اي شرح يوقع المتحدث في احراج ولا تحتاج الى تعديل ولا الى دوخة راس كما يقولون، ومضمونها كالأتي... خمسة وثلاثون سنة عان العراق من الدكتاتورية الجاثمة على صدر العراقيين، وعشرات المقابر الجماعية في البصرة وكربلاء والنجف وكردستان، والاف الشهداء من الذي اعدموا في الإنتفاضة
الشعبانية، وجرائم الأنفال، وضرب الأكراد بالكيمياوي.. وتشريد الاف العراقيين المساكين من منازلهم جراء تجفيف الأهوار...


.... لكن وبالرغم من كل ما قام به نظام صدام الدكتاتوري من الإنفراد بالسلطة وعدم فسحه للأحزاب الوطنية من المشاركة في بناء العراق الى جانب الحروب وهدر للمال العام في التسليح الحربي وبناء القصورواضطهاد الأقليات وعدم اهتمامه بشرائح المجتمع العراقي المختلفة، فانه لا يختلف عما يحدث اليوم، حيث ان النظام الذي يحكم العراق اليوم غير آبه بما يحدث واحيانا مشاركا في الفوضى وهذا ما ظهر ويظهر كل يوم، ففي العراق اليوم اختطاف وقتل وتهجير على الهوية ومقابر جماعية وجثث ترمى في المزابل وقتل رجال الدين الآمنين وتهجير الاف العراقيين من مختلف
الأديان داخل وخارج العراق وتدمير وحرق المساجد والكنائس، الى جانب المففخات والعبوات الناسفة التي تقتل المدنيين، ناهيك عن مضايقة النساء في حريتهم الدينية والشخصية، لا كهرباء ولا ماء ولا وقود ولا طبابة ولامستشفيات،، كل هذا الدمار يحدث والجماعة الحاكمون من شمال العراق الى جنوبه، لا زالوا مهتمون بالسبحة والكليشة الجاهزة، فاي حكومة هذه !

اما الكوميديا الأكثر متعة واستغراب هو حين يمتدح الأمريكان الحكومة والتلويح بالتأييد والمساندة والهتاف لها عاشت ايدكم يا حكومة العراق فانتم الوحيدون والمناسبون والمطلوبون لتحرير والقضاء على الأرهاب وانعاش العراقيين وصولا لتحقيق احلامنا ومصالحنا الإقليمية، ولا ندري ماذا تحقق لشعب العراق وهو صاحب المصلحة الأساسية !
اما حقيقة العراق على الأرض ايها السادة، فان مؤسساته يكثر فيها الفساد والفوضى والمحسوبية الطائفية والحزبية، وشعبه يوميا يداوي جراح ابناءه ويدفن موتاه.


في العراق ومنذ خمسة سنوات مضت والى اليوم مأساة واحزان ودمارشعب وتخريب ثقافة، لكننا نأمل وقد تأتينا المفاجئات وعلى لسان نفس القادة ليعلنوا انهم غادروا الطائفية والحزبية الضيقة ليحل محلها الوطنية العراقية، وهنا نقول ان سارت الحكومة كما فاجئتنا بعد احداث البصرة، بحل الميليشيات دون استثناء فعليها ايضا الإسراع......... برفض المفاهيم الطائفية والمذهبية التى من شأنها خلق جيل عنصري متخلف مهزوز يرفض الأخرين بل ويستخدم العنف ضدهم، والتوجه لتغيير مثل هكذا مناهج طائفية متخلفة في مختلف المجالات، واحلال بدلها مناهج ترسخ روح الود والمحبة
والعمل الصالح.

المطلوب اليوم لقيادة العراق حكومة جديدة بمنهج حضاري، اعضاءها أناس متعلمون مثقفون يمتهنون كفاءات عالية في السياسة واحترام حقوق الإنسان، ولديهم خبرة تراكمية في ادارة شؤون المؤسسات المدنية والعسكرية، أناس همهم الأول والأخير سلامة الوطن والصدق والصراحة مع مجتمعهم وتقديم افضل الخدمات والعلوم لأبناءه من خلال بناء مؤسسات علمية واقتصادية وتربوية تستطيع مواكبة التطور العلمي والحضاري الذي سبقتنا اليه دول اخرى أقل منا ثروة وحضارة، ولا اريد العودة الى ما قبل احداث البصرة لكني ساذكركم...... خمس سنوات محاصصة غير نزيهة جاءتنا بحكومة
تحتل المستشفيات ومدارس ومعاهد وجامعات وكنائس ومساجد وملاعب ووسائل الإعلام واسواق ومراكز شرطة العراق ومؤسسات جيش العراق، لتحوّلها الى منابر طائفية مع كل الإحترام للطقوس الدينية والتي نعتبرها ارثا طيبا لشعبنا، فأداء المراسيم والطقوس التي تؤدي الى اضرار جسدية، ونشر الخطب الداعية للكراهية والحقد بين مكونات الشعب العراقي لن تخلق في العراق غير القتل والتهجير والحقد، ان العراق بحاجة الى قيادة تشعل ثورة حقيقية لتغيير الذات والمفاهيم والنصوص والفتاوى التي تدعو الى العنف والكراهية واحلال بدلها نصوص ومفاهيم تشيع المحبة واحترام
عقائد كل العراقيين، العراق بحاجة الى قيادة تشجع العراقيين للتمسك بحب الوطن وحب الحياة..
يا سادتي يا مجلس الرئاسة والحكم... اليست هذه امنياتكم وامنيات الوطنيين العراقيين....اوليست هذه امنيات المجتمع الدولي.... نشكرك يا رب فانت المعين وانت مغير الأحوال.

ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل