إن رائدي وهدفي الأول من الكتابة في الشأن العراقي و تسليط الضوء على بعضا من خفاياه هو خدمة الحقيقة التاريخية بعيدا عن أية روح إنتقامية و أحقاد مسبقة و بقدر ما أستطيع من حيادية قد لا تقنع البعض و لكنني مقتنع بها و بجدواها، وقد أثارت مقالة سابقة لي عن النائب الأول السابق لرئيس الوزراء العراقي و أحد كبار معاوني الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في ملف السياسة الخارجية السيد طارق عزيز العديد من ردود الأفعال، بين منتقد أو محبذ أو مصحح لبعض ماورد فيها من معلومات و منها توضيح من نجل السيد عزيز زياد طارق عزيز يورد فيها معلومة تنفي أي صلة قرابة بين عائلتهم و الطيار العراقي الشهير الذي هرب لإسرائيل بطائرة الميغ العراقية الروسية الصنع عام 1966!

ومن أجل التوضيح لملف طارق عزيز الذي يواجه اليوم شأنه شأن ياقي أقطاب النظام العراقي السابق المحاكمة على خلفية إتهامات متعددة فإنني أعود لمناقشة الملف واضعا معلومات جديدة بخدمة القاريء الكريم و الحقيقة التاريخية المجردة فقط لا غير، فالسيد عزيز لم يكن قيادي عادي من قياديي النظام السابق بقدر ماكان عنصرا مركزيا و مهما و قطبا من أقطاب الإدارة التي أقامها نظام صدام حسين و أدار الدولة و الحزب في العراق من خلالها، كما أنه أي طارق عزيز الوجه الخارجي للنظام الراحل و الذي حقق منجزات و إختراقات سياسية و دبلوماسية مهمة لنظام صدام، كما أنه ليس طارئا على الحزب و القيادة البعثية في العراق بقدر ما كان رمزا من رموزها الشاخصة، و السيد عزيز هو إبن للممرضة المرحومة السيدة ( سليمة حكيم ) التي كانت تعمل في منطقة البتاوين البغدادية، و كان طارق عزيز في مستهل حياته يعمل مدرسا للغة الإنكليزية في المعهد الوطني الأهلي للتقوية لصاحبه السيد ( مصطفى كمال الأعظمي ) و كان ذلك المعهد يقع في ( السنك ) في شارع الرشيد في الموقع الحالي لجسر ( السنك ) و كانت أجرته عن الساعة الواحدة 650 فلسا عراقيا وقتئذ، و بعد إنقلاب 17 تموز 1968 تم تعيينه في جريدة ( الثورة ) الناطقة بلسان حزب البعث ثم رئيسا لتحريرها، وفي شهر تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1969 وبعد أن أصبح صدام حسين عضوا في القيادة القطرية و نائبا لما كان يسمى بمجلس قيادة الثورة بعد المؤتمر القطري السادس لحزب البعث الذي شهد صعود صدام حسين الصاروخي في سلم القيادة البعثية، و قد فرضه صدام حسين فرضا رغم معارضة الرئيس العراقي الأسبق الراحل أحمد حسن البكر!، ثم عمد صدام لخطوة أخرى تمثلت في أعفاء وزير الإعلام العراقي الأسبق الدكتور عبد الله سلوم السامرائي و تعيين طارق عزيز مكانه في غيبة تامة عن البكر الذي كان مريضا وقتذاك و فوجيء الرئيس البكر بذلك التعيين من خلال إطلاعه و معرفته بالتغيير الوزاري من خلال شاشة التلفزيون في نشرة الأخبار فجن جنونه، وحيث روى لي أحد المقربين منه حينذاك بأنه وفي حضور السياسي العراقي و الضابط الكردي العراقي المعروف السيد اللواء المتقاعد رفيق عارف أمد الله في عمره و هو بالمناسبة عراب إتفاق 11 آذار بين القيادة الكردية و الحكومة العراقية عام 1970قد هاج و ماج إلا أن صدام أقتعه بعد ذلك بطريقته الخاصة بذلك التغيير فسكت على مضض و لأسباب مجهولة حتى اليوم.

العلاقة بين طارق عزيز و الطيار منير روفا

للسيد طارق عزيز علاقة قرابة بالطيار العراقي الذي هرب بطائرته العسكرية الميغ لإسرائيل ( منير روفا ) وذلك لكون إبن خالته شقيق زوج أخت طارق عزيز السيدة أمل عزيز هو الطيار منير روفا و لكون السيد فهمي روفا زوج أمل هو شقيق منير الطيار الهارب بالميغ 21، أي أن هنالك نوع من القرابة العائلية و إن كانت تلك القرابة لا تعني شيئا في معايير الإتهام أو الفعل الجنائي فلا علاقة للسيد طارق عزيز أبدا بموضوع جاسوسية الطيار منير روفا و لكننا نقرر و نورد حقائق ميدانية.

لقد لعب طارق عزيز أهم دور في السياسة الخارجية لنظام البعث الراحل فهو الذي وثق العلاقة الشخصية بين صدام حسين و جاك شيراك عام 1972 أيام كان رئيسا للوزراء، و هو الذي فتح الباب على أوسع مصاريعه لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق و مهندس حرب إحتلال العراق السيد دونالد رامسفيلد لزيارة العراق زيارات مكوكية منذ عام 1979 بل أن إحدى زيارات رامسفيلد الخاصة للعراق قد تمت لبيت طارق عزيز الخاص في الموصل! كما أن حجم الأسرار و المعلومات السرية و الخاصة عن علاقات نظام صدام الدولية و السرية و الخاصة لا يعرف رموز مفاتيحها إلا طارق عزيز الكنز المعلوماتي الحقيقي الذي لا ترغب العديد من الدوائر في إفراغ ذاكرته التاريخية و المعلوماتية على الرأي العام لأنها ستفضح بوضوح لعبة الأمم الشرسة وحجم التواطأ و التآمر الدولي على الشعب العراقي و شعوب الشرق!، و توريط طارق عزيز في ملفات إتهام جانبية مضحكة لا يراد منها العدالة بقدر ما تهدف لتضليل العدالة و طمس كل معالم و أسرار التعاون المخفي و لكنه المفضوح بين نظام صدام و بين عالم السياسة الغربية الحافل بالمفاجآت و الأسرار الرهيبة... إنها مافيا الدول الكبرى التي تتلاعب بمصائر الشعوب و حرياتها و ثرواتها...!.

داود البصري

[email protected]