يبدو أن هناك مفهوم مشترك عند الباحثين في مصطلح quot;الاستشراقquot; في مجمله، بأنه كل ما يخص البحث في أمور تتعلق بالشرق، سواء أكانت حضارية، عقائدية، لغوية وأدبية، وثقافية. وينهض بها quot;مستشرقquot; غربي (أوروبي/أمريكي).. إذن فهو تيار فكرى، وان بدت موضوعاته قديمة، إلا أن المصطلح ليس كذلك، فقد ظهر في نهاية القرن ال18 ببريطانيا، وشاع بعد ذلك في أوروبا، ثم أمريكا خلال القرن العشرين.


وقد عبرت الأقلام العربية عن رؤيتها تجاه معطيات الاستشراق. منهم quot;الطيب بن إبراهيمquot; (جزائري) بقوله: أن الاستشراق ليس تاريخا أو جغرافيا أو إنسانا أو ثقافة فحسب، هو كل هذه العناصر، هو المكان والزمان والإنسان والثقافة.. أي quot;الشرق الهويةquot;. وأن الاستشراق بما هو عليه يحمل في طياته بذور الصراع والحرب. ونال من صورة الشرقي/العربي/المسلم في ذهنية الفرد العادي في أوروبا.. عند الفرنسي (مثلا) لا ينسى أن القائد quot;شارل لابنسquot; هو الذي أوقف جيش المسلمين/الأتراك في quot;يواتيهquot;، ودور quot;شارلمانquot; في الحروب الصليبية، وحتى الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية بأطماعها وسيطرتها.


وهو ما أبرزه أيضا quot;د.ادوارد سعيدquot; (فلسطيني/أمريكي) أن الاستشراق بشكله وملامحه هو الإسقاط الغربي على الشرق، وإرادة السيطرة عليه.. أو هو الرؤية العنصرية تجاه ما أطلق عليه مصطلح quot;الجغرافيا التخيليةquot;، تلك الجغرافيا وضعت الشرق/الآخر كعدو للغرب. وقد بدأت تلك الصورة للشرق تتشكل وتبرز، منذ ولدت العقلانية الأوروبية التي تبحث عن مستحثات نموذجية للتقدم.

المعنى اللغوي للاستشراق: في العربية الكلمة على وزن quot;استفعالquot;، ومنحوتة من quot;شرقquot; ومعناها المباشر quot;طلب الشرقquot;.. وفى اللاتينية oriant وتعنى يتعلم أو يبحث عن شيء ما، ومنها الانجليزية orientalism وهى تعنى علم الشرق أو علم العالم الشرقي، الذي يتناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من قبل علماء الغرب. وقريب من هذا المعنى في الألمانية والفرنسية.
وقد ظهر المصطلح وشاع في انجلترا عام 1779م، وفى فرنسا عام 1799م، ثم سجل في الأكاديمية الفرنسية عام 1838م.

خلال تلك الفترة بدأ التناول العلمي والبحث الممنهج (بصرف النظر عن النتائج، ورؤيتنا لها في الشرق) مع أول مؤتمر دولي للمستشرقين في باريس عام 1873م،بينما النشاط الاستشراقى المتفاعل عبر عن نفسه من خلال.. إنشاء جمعيات استشراقية بداية بالجمعية الأسيوية في باريس عام 1822، ثم الجمعية الأسيوية في بريطانيا عام 1823م، والجمعية الشرقية الأمريكية في 1842م، والألمانية عام 1845م.. وتوالت الجمعيات الأوروبية.
كما تم إصدار حوالي 300 مجلة دورية مثل مجلة quot;العالم الاسلامىquot; في بريطانيا، ومجلة quot;عالم الإسلامquot; في روسيا ثم في فينا.. وان استمرت بعضها، وتوقفت بعضها الآخر.
ومع ذلك تلقت البحوث والقراءة العربية حول الاستشراق باعتباره، النزعة الاستعلائية والعدائية منذ القدم، وقبل كل تلك المجهودات المنظمة.
فمن قائل أنها بدأت منذ غزوة quot;مؤتةquot; والصراع العسكري.. ورأى يرى أنه مع الدولة الإسلامية في الأندلس، ومنذ الدولة الأموية بالقرن الثاني الهجري.


فيما يرى رأى ثالث أن الاستشراق عبر عن نفسه وتواجد مع الحروب الصليبية..
بينما يبدو الإشارة إلى عام 1312م سببا مقنعا، حيث صدر قرار مجمع quot;فييناquot; الكنسي بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربية في الجامعات الأوربية، لدراسة الشرق/العرب والمسلمين فكريا وعقائديا.. وهو ما تحقق بجامعات أكسفورد وبولونيا والجامعة البابوية في روما.
ولعله من المناسب الإشارة إلى ما قال به quot;د.محسن جاسم موسويquot; من أن العرب التفتوا (علميا وإعلاميا) إلى موضوع الاستشراق، بعد مقال quot;د.أنور عبدالملكquot; في مجلة quot;ديوجينquot; عام1963م، بعنوان quot;الاستشراق في أزمةquot;، ومن بعده توالت الدراسات.

وهناك بعض المجهودات الفردية والرائدة في هذا المجال (الاستشراق)، وقد سبقت التنظيمات المؤسسية التي شاعت فيما بعد (كما أشرنا).
البابا quot;سلفسترquot; وهو أول فرنسي يرشح للبابوية، وقد درس العربية وأدبها في الأندلس بين عامي 999 حتى 1003م.. أيضا quot;جيراردى كريموناquot; الايطالي (1114-1187م).. كذلك اليهودي المتنصر quot;يوحنا الأشبيليquot;.. ومعهم quot;رايموند لولquot; (1235-1314)الذي قضى تسع سنوات في تعلم اللغة العربية والإسلام، ثم عاد وطلب من البابا أهمية تعلم اللغة العربية في الجامعات الأوروبية، وافقه البابا، وتم بالفعل.. وغيرهم.
وربما عرف من المستشرقين العاملين بالشرق، الراهب quot;يوحنا الدمشقيquot; في الشام، وله كتابان شهيران: quot;حياة محمدquot;، وquot;حوار بين مسيحي ومسلمquot;، والأخير يرشد المسيحي كيفية مجادلة المسلم.


لعله من المناسب التوقف أمام الكاردينال quot;جون هنري نيومانquot; (1801-1890) في كتابه quot;تصويرات تاريخيةquot; الذي أشاد بالروس وتدخل الانجليز لصالحهم، في حرب الروس مع الأتراك، وقد عبر سعادة بهزيمة المسلمين الأتراك أيما سعادة في حرب quot;القرمquot; عام 1853م. وهو القائل بفكرة تقسيم العالم إلى خطين، أفقي وآخر رأسي.. الشمال البارد والجنوب الدافئ، والصراع حتمي بينهما، أما الخط الرأسي.. قسم العالم إلى غرب حضاري وشرق خرافات، وحتمية الصراع بينهما.

مجمل هؤلاء وغيرهم، في الغالب الأعم ليس عنده نظرة ايجابية تجاه الإسلام والمسلمين. وان يذكر للبعض رؤيته الموضوعية في التناول لأي موضوع لاهوتي عقائدي أو غيره متعلق بالشرق.. وهم قلة قليلة.
منهم quot;يوهان ج. رايسكةquot;، وقد اتهم بالزندقة، ومات مسلولا.. وأيضا quot;زيجريد هونكةquot; صاحبة كتاب quot;شمس العرب تسطع على الغربquot;.. وquot;توماس أرنولدquot; وكتابه quot;الدعوة إلى الإسلامquot;.

كما لعب أدب الرحلات والرحالة دورا لا يمكن إغفاله في موضوع quot;الاستشراقquot;، نظرا لتأثير تلك الكتابات السهلة والمسلية على القارئ العادي.. وكانت في مجملها تبحث عن العجائبى والغريب والطريف، وليس على جوهر ظاهرة ما، وأن في الاختلاف بين الجماعات الإنسانية إثراء لحياة الإنسان على الأرض. لكنها النظرة المتعالية التي انتقدها quot;سعيدquot; في كتابه الهام المسمى quot;الاستشراقquot;.

يمكن الآن إجمال أسباب quot;الاستشراقquot; وشيوعه، في عدد من العوامل: لاهوتية، تبشيرية، تجارية وجغرافية. وأكثر آلاما للشرقي/العربي/المسلم المتعلق منها بالعقيدة.


قال quot;جورج سيلquot; وهو مترجم معاني القرآن، وكتب في مقدمة الكتاب quot;أن القرآن من اختراع محمدquot;!
وقال quot;ريتشارد بلquot; أن النبي استمد القرآن من مصادر يهودية ونصرانية، ولم يقل أن الأديان الثلاثة من مصدر الهي واحد!
بالإضافة إلى هذا على الجانب العقائدي، الجانب الفكري، هناك الجانب السياسي والايديولوجى.. فقد كتب وزير المستعمرات البريطاني quot;مسبى غوquot; في عام 1938م في تقريره: quot;إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليس الإمبراطورية وحدها، بل فرنسا أيضا، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة وأتمنى أن تكون إلى غير رجعهquot;
كما نشير إلى المستشرق quot;لويس ماسينيونquot; صاحب الدعوة للكتابة بالعامية لكل بلد عربي واستخدام الحروف اللاتينية، بدلا من العربية.. وهى الفكرة التي تبناها البعض عن غفلة، مثل المفكر quot;سلامة موسىquot; الذي تبناها، وتحمس لها!!

مع ملاحقة المجهودات الاستشراقية، تبدو وكأنها جهد خاص لكل بلد أوروبي منفصلا عن الآخر، إلا أنها في مجملها تتجه نحو أهداف وخطوات مشتركة ومكملة لبعضها البعض.
فالاستشراق الألماني الحديث والمعاصر، بدا منتظما اعتبارا منذ عام 1921م، وهو هام أول مؤتمر علمي للأستشراق في المانيا، ويعقد مرة كل ثلاث سنوات، مازال منتظما حتى اليوم. وفيه درس مصطلح quot;الاستشراقquot;، حيث أشارت أوراقه إلى أنه البحث في quot;الشرقquot;، حيث هي مناطق إسلامية، تتحدث العربية في أغلبها، ومنها مناطق تنطق الفارسية والتركية وغيرها.
إلا أن أوراقه المعاصرة، لم تتجه نحو العموم، بل نحو قضايا محددة، منها القضايا السياسية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط.. وكذلك انتقلت الأبحاث لدراسة الأوساط الإسلامية في أوروبا والمانيا تحديدا، حيث زاد عدد المهاجرين المسلمين، وتشكلت من الأجيال الجديدة، من يعتنق الإسلام ويحمل الجنسية الألمانية (كما في فرنسا والكثير من الدول الأوروبية).. وبالتالي أصبحت قضية quot;الإسلام السياسيquot; من القضايا المطروحة.

كما أن الاستشراق الأمريكي، وان بدأ متأخرا عن الأوروبي عموما، إلا أنه يبدو نشطا ومختلفا. ويمكن متابعة نشاط الإرساليات التبشيرية الأمريكية منذ القرن ال19، في الشام (مثلا).. تم افتتاح مدرسة لتعليم البنات في لبنان عام 1830م، ثم الكلية السورية الإنجيلية 1866م، تلك التي أصبحت الجامعة الأمريكية العربية فيما بعد.


إلا أنه يمكن الزعم بأن النشاط الاستشراقى الأمريكي لم يبدأ فاعلا وجادا، إلا بعد الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي. وهو ما أوضحه quot;مايلز كوبلاندquot; ضابط المخابرات وصاحب كتاب quot;لعبة الأممquot;.. ففي عام 1952م خصصت الحكومة الأمريكية بعض الجامعات التي ينشأ فيها مراكز للدراسات الإسلامية والعربية، مثل quot;مركز دراسات الشرق الأوسط/جامعة هارفاردquot; وفى غيرها.
كما تتميز التجربة الاستشراقية الأمريكية، بعدم الاهتمام بالجانب اللغوي والأدبي في الدراسات، والاهتمام أساسا بالجانب الاجتماعي، والجانب التاريخي المعاصر وليس القديم، والتركيز على الدراسات الإقليمية.. وهو جانب من الدراسات يكشف عن رؤية تطلعية وبرجماتية لا تخلو من الأطماع والرغبة في الهيمنة.

لعل من أهم من كتب في موضوع الاستشراق هو quot;ادوارد سعيدquot; الفلسطيني المولد، الأمريكي الجنسية، الباحث في جامعة quot;هارفاردquot;، ضمن مجموعة من الباحثين في الاستشراق، إلا أنه تلاحظ أنهم في مجملهم أمريكان من أصول غير أمريكية.
وقد تميز كتابه quot;الاستشراق.. الجغرافيا التخيليةquot;، بكونه استخدم منهجا مختلفا في التناول.. فلم يعتمد على علم أو فرع أكاديمي واحد في رؤيته وتحليلاته.. يرى أن الإبداع الأدبي خارج التصنيف البحثي.. ضم كل المعطيات التكنولوجية الحديثة باعتبارها وسائل للمعلومات وطرح الأفكار: الأقمار الصناعية الخاصة بالتجسس، وسائل الدعاية المختلفة، مراكز البحث والتي تبدو في ظاهرها علمية/ثقافية بحته.. وغيرها. وقد طرحها على أنها البديل الطبيعي عن الرحالة وكتب الرحلات القديمة.
وقد أشار بداية إلى أن النظرة الاستشراقية الأوروبية التي رأت في الاستشراق أنه لا يمثل واقعة من وقائع الطبيعة.. بل واقعة من نتاج البشر، هو ما أفرز quot;جغرافيا أخرىquot; أو quot;جغرافيا تخيليةquot;. تلك الجغرافيا التخيلية هي التي وضعت الشرق/ الآخر كعدو للغرب.
إذن هناك الشرق المتخيل الذي ولدته موازين القوى السياسية، وفى المقابل بدا هذا الشرق المتخيل في حالات من التحفز والمقاومة للغرب، نظرا للتاريخ الاستعماري القريب والبعيد. كما لم يكن هناك ما يمكن أن نطلق عليه quot;الاستغرابquot; أي دراسة الغرب في مقابل الاستشراق، وهو ما صنع فجوة تتسع دوما بين الشرق والغرب.

بالنظر إلى مجمل معطيات الاستشراق الأوروبي والأمريكي، نخلص إلى بروز عدد من الظواهر اللافتة:
أولا: ظاهرة الهجوم والبعد العدائي تجاه الإسلام كعقيدة.. لعل ما أثير مؤخرا من ظاهرة الرسوم المسيئة للرسول الكريم، أبرزها حاليا. وان بدت وكأنها حالة فردية محلية لرسام في صحيفة دينماركية، باتت في أغلب دول الغرب بل وفى استراليا (الشرقية) التي هي غربية الهوية.. وهو ما يعكس تأثر الفرد العادي بتاريخ طويل من بث العدائية والمغالطات العقائدية والفكرية معا.
ثانيا: ظاهرة العدائية للعرب في الإبداع الأدبي، وبقلم من يعتقد في فكرهم الحر وغير المتعصب. وهو ما بدا في بعض قصص أحد الكتاب الفرنسيين وصاحب المكانة/الفنية في الساحة الثقافية العربية.. وهو quot;كافكاquot;.
ففي قصته quot;بنات آوى وعربquot; تخلى عن منهجه في الكتابة، وابتعد عن الرمزية والفكر الوجود الذي تميز به. جاءت القصة على شكل الحوار وعرض الأوصاف والآراء بشكل مباشر، إلى حد غير فني!
ملخص الفكرة (أوروبي يسير في صحراء عربية.. يقابل مجموعة من بنات آوى طالبة منه أن ينصفها من عربي.. فقطع رأس العربي بمقص صدئ.. أثناء ذلك يأتي أحد العرب مبتسما، يشير إلى المقص وقد تجول في الصحراء على مر التاريخ دون جدوى) وهو ما يعنى اضطهاد العرب لبنات آوى وممارسة القتل فيهم.. هو القتل على غير جريرة ارتكبت، تلك هي الفطرة التي فطر عليها العرب!

ثالثا: طاهرة توظيف معطيات الاستشراق للأهداف الخفية والدعائية والصراع. وهو ما يمكن أن نشير إلية من واقعها ذكرها quot;د.محسن موسويquot; حول خبر نشر قبل الغزو الأمريكي/البريطاني للعراق بسنتين.
فقد نشر أن نظام quot;صدام حسينquot; أعدم مجموعة من بنات الهوى الغواني لممارسة الدعارة. قد يبدو الخبر عاديا، إلا أنه في حقيقته توظيف لفكرة quot;شهريارquot; الذي يقتل كل ليلة امرأة، ووظفت تلك المعلومة غير الحاضرة في ذهنية القارئ، لإعطاء صورة تمهيدية لصدام بكونه quot;شهريار/سفاحquot; العصر. ولأننا لسنا بصدد الحكم على quot;صدامquot; وقد تأكد من عدم مصداقية الخبر (كما أفاد د.الموسويquot;) ليس أمامنا إلا التأكيد على أن الاستشراق ومعطياته (وهى الصورة المتخيلة للشرق) توظف في مجموعة من الأغراض والأهداف في غير صالحنا نحن العرب والمسلمين من حيث المبدأ.

رابعا: ظاهرة توظيف المؤسسات اليهودية لمعطيات الاستشراق، من خلال الدخول ضمن نشاطاتها مباشرة، أو بشكل فردى ليهودي متعصب. وهو ما أبرزه quot;د.محمود زقزوقquot; في بعض كتاباته، وأرجع المشكلة إلى المنهج الذي يتبعه الغرب، ولم يطلعوا على كتابات العلماء والمفكرين العرب، من باب البحث العلمي والتوثيق. وهو ما أرجعه إلى أن الاستشراق وقع في مغالطات عقائدية وعلمية أيضا.

خامسا: ظاهرة المشكلة التي يجب الانتباه لها بحق الآن، وأننا نحن العرب/المسلمين، قد تأثرنا بمعطيات الغرب إلى الحد الذي جعلنا نرى أنفسنا في مرآة الغرب، وفى ضوء معطياته وأفكاره ورؤيته.. وهو ما يجب التوقف أمامه للتخلص منه، والبحث عن مرآة خاصة بنا!!

لا يمكن إغفال بعض الدراسات الاستشراقية الإصلاحية، تلك التي كتبها مجموعة من المهاجرين العرب في أمريكا خلال العقود القليلة الأخيرة، وبكل ما فيها من نقد لمجتمعاتنا، فلا تسعى إلا للإصلاح وكشف الحقائق العلمية.. من هؤلاء: quot;هشام شرابي- حامد عمار- جلال العظم.. وغيرهمquot;. فعلى الرغم من توصيفهم للمجتمع العربي بغلبة الغيبية والتخلف والعشائرية فيه، إلا أن عدم المبالغة والتناول التحليلي العلمي مع عدم جلد الذات.. جعلت من كتاباتهم وجهة نظر تستحق المتابعة.

لا يخلو موضوع الاستشراق في النهاية من بعض الايجابيات، منها: ترجمة الكلاسيكيات العربية، توثيق وحفظ بعض الكتب التراثية القديمة، شحذ الهمم وفهم الآخر الغربي لعله يفيد في معالجتنا لمشكلة الرسوم المسيئة للرسول الكريم (مثلا) وفى غيرها. خصوصا أن هناك قلة بدت موضوعية وعلمية في كتباتها، كما بدا في كتاب البريطاني quot;جان دوانبورتquot; في كتابه quot;اعتذار لمحمد والقرآنquot; مؤخرا.


وربما بدت تلك الرؤية الرحبة المتسامحة المتعالية على العنصرية، في أشعار quot;جوتهquot;، حيث قال في قصيدته quot;نشيد الهجرةquot;:
الشمال والجنوب أقطارها تتصدع وعروشها تزول وممالكها تنهار،اهرب، اهرب، أنت إلى المشرق الطهور،واستنشق الهواء المعبق بعطر الآباءquot;

أما وقد انتهى العصر الذهبي للاستشراق، وربما اختلفت صورته ووسائله بدخول أمريكا الميدان بكل انجازاتها التكنولوجية.. فلا بديل عن quot;الاستغرابquot;.. نحن طرف أمام آخر، ندرسه كما درسنا، ولو من باب الحيطة والحذر!!

السيد نجم
[email protected]