مؤكد انه لامجال للمفاضلة بين العلم والأدب، فالعلم هو عماد الحياة وصانع الحضارات ومنقذ الانسان... بينما الأدب مهما نفخ في أهميته الأدباء والنقاد فهو لايعد عن كونه مجرد رتوش وكماليات جميلة للحياة لاأكثر.. أقول كلامي هذا مع أني عاشق جدا لقراءة الرواية الأدبية.

وحكاية مهندس مجاري لندن هي صورة مشرقة ودليل على فوائد العلم وتفوقه على كل شيء.. ففي القرن الثامن عشر أجتاح لندن وباء الكوليرا الذي مات على أثره المئات من سكان المدينة، وعجز الأطباء عن التعرف على سببه ووقفه، وكان يوجد مهندس انكليزي مهموم بهذه المشكلة يتنقل بين المناطق المنكوبة وجثث الضحايا.

وقد قاده عقله العلمي الممنهج على التساؤل المستمر عن الأسباب والنتائج.. قاده الى فرضية ان سبب وباء الكوليرا يعود الى مشكلة غياب المجاري الصحية في مدينة لندن، ولكن في البدء لم يقتنع أحدا بهذه الفرضية.

لكنه لم ييأس ويندحر، بل ظل على قناعته وإيمانه بفرضيته، وبدأ العمل داخل بيته على وضع مخطط شامل لإقامة شبكة مجاري ضخمة وشاملة لمدينة لندن، وواصل الترويج لأفكاره في الدوائر الرسمية والشعبية لغاية نجاحه في اقناع الجهات المسؤولة وحصوله على الموافقة لتنفيذ مشروعه، وهكذا ولد مشروع مجاري لندن العملاقة التي منذ القرن الثامن عشر ولغاية الأن تعمل !

والسؤال الذي يجعلنا نقارن ونتساءل عن فوائد العلم للبشرية، والأدب حينما نسمع تطبيل وتزمير الأدباء والنقاد لأهمية الأدب الذي يضعوه فوق أهمية الهواء والماء... لاشك ان مهندس مجاري لندن بجهده العلمي والانساني الذي أنقذ حياة سكان المدينة من الكوليرا قد خدم أهالي لندن أكثر من شكسبير.

خضير طاهر

[email protected]