ربما لا يوجد دين من الأديان السماوية أو الوضعية أهتم بتفاصيل العلاقات الإنسانية ونظمها وحث عليها كالإسلام.. وبعيداً عن القناعات الشخصية من حيث الإيمان المُطلق بأفضلية الإسلام كدين وبشموليته، فإن المُتتبع للنصوص القرأنية والأحاديث النبوية وسيرة محمد بن عبدالله النبي الأمي يلمس ذلك.. خذ مثلاً قول المصطفي صلى الله عليه وسلم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).. ابتسامة غير مُكلفة أو مزعجة ويحصل منها الإنسان على أجر قد يتضاعف إلى أجور.. هذه الإبتسامة ظلت حبيسة صدورنا يقتلها حيائنا وتنكرها وجوهنا ويرفضها كبريائنا حتى لو ابتسم لك أحد من الناس لظننت أن فيك خطأ ً عليك أن تُعالجه أو عيباً يجب ستره أو فوضى في ملابسك تلزم منك التدخل أو شيئاً مُقرفاً في وجهك عليك المُسارعة إلى تنظيفه.. المهم أن مصدر هذه الإبتسامة وفق قناعاتنا ليست بادرة من طرف من أطلقها ولكنها ردة فعل لشئ ما!!

في أيامي الأولى في أمريكا كنت أتعامل مع ابتسامات القوم على أنها ردات فعل لخطأ ما.. فما أن تقصفني ابتسامة من أحد حتى أبادر إلى البحث عن مكان الخطأ، فأتصفح شكلي وأعالج هندامي وأستنجد بأقرب مرءاة لمُطالعة وجهي فلا أجد هذا الخطأ فتُصيبني حينها الحيرة والقلق ويتملكني القهر والألم.. وفي يوم أعلنت تذمري هذا في جلسة هادئة مع صحبة طيبة سبقوني إلى الغربة وكانوا أغزر مني تجربة فهدّئوا من روعي وأخبروني أن هذه الإبتسامة إنما هي خصلة من خصال هؤلاء القوم وجبلة فيهم وهي وسيلة لتواصلهم. هدأ روعي حينها طالما لم أرتكب خطأ ً أو لا سمح الله كان في هيئتي أو هندامي غلطاً يستوجب إصلاحه وتعديله. بعدها بسنوات كنت في إحدى زيارتي السنوية للسعودية، وكنت مُعتاداً على هذه الإبتسامة كمنصة إطلاق لها أو إستقبال.. فأطلقتها على ولدين ظريفين في السوق فاستغربا هذه الإبتسامة فقال أحدهما لصاحبه بالعامية quot;وش فيه هذا يبتسم!!quot;.. رد الأخر quot;ما عليك منه هذا شكله موهب صاحي!!quot;.. بعدها أدركت أن تقنية الإبتسامة لم تصل بعد إلى مفهوم شعبنا مع أنها ماركة مُسجلة لديننا وقال بها نبينا.. حتى الإنسان الهندي الذي يُعاني الإضطهاد في مجتمعاتنا وهو أحوج ما يكون لهذه الإبتسامة أصبح عزيز النفس عن تقبلها مُشككاً في نواياها مُرتاباً في من أطلقها.


ولذا خذوا هذه النصيحة لمن عاش الغربة أو جرب الهجرة.. لا تُغامروا أو تبادروا أو تحملوا معكم إلى أوطانكم العربية منصات إطلاق ابتساماتكم التي اكتسبتموها من خلال إقامتكم في أمريكا أو في غيرها من الدول الغربية.. فهي لن تعمل هناك وقد تجعل صحتكم العقلية محل شك أو اتهام، وقد تُغري بكم صغار القوم فيكتبوا صك جنونكم.. على أنني لا أشجع على اتباع هذه النصيحة أو الأخذ بها وهي مردودة على صاحبها أو من قال بها.. والأجمل اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيق أقواله وغرس ثقافة الإبتسامة بين أهلنا وأصحابنا ومجتمعاتنا لنخلق روح المحبة والتسامح والألفة بين بعضنا وبين الأخرين ممن يشاركوننا الإنسانية ويختلفون معنا في العقيدة أو الجنسية.. فالإبتسامة هي الجسر لذلك المفكر الإسلامي المصري محمد عبده قال حين سألوه عن مشاهداته في أمريكا: وجدت هناك إسلاماً بلا مسلمين.. فمتى يعود اسلامنا إلينا بأخلاقنا وتعاملاتنا وابتساماتنا وتسامحنا وتعاطفنا مع الأخرين. لنجرب يوماً هذه التقنية ونسعى لإعادة تصديرها فهي إولى خطوات التصحيح وبناء الثقة التي انهارت بسبب انحراف وإرهاب بعض ابنائنا الذين تكلموا بأسمائنا رُغماً عنا ودون استئذان منا.

خليل اليحيا

المشرف العام على الملتقى السعودي في أمريكا