هل أثار عنوان المقال دهشتك؟ ربما نعم وربما لا. ولكن تمهل عزيزي القاريء فالعنوان ليس إلا قطرة من بحر الدهشة الذي ربما تجد نفسك غائصاً في أعماقه بعد أن تقرأ القضية موضوع سطور هذا المقال. لم أختر العنوان بغرض إثارة دهشة القاريء، ولكني اخترته لاعتقادي بأنه الأنسب للقضية التي يناقشها المقال. القضية التي نناقشها هنا تتعلق بلفظ الجلالة quot;اللهquot; وعن ما إذا كان استخدامه يجب أن يكون مقصوراً على المسلمين دون غيرهم في ضوء رغبة البعض باحتكار quot;اللهquot; عن طريق حظر استخدام لفظ الجلالة بين غير المسلمين. قد يفغر أحد فاه الأن تعجباً لاعتبارات عديدة على رأسها أنه جرى العرف على استخدام المسلمين وغير المسلمين من أتباع الديانات التوحيدية لكلمة quot;اللهquot; للإشارة إلى الإله الواحد الذي يعبدونه. ولكن لا تتعجل عزيزي القاريء المتعجب فالقضية جدية وغير هزلية. وهي قضية لها أساس في ماليزيا إحدى بلدان العالم الإسلامي ولم يفتعلها كاتب هذه السطور كما سيظن البعض للوهلة الأولى.

فقد ذكرت صحيفة هيرالد تريبيون الدولية في عدد الجمعة 25 نيسان/ابريل الحالي أن صحيفة تصدرها الأقلية المسيحية في ماليزيا قامت برفع دعوى قضائية ضد الحكومة الماليزية لمنعها استخدام لفظ الجلالة quot;اللهquot; في المطبوعة. وقالت هيرالد تريبيون أن السلطات الماليزية كانت قد قررت في كانون الأول/ديسمبر الماضي حظر استخدام كلمة quot;اللهquot; في المطبوعات المسيحية بحجة أن الكلمة تشير فقط إلى الإله المسلم. وحذرت الحكومة الماليزية الصحف المسيحية بأنه قد تفقد تصاريح الإصدار في حال مخالفتها للقرار. وجاء في دعوى قضائية رفعتها صحيفة تتبع الكنيسة الكاثوليكية الوطنية في ماليزيا ضد الحكومة أن استخدام كلمة quot;اللهquot; هو حق طبيعي لأنها الكلمة الوحيدة في اللغة الماليزية التي تعني quot;Godquot; في اللغة الإنجليزية، ومن ثم فقد طالبت الدعوى بإلغاء قرارالحكومة، وبأحقية المسيحيين في استخدام كلمة quot;اللهquot; في صلواتهم ومطبوعاتهم الكنسية.

ومن ناحية أخرى فقد رفعت إحدى الكنائس الإنجيلية في ماليزيا دعوى أخرى ضد الحكومة هناك لمنعها من استيراد بعض الكتب المسيحية التي تتضمن كلمة quot;اللهquot; في محتواها. وقد أكدت صحيفة هيرالد تريبيون الدولية في تناولها لخبر منع المسيحيين من استخدام كلمة quot;اللهquot; أن قرار الحكومة الماليزية يشير بوضوح إلى التزايد المستمر في معاناة الأقليات الدينية في ماليزيا من جراء محاولات الحكومة تشجيع الصحوة الإسلامية في البلاد التي يشكل المسلمون فيها نسبة 60% من إجمالي السكان البالغ عددهم 27 مليون نسمة.

كانت الحكومة الماليزية برئاسة عبدالله أحمد بدوي قد قررت في ديسمبر الماضي منع غير المسلمين من استخدام بعض الكلمات الشائعة بين أتباع العقائد المختلفة مثل quot;اللهquot;، quot; صلواتquot;، وquot;بيت اللهquot;. وبررت الحكومة الماليزية قرارها بمراعاة مشاعر المسلمين، والعمل على حماية المجتمع الإسلامي في ماليزيا من حملات تبشير محتملة قد يقوم بها المسيحيون هناك مستخدمين هذه الكلمات لخداع المسلمين. وأفادت أنباء نقلتها quot; العربيةquot; في كانون الثاني/يناير الماضي عن أنه تقرر أن تستخدم المنشورات المطبوعة للديانات الأخرى كلمة quot;الربquot; وليس quot;اللهquot;، حتى لا يحدث ذلك ارتباكا عند المسلمين. وقالت مصادر مقربة من الحكومية الماليزية أن الكنائس الماليزية تحاول استخدام اللغة المحلية للماليزيين بهدف اجتذاب المسلمين بعد إقناعهم بأن الله الواحد في الإسلام هو نفسه الله الواحد في المسيحية. وأوضحت المصادر أن استخدام المسيحيين الماليزيين للفظ الجلالة quot;اللهquot; يساعد في خادع المسلمين بعدم وجود فروق بين المسيحية والإسلام، ولذا فقد كان قرار الحكومة بحظر استخدام كلمة quot;اللهquot; بين الطوائف الغير مسلمة.

ألا يثير قرار الحكومة الماليزية الدهشة؟ باعتقادي نعم هو كذلك، بل أظن أن القرار زلزال صادم وخطير، والتأمل في أبعاده يدعونا للتوقف أمامه للتفكير بهدوء في توابعه المخيفة وتأثيره المدمر. القضية هنا لا تتعلق فقط باستخدام لفظ الجلالة، وإنما بما يبدو على أنه محاولة احتكار المسلمين لله وتحريمه على الأخرين، أو ربما محاولة حماية الله من المسيحيين الأشرار. نعم أدرك أن هناك من هناك من يرون أن quot;الدين عند الله الإسلامquot;، وأن هناك من يدّعون امتلاكهم للحقيقة المطلقة، وأن هناك من يقولون بكفر من يختلف عنهم في العقيدة، وأن هناك من يطالبون بالقضاء على quot;الكفارquot; وquot;المشركينquot; أينما وجدوا، ولكن أن يكون هناك من ينادون بضرورة حظر استخدام كلمة quot;اللهquot; في أوساط غير المسلمين، وأن يكون هؤلاء من المسئولين الحكوميين فهذا كان بحق شيئاً مفاجئاً ومدهشاً. وحتى على المستوى اللغوي لا العقائدي أو اللاهوتي لم يدر بخلدي يوماً أن هناك من يريدون احتكار كلمة quot;اللهquot; لأنفسهم.

من المؤكد أن رؤية الحكومة الماليزية لله وللإسلام خاطئة ومعتلة، فلا الإسلام يمكن حمايته عبر القيود، لا الله يمكن حصره في نطاق المجتمعات الإسلامية. فالله، إن كان خلق المسلم وغير المسلم، فهو بالتأكيد ليس امتيازاً تتمتع به طائفة بعينها مسلمة كانت أو غير مسلمة. لا أعتقد بأن كل المسلمين يقبلون برؤية الحكومة الماليزية التي تشجع القول بأن هناك الله اليهودي، والله المسيحي، والله المسلم. فجميع الديانات التي يطلق عليها quot; التوحيديةquot; رغم اختلافها واختلافاتها تؤمن بأن الله واحد. ولا يغفى على أحد هنا أيضاً أن كلمة quot;اللهquot; على المستوى اللغوي لا العقائدي أو اللاهوتي ليست حكراً على مجموعة دينية بعينها مسلمة كانت أو غير مسلمة، فكلمة quot;اللهquot; لم يبدأ استخدامها مع نشأة الإسلام حتى يدعي المسلمون احتكارهم لها.

لا شك في أن القرار يعد ليس فقط إساءة للمسيحية، ولكن احتقاراً لها ولعقيدتها وللمؤمنين بها. تبدو أصابع التطرف والكراهية والشوفينية واضحة في قرار الحكومة الماليزية. ولقد لعب المتطرفون الإسلاميون، الذين بلغ نفوذهم وتأثيرهم للأسف دول الشرق الأدنى، دوراً كبيراً في إفساد العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في كل دولة تواجدوا فيها، حتى بلغ الأمر أقصاه في ماليزيا التي أصبح استخدام المسيحيين لكلمة quot;اللهquot; مثيراً لحساسية المسلمين ومغضباً لمشاعرهم.


الكثيرون من المسلمين لا يريدون الاعتراف بأن المسيحيين يؤمنون بالله الواحد على الرغم من أن المسيحيين لم يتوقفوا عن إيمانهم هذا منذ ولدت المسيحية قبل ألفي عام وقبل ظهور الإسلام نفسه. بل أن الكثيرين من المسلمين يعتقدون بأن المسيحيين الموجودين حالياً كفرة ومشركين، وبأنهم ليسو quot;النصارىquot; الذين تحدث عنهم القرآن بسورة المائدة واعتبرهم أقرب الناس مودة للمسلمين. وربما لذلك نادى المسلمون في ماليزيا بحماية الله من quot; الكفارquot; وquot;المشركينquot; من المسيحيين عن طريق حظر استخدام اسمه فيما بينهم وفي مطبوعاتهم.

لست أدري كيف ستنتهي قضية منع المسيحيين من استخدام كلمة quot;اللهquot; في ماليزيا. ولست أدري إن كانت الحكومة الماليزية ستقوم بتخصيص كلمة أخرى للمسيحيين ليستخدموها في الإشارة إلى الله حسب عقيدتهم. من المؤسف أن يبلغ الحال بالحكومة الماليزية المسلمة هذه الدرجة المؤسفة من التطرف في استخدام الدين والسذاجة في استخدام السلطة واللامبالاة في التعاطي مع حقوق الأقليات الغير مسلمة. ترى كيف سيكون رد فعل المسلمين في البلاد العربية؟ هل ستجتاحنا موجة التطرف الماليزي فتحظر مجتمعاتنا على المسيحيين استخدام كلمة quot;اللهquot; في كنائسهم وصلواتهم وكتبهم المقدسة حماية للإسلام والمسلمين من خطر التبشير؟
عزيزي القاريء لا تتوقف عن الاندهاش مما يجري حولنا من أشياء تتحدى الخيال، ولا تستبعد قيام أحد أفراد جوقة المولعين بحمى الافتاء التي تطل علينا عبر الفضائيات بإصدار فتاوى من نوعية هلمّوا نحظر استخدام لفظ الجلالة بين غير المسلمين، وهلمّوا نراعي مشاعر المسلمين العرب، وهلمّوا نحمي الله من شرور المسيحيين.

جوزيف بشارة
[email protected]