يقول هيراقليطس : هذا العالم، الذي هو نفسه بالنسبة لكل موجود، لم يخلقه أحد من الالهة، أو البشر، بل كان، ويكون، ويبقى أبداً، ناراً حية، تستعر بمقدار وتنطفئ بمقدار.( الفلاسفة الماديون في اليونان القديمة، ص44 ) ويستطرد هذا العبقري الفيلسوف ( 530 ndash; 470 ق. م ) القادم من مدينة إفسوس المركز الثاني للفكر اليوناني بعد ملطية، على أثر حضوره القمة العربية التي أنعقدت مؤخراً في دمشق، قمتها الأولى ( آذار عام 2008 ) وبعد أن شاهد بأم روحه المجزرة الرهيبة التي أقترفها النظام السوري قي مدينة القاميشلي، 20 آذار 2008، ( العالم لايبقى ثابتاً، بل عملية، لاتتغير خلالها الأشياء والصفات عشوائياً، بل تنتقل إلى نقيضها، فيغدو البارد حاراً، والحار بارداً، والرطب جافاً، والجاف رطباً، حتى الشمس تتجدد في كل لحظة، ولذا لايمكن أن نستحم في مياه نهر واحد ~ النظام السوري ~ مرتين، ففي المرة الثانية تكون المياه القديمة ~ النظام السوري ~ قد تغيرت، وحلت محلها مياه جديدة...)..... أما النظام السوري، الذي يتلمظ بملئ أشداقه ويتلذذ بأورام الجسد وصرخة الأنثى، له رأي آخر مخالف لرأي هيراقليطس : هذا العالم، الذي هو نفسه بالنسبة لكل موجود، لم يخلقه ( فعلاً ) أحد من الآلهة، أو البشر، بل كان، ويكون، ويبقى أبداً، ناراً حية، تستعر بمقدار وتنطفئ بمقدار، تستعر بمقدار ما نشاء وتنطفئ بمقدار ما نبغي. ( فلاسفة النظام السوري، محمد حبش، فيصل القاسم، ناصر قنديل، علي عقلة عرسان، ص 44 ). ويردف النظام السوري، بعد أن أستعبد العرب والكرد في القمة والمجزرة، ( العالم لايبقى ثابتاً، بل عملية، لاتتغير خلالها الأشياء والصفات عشوائياً، بل تنتقل إلى نقيضها الأشد بؤساً وإيلاماً وخشونة وفظاعة، فيغدو البارد سورياً جداً، والحار سورياً جداً، والرطب جافاً على الطريقة السورية، والجاف رطباً بقدرة سورية، حتى الشمس ترتعد في كل لحظة، تقدم آيات الولاء والطاعة بخشوع، ولذا لايمكن أن تستحموا، أيها السادة، في مياه النظام السوري مرتين، لأن المرة الأولى هي الأخيرة )..( المسألة ليست تهكمية على الأطلاق )...


ثمت أنجاه آخر، يعتمد في إنطلاق وإطلاق تصوره للكون، للتاريخ، للحياة، للوعي والمادة، على جوهر متعدد المعنى لكن وحيد الأتجاه رغم الفروع، ألا وهو اللوغوس، العقل الكلي المسيطر على ذاته وعلى الآخروي و المدرك لذاته وللآخروي، والذي يسير الآخروي وفقاً لمشيئة ذلك الإدراك ضمن غائية منسجمة متناغية معه، أو كما تقول التوراة ( في البدء كانت الكلمة ). وركزت الفلسفة الهندية والصينية على هذا المصطلح والمعنى من خلال مفهوم ( الدهارما ) بالنسبة للفلسفة الهندية، ( والتاد ) بالنسبة للفلسفة الصينية، فالدهارما والتاد هما الماورائي الميتافيزيائي الذي لايكشف عن ذاته، إنما هو ذاته الذي يطوف هنا وهناك، أو كما أكد زرادشت هو الماورائي الذي يبحث عن أجزائه في الكلمة الطيبة ( القول الطيب ) والعمل الجيد والفكر الحسن. وأذا كان الرواقيين قد أعتبروا هذا المصطلح مفصل التطابق ما بين الكينونة ومفرداتها في إطار وحدة الوجود، المختبر الواحد، المختبر الذي فيه يتصالح ويتطابق الفيزيائي مع اللافيزيائي، المحسوس مع اللامحسوس. فإن ابن العربي إنطلاقاً من اعتقاده الصوفي يوشك أن يلغي الفيزيائي ويجعله تابعاً للافيزيائي، أو في أمثل الأحوال هو الأرتقاء بالأول ليلامس جوهر الثاني، مصدر الحق والحقيقة، مصدر الرغادة والرخاء و الحياة الأبدية، وهو القوة الباطنية العاقلة المدركة المرجوة لذاتها، في ذاتها، للآخروي. وإذا كان ابن العربي يلغي مفهوم الوسيط في العلاقة ~ وأركز هنا على مسألة العلاقة ~ ما بين العرض والجوهر، الخالق والمخلوق، فأن ~ فيلون ~ رائد المدرسة الأسكندرانية لايدرك تلك العلاقة إلا من خلال ( الوسيط ) القوة السارية التي تضفي على تلك العلاقة، البعد المناسب ما بين الخالق والمخلوق. والتي أسميها بالأشكالية ما بين الأول والثاني، تلك الأشكالية التي حاول سقراط أن يدركها من خلال المسألة الأخلاقية، المشكلة الأخلاقية، وكأن هذه الأخيرة هي الحل واللوغوس الفعلي. في حين إن أفلاطون وأرسطو صاغا ~ العلاقة والمسألة والأشكالية ~ ضمن قوانين الوجود ومبادئ المنطق، فمال الأول إلى أولوية قوانين الوجود على مبادئ المنطق حسب ( مثله ) التي باتت وأمست معروفة وشهيرة، والثاني مال إلى التوازن مابين قوانين الوجود ومبادئ المنطق حسب ( منطقه الصوري الشكلي ) الذي لايقل شهرة عن تلك، إن لم يبزها. ولايمكنني، في هذه العجالة، ألا أن أذكر هيجل الذي أضفى منطوقاً مميزاً على اللوغوس، ذلك المنطوق الذي أرتبك فيه الكثيرون ( بعضهم كبار المفكرين ) حول كيفية التعبير عنه، فأعتقد هؤلاء إن اللوغوس الهيجلي هو مفهوم مطلق، في الحقيقة هو ليس مفهوماً مطلقاً، إنما هو المفهوم المطلق، الروح المطلقة، الفكر المطلق. والفرق بينهما هو التفارق ما بين هذين القولين ( إن الرب جميل ) و ( إن الرب هو الجمال )........ ماكنت بدأت بهذه المقدمة، إلا لأطرح التساؤل التالي ماهي قيمة قوانين الطبيعة حسب تلك الأتجاهات الثلاثة، النهر الهيراقليطيسي، النهر السوري ( النظام السوري )، اللوغوس الماورائي الميتافيزيائي !!؟؟ وهل ~ بالأساس ~ هي موجودة بصورة مستقلة عن الوعي الأنساني ( أرجو أخذ هذه القضية بشكل جزئي فقط ) أم كيف ذلك، أي هل هي تابعة لوحدة المتناقضات في النهر الهيراقليطيسي، أم لمشيئة الإرادة الخاصة في النهر السوري، أم للقانون الكلي المطلق وكأنها الصورة الإنعكاسية الأفتراضية وغير الأفتراضية للوغوس !!؟؟ سأحاول أن أوضح الرؤيا بشكل حسابي بعيداً عن القطوع الهندسية، هل ~ على سبيل المثال ~ قانون الجاذبية ينفذ إرادة خاصة ( النظام السوري )، أم إرادة خفية مسيطرة ( اللوغوس )، أم هل هو جدل في الطبيعة، الكون، أي جزء من الواقع الموضوعي وكل من الواقع الوقائعي ( النهر الهيراقليطيسي ) !!؟؟. مع العلم أننا لا نتفق مع التمييز الذي أقامه بليخانوف في التفريق ما بين قوانين العالم الموضوعية وقوانين الفكر وإن منح الأولوية للقوانين الموضوعية، ونعتقد إن هذا التمييز هو أجوف، فقوانين الفكر لاتستقل في وجودها، ولاترتقي من تلقاء ذاتها، ولاتفسر ( حالها )، ولاتتطور بالأعتماد على كينونتها، إنما هي تملك خواصها واستقلالها النسبي ضمن إطار ارتهانها للقوانين العالم الموضوعية، واعتمادها في تطورها و وضوحها على تطور ووضوح تلك القوانين، أي ~ حسبما نرى ~ هي جزء من ( حال ) العالم الموضوعي. لذلك قلنا عن قانون الجاذبية، بالإضافة إلى الحالة الأولى والحالة الثانية، هل هو جدل في الطبيعة!!


أي، وإلى مابين البينين، في الحالة الأولى ( النهر السوري )، يتبرأ العالم عن قوانينه الموضوعية وقوانين وجوده وقوانين فكره وميادئ منطقه. ويتقزم التاريخ إلى مفهوم الحدث، الأحداث. وينتهي الزمن إلى مسألة الساعات. وتنتفي كافة أنواع الغايات. ويتحول قانون السببية إلى حالة جوار مابين الأول والثاني. وتفقد الظروف الموضوعية شروطها وموضوعها. وهكذا تنعدم القيمة الفعلية لقوانين الطبيعة، ويهجر فانون الجاذبية ذاته وينبغي عليه الآن أن ينفذ الإرادة الخاصة للنظام السوري. لذلك سأقدم العزاء للأنسانية لأننا بكل بساطة نكابد في نقطة العماء المطلقة والأبدية.


أما في الحالة الثانية، النهر اللوغوسي، تنتفي القيمة العملية التطبيقية لقوانين العالم الموضوعية، وتغدو الظروف الموضوعية نوعاً من المحاكاة والمحايثة للمطلق الكلي. وهنا يبرز التساؤل الحرج، هل الأعراض التي تبدو لنا أنها تتبدل من حال إلى حال هي نتيجة مقوماتها الخاصة بها ( وهذا مردود وخلف لأنه يفند ويدحض منطوق اللوغوسي )، أم هل هي تعكس السلب والتناقض والتفاعل ضمن المطلق الكلي !! وهذا بدوره مردود لأنه لايستقيم مع جوهر المطلق الكلي. إذن، إذا كانت هذه الأعراض موجودة، ولم تكن في علاقة أرتباطية لا مع الداخل ولا مع الخارج، فهي تعاني حتماً من حالة الوهم. وهذا لايعني إننا وحدنا ضحايا الهذيان، فاللوغوس نفسه يعيش هذه الحالة ( الهذيان ). وهكذا لايحق لنا الحديث عن الغاية ودالتها، ناهيكم عن المصير وإشكاليته !!!....... وفي الحالة الثالثة، النهر الهيراقليطيسي، يبدو أن هنالك إياب الروح إلى الحياة، وعودة الروح والحياة إلى الطبيعة. وكأن القوانين الموضوعية تعثر على قيمتها الفعلية التطبيقية. وكأن المفاهيم تنسجم مع ذواتها. وكأن قانون الجاذبية هو جزء من الجدل في الطبيعة.. هذا الجدل الذي لايبحث عن ذاته، إنما في كله وفي مرحلة تاريخية معينة يجعلنا ندرك نسق التاريخ، مدلول الزمن، عوارض وظواهر قوانين العالم الموضوعية، دالة الظروف، العلاقة مابين الصراع والتناقض الرئيس، العلاقة مابين الأسم والمعنى.....


إذن، بإختصار وأقتضاب، إن قوانين العالم والطبيعة تزاول ذاتها بصورة مستقلة عن الإرادة الخاصة، وإن الحالة السورية لن تكون حالة أستثنائية في التاريخ، ولن تكون حالة خارجة عن إرادة ظروف وقوانين هذا الأخير. وبما أن الأمر هو فعلاً كذلك، فأن النظام ~ النظام السوري ~ الذي يجابه ويعادي هذه القوانين، ويتمادى في تمزيق أوصاله وفرائصه، ويمعن في قتل وذبح أبناء شعبه أستبداداً وظلماً وعدوانية، ويستهزأ بالجار وما بعده ويغتاله هو وأخاه، فلا مندوحة من أن يلفظ التاريخ هذا النظام. وهذا لم يعد موضع شك أو ريب لدينا. والأبعد من ذلك نحن نرى أن النظام السوري قد أنتهى موضوعياً وتاريخياً، وأن القضية باتت مسألة زمنية، لأن آخر من يعاديه النظام هو شعبه، ولقد تم ذلك فعلاً في الأحداث الأخيرة ( القمة والمجزرة ) !!!...

هيبت بافي حلبجة