أعيش في منطقة ٍ بلندن هندية الطابع، ما أتاح لي متابعة هؤلاء القوم عن كثب، مستنتجا ً الكثير من الصفات والخصال والميزات الإيجابية التي يتمتعون بها، والتي تبعد بعد السماء عن الأرض عما علق في ذهني العراقي من نكات quot; بايخة quot; وتصورات واهية تليق بنا قبل أن تليق بهم، فهي كالشتيمة التي ndash; تلف ّ.. تلف ّ ثم ترجع إلى صاحبها ndash; على رأي عادل إمام!


فالهندي - رجلا ً كان أو امرأة ndash; محب للعمل، جاد فيه. يسعى منذ اليوم الأول الذي تطأ فيه قدماه أرضا ً غريبة إلى نسيان الراحة لتلبية متطلبات عائلته في الوطن أو المهجروتحقيق طموحاته وأحلامه بغد أفضل. وفي حين يفضل العراقي في الخليج - مثلا ً ndash; مهنة الحراسة لكونها تتلاءم وطبيعته quot; التسخيتية quot; ( يعني التسخيت بالعراقية قضاء الوقت باللهو والتسكع ) يمارس الهندي مختلف المهن والحرف الواعدة بمستقبل أفضل. وكثيرا ً مابدأ هنود نشاطهم التجاري في الخليج وأوروبا وكندا وغيرها من البلدان ببقالة صغيرة انطلقوا منها إلى امتلاك سلاسل من المحال التجارية الكبرى ذات الماركات المسجلة. هناك على سبيل المثال محلات quot; كاش أند كري quot; في لندن وغيرها من مدن بريطانيا.


تتنوع اختصاصات وطاقات الهنود في الخارج وتشمل جميع المجالات الهامة تقريبا ً. ففي هذا البلد، وفي أكبر عاصمة في العالم - لندن ndash; يشكل الهنود معظم الصيادلة وأطباء العائلة وأطباء المستشفيات ومنهم الكثير من المهندسين والصحفيين وأصحاب محطات تعبئة الوقود وأرباب الصناعات الصغيرة والمتوسطة والبنائين والمعماريين وتجار الأغذية والفواكه والخضروات، ناهيك عن أنهم يشكلون أغلب العمالة في جميع المهن تقريبا ً.


القليل القليل جدا ً من الهنود المقيمين أو المتجنسين في بريطانيا من ينخرط في أعمال إجرامية أو إرهابية. وإذا حدث ذلك فهو أحد اثنين : ليس هنديا ً وإنما آسيوي بشكل إطلاقي، كأن يكون تاميليا ً يتصف بالقسوة والوحشية نظرا ً للظلم الذي يتعرض له في سريلانكا وحرمانه من حق تقرير المصير، أو باكستانيا ً جرفته الأفكار السلفية و quot; القاعدية quot; فتحول إلى كلب مسعور.


والهندي مخلوق منزلي بامتياز، يقضي غالب مساءاته ولياليه وأيام آحاده مع العائلة، إما في البيت أو يأخذها معه إلى المطعم التقليدي الذي يتحول يوم الأحد إلى كرنفال ملون رائع من أزياء quot; الساري quot; والأنغام و quot; الكاري quot;!


ووجود الهنود في هذا البلد الضبابي الكئيب عامل بهجة ونشاط وألوان. يشتري هؤلاء القوم البيوت القرميدية الحمراء لتتحول إلى ألوان بيضاء وزرقاء وخضراء والعديد من الألوان الأخرى الباعثة على السعادة. وبينما يتخلى العرب عن إذاعتهم الوحيدة في لندن quot; القسم العربي في إذاعة اسبكتروم quot; التي كانت تناجي الساهر وتدردش مع الحائر فتعيد إليهما توازنهما في غربتهما القاتلة، تتكاثر الإذاعات الهندية على امتداد الموجات، ختى يحسب الزائر نفسه في نيودلهي أو quot; مومبي quot;.


وإذا اتجه الناظر شرقا ً، إلى الهند نفسها، وجد الكثير من التخلف والنواقص والفقر شأنها في ذلك شأن أي بلد، خاصة إذا كان عدد سكانه يقترب من المليار نسمة، يعيشون على مساحة ليست واسعة نسبيا، وذات موارد ليست بالغة الكثرة، لكنه يجد أيضا ً بلدا بلغ الشأو الأعلى في درجات العلم والتقدم والرقي الحضاري، وليس أدل على ذلك مما رأيت على شاشة التلفزيون الأسبوع الماضي، فماذا رأيت؟


عندما وصلت الشعلة الأولمبية إلى نيودلهي في طريقها إلى بكين، تظاهر التبتيون المطالبون بحق تقرير المصير كما فعلوا في كل مكان بلغته تلك الشعلة قيل وصولها إلى الهند، فكيف تعاملت معهم الشرطة الهندية؟ هل انهالت عليهم بالهراوات والركلات كما تتعامل الشرطة المصرية مع المتظاهرين المصريين، أو قتلتهم كما قتلت اللاجئين السودانيين؟ أم شتمتهم وشتمت رموزهم الدينية والاجتماعية وأجبرتهم على حلق لحاهم وأهانت عوائلهم كما تفعل الشرطة والقوات العراقية مع البصريين - كما قالوا هم في نداء استغاثة -؟ أم فرقتهم بعنف كما شهدنا في بعض دول الخليج واليمن الجنوبي وجميع بلاد العـُرب ِ أوطاني تقريبا ً؟


لا هذا ولا ذاك، بل حرص رجال الشرطة الهندية على حمل المعتصمين التبتيين إلى سيارة الاحتجاز الموقت من على الأرض كما يـُحمل الطفل المدلل المشاكس، ولم يرفعوا عليهم هراوة أو قبضة، وكان الشرطي الهندي لايختلف في ذلك عن أي شرطي أوروبي، في quot; نزاكة quot; تعامله وحضارية أسلوبه.


ويأتي بعد ذلك من يأتي ويقول quot; قابل آني هندي؟ quot; ( أهندي ّ ٌ أنا؟ ) دلالة ً على رقي ّ حضرته وتخلف الهندي!

علاء الزيدي
[email protected]