في معرض نفيه للأنباء التي ترددت عن قيامه باصدار فتوى تبيح لمقاتلي حركة حماس قتل الجنود المصريين المدافعين عن الحدود الشرقية لبلادهم، قال الشيخ عبد الحميد كلاّب خطيب أحد مساجد خان يونس بقطاع غزة في تصريح للمركز الفلسطيني للإعلام أنه quot;لم يتجرأ على هذه الفتوى ولا يجوز لأي مسلم أن يفتى بها أو يفكر في قتل أخيه المسلمquot; وذكر كلاّب أن quot;اليهود هم أعداؤنا وليس المصريينquot; مشدداً على أن quot;معركتنا مع عدونا الأول اليهود، العدو الذي اغتصب أرضنا ويقتل شعبنا.quot;

حديث الشيخ كلاّب عن أن اليهود هم العدو الأول للشعب الفلسطيني تنقصه الدقة ويحمل خلطاً مقصوداً بين اليهود وإسرائيل، ويعكس الكثير من العنصرية الكريهة والمزيد من مشاعر الكراهية البغيضة نحو الملايين ممن ينتمون للعقيدة اليهودية.

لست أشك في أن الشيخ كلاّب، كغيره من العرب والمسلمين، يعي تماماً الفارق بين اليهود وإسرائيل، فهذا الفارق لا يحتاج إلى توضيح، وهو مثل الفارق بين المسلمين والمملكة العربية السعودية، فلا المسلمين هم السعودية ولا السعودية هي المسلمين.

رغم أن اليهود ليسو إسرائيل وأن إسرائيل ليست اليهود، إلا أن الشيخ كلاّب لم يكن بالطبع العربي أو المسلم الأول الذي يخلط بين اليهود ودولة إسرائيل، فكثيراً ما يقوم إعلاميون وسياسيون وأكاديميون وخطباء ودعاة عرب ومسلمين بهذا الخلط الغريب والخاطيء. ولا تغيب عن الذهن هنا الدعوات التي يرفعها أئمة صلاة الجمعة في عدد كبير من المساجد في الدول العربية التي تتضرع إلى الله للقضاء على اليهود كوسيلة لتدمير إسرائيل.

من الصعب تحديد ماهية الدوافع التي تدعو الكثيرين من العرب والمسلمين لتعمد الخلط بين اليهود وإسرائيل، فلكل دوافعه التي قد تكون شخصية أو عامة، سياسية أو دينية. بل وربما تكون للبعض دوافع مركبة. إلا أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية قد يكون سبباً رئيسياً في تأجيج مشاعر الكراهية الشديدة المكنونة في قلوب المتطرفين العرب والمسلمين نحو ديانة دولة إسرائيل. غير أنه إذا كان العرب والمسلمون يرون أن إسرائيل تمارس أعمالاً عدائية ضد الفلسطينيين، فإن ذلك قد يكون مبرراً مقبولاً لعداء سياسي فلسطيني نحو إسرائيل لحين الحصول على الحقوق،
ولكن ذلك لا يعد مبرراً أبداً لتوجيه العداء نحو العقيدة اليهودية وكافة اليهود دون تمييز.

وفي سياق دوافع كراهية الكثيرين لليهود لا ينبغي إغفال الخلفية الدينية التاريخية للعداء الذي يكنه الكثير من الأصوليين المسلمين نحو اليهود. ففي حين يتهم التاريخ الإسلامي يهود الجزيرة العربية بمحاولة اغتيال الرسول، يذكر القرآن في سورة المائدة أن اليهود يعدون من أشد الناس عداوة للذين أمنوا.

تلعب النصوص الدينية دوراً جوهرياً في تشكيل وعي واتجاهات ومشاعر المسلمين كغيرهم من اتباع الديانات. وربما كان النص المذكور بشأن اليهود في سورة المائدة من أهم العوامل التي تدفع بالمتشددين المسلمين لاعتبار اليهود أعداءً تاريخيين لهم، وتدفع بعدد من الدعاة والخطباء لترديد ما يحط من شأن اليهود كاعتبارهم أحفاد القردة والخنازير.

نحن إذن أمام معضلة من المستحيل حلها ما لم يسد الاعتدال والتعقل في فهم النصوص الدينية. ولا شك في أن حل الكثير من القضايا العصيبة التي يواجهها عالم اليوم كان من الممكن أن يكون أيسر لو لم تلعب العقائد والنصوص الدينية دورها في تغييب المرونة عند أطراف عديدة. فاعتبار المتطرفين الإسلاميين كمريدي حركة حماس، لليهود أعداءً تاريخيين وأبديين لا يعد فقط أمراً عسيراً على الفهم في القرن الحادي والعشرين الذي لم يعد يشهد الحواجز السياسية والدينية والتاريخية التي سادت في قرون طويلة مضت، ولكن يعد أيضاً عائقاً كبيراً أمام أية محاولات جادة لإحلال
السلام في الشرق الأوسط.

إن ترديد خطباء ودعاة لعبارات تدعو لكراهية اليهود لهو أمر غير مقبول. قد نتفهم العداوة السياسية الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربي، ولكن أن تطول الكراهية عقيدة والمؤمنين بها فهو أمر خطير يجب التعامل معه بحزم شديد. وإذا كان العرب والمسلمون يدعون العالم لعدم الربط بين المسلمين والإرهاب، فإنه يجب على العرب والمسلمين التوقف عن الخلط بين اليهود وبين عدائهم للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. ودعونا نتذكر أنه من المهم أن يعامل الإنسان الأخرين كما تحب أن يعامله الأخرون.

جوزيف بشارة
[email protected]