الحجاب فريضة إسلامية جاءت بها النصوص القرأنية وقالت بها الأحاديث النبوية، ومع اختلاف العلماء حول ماهية الحجاب وهل يتوجب على المرأة المسلمة تغطية وجهها أم يجوز لها كشفة، إلاّ أنّ الجميع مُتفقين على وجوب الحجاب للمرأة المسلمة وستر بدنها وتغطية شعرها حماية لها ولغيرها من الفتنة. وهذا الأمر قطعاً ليس فيه تقليل من قدر المرأة أو تهميش لوضعها أو إقصاءها من مجتمعها واعتبارها عورة، بل هي تعاليم وقوانين شرعها الخالق لعبادة.. والإنسان المسلم يتعبد ربه بالطاعة ولو كان ذلك ضد حظوظ النفس وشهواتها ورغباتها.


والحجاب بمفهومه الشامل ينقسم إلى قسمين.. مفهوم حسي يتوجب فيه على المرأة المسلمة ستر جسدها وتغطية شعرها بالقدر الذي تنتفي فيه فتنة الإغراء.. ومفهوم معنوي ndash; وهو الأهم ndash; يتوجب فيه على المرأة المسلمة مراعاة سلوكها وتقييم تصرفاتها مع الأخرين دون استدعاء تلك الفتنة التي أهتم بها الإسلام حماية للمرأة وللمجتمع.. وبمعنى أخر المفهوم الحسي يتعامل مع الجسد من حيث تغطيته وسترة والمفهوم المعنوي يتعامل مع السلوك وتهذيبه.. وإذا أضفنا الحياء الفطري الذي تتميز فيه الأنثى عن الذكر، يحصل التكامل في مفهوم الحجاب وتتحصل الفائدة من مشروعيته وفرضيته.. وأي خلل في هذه المعادلة أو نقص جانب من نظرية التكامل هذه في مفهوم الحجاب سيكون له قطعاً أبعاد سواء من الناحية الفردية على المرأة أو من الناحية الجماعية على المجتمع.. وفي كلا الحالتين هناك خسارة واقعة وتطبيقات شرعية ناقصة ومُمارسات سلوكية غير ناضجة أو واعية يدفع ثمن هذه الخسارة أطراف أخرى بحسب طبيعة الخسارة وحجمها. هذه المقدمة عن الحجاب جاءت على خلفية لقطة بالجوال زارت إيميلي وجاءتني من صديق وفي هذه اللقطة تظهر فتاة ترتدي غطاءاً على الرأس يقول نظرياً أنه حجاب ولكن بقية الجسد مكشوف بطريقة مثيرة يُنافس فيها الإثارة التي تملكها أجساد بعض فتيات الليل في بعض أحياء لوس أنجلوس وزوايا نيويورك.

وصورة أخرى استقبلها أيضاً إيميلي وفيه تظهر مجموعة من الفتيات المُحجبات ndash; نظرياً - وقد ارتدين أغرب ما في الموضة الأمريكية من بناطيل الجنز المُتشققة والبلوزات الضيقة التي تبرز معها صدورهن وأماكن أخرى من أجسادهن بطريقة مُثيرة تتساءل بعدها هل هذه الأجساد للعرض أم لمآرب أخرى لا نعلمها؟ هذه اللقطات تخدش المفهوم الحسي للحجاب، وتُعطي دلالات على أن المفهوم المعنوي في طريقه هو أيضاً للخدش والإيذاء وهذا يؤثر على البقية من المُحجبات العفيفات اللاتي التزمن بكلا المفهومين للحجاب. وإليكم هذه القصة مع شاب أمريكي تصف حجم الضرر الذي يقع على مفهوم الحجاب ويخدش سمعة المُحجبات بناءاً على بعض السلوكيات الخاطئة للبعض من تلك المُحجبات سواء في لباسهن المُثير أو سلوكهن المُشين. quot;تشادquot; وهو شاب أمريكي في منتصف العشرينيات كانت بيني وبينه سابق معرفة على خلفية تدريسي لمنهج اللغة العربية في الجامعة.. تحدثنا أنا وتشاد عن بعض الأمور المتعلقة باللغة والثقافة العربية..

وتطرق الحديث للجوانب الأكثر إثارة وفضول عند الشعوب الغربية وهو جانب المرأة المسلمة وحقوقها.. وطبعاً الحجاب جزء من هذا الفضول الذي تمت مناقشته في تلك الجلسة الهادئة مع تشاد الأكثر هدوئاً في نقاشة وابتسامته وسعة صدرة.. استرسلت قليلاً في حديثي مع تشاد حول الحجاب وتعريفة والغرض منه وأنواعه.. وجاءت نقطة المفهوم الحسي والمعنوي للحجاب وكيف أن الفتاة المُسلمة مُطالبة ليست فقط في ستر جسدها بل أيضاً في مراقبة سلوكها ومراعاة تعاملاتها مع الأخرين بغض النظر عن هل هم سعوديين (بحكم أني سعودي) أو مسلمين أو حتى غربيين طالما الجميع يقع في دائرة الغريب (وهو الغير محرم للفتاة).. هنا أخبرني تشاد أنه سبق وقد تعامل مع بعض الفتيات المُسلمات من قبل في الجامعة، ودعم كلامي عن مدى احترامه وتقديره لبعض تلك الفتيات من خلال تعاملاتهن السلوكية الإيجابية مع الأخرين إنطلاقاً من احترامهن لأنفسهن وللحجاب الذي يرتدينه، ولكن بالمقابل أبى تشاد إلاّ أن يُفاجئني بهجمة مرتدة عبارة عن نقطة سلبية مضادة من خلال معرفته لبعض الشباب الأمريكي الذين يملكون علاقات صداقة ndash; غير بريئة ndash; مع بعض الفتيات المُحجبات من الخارج والمهزومات نفسياً من الداخل..

كما أخبرني تشاد عن رؤيته لبعض الفتيات المُحجبات اللاتي يرتدن النوادي الليلية ويتعاطين المشروبات الروحية ويبحثن عن علاقات صداقة مع البعض في تلك النوادي!!.. واستمر تشاد في حديثة وكأنه يرغب في زيادة الألم النفسي عندي من خلال بعض تجاربة ومُشاهداته مع بعض الفتيات المُحجبات!!.. يقول تشاد أنه أيضاً يتلقى دعوات من مجموعة من المُحجبات عن طريق مواقع الصداقة كالفيس بوك وماي سبيس، وأنّ تلك الفتيات لا يمانعن في استعراض صورهن بالحجاب وبدونه!!. وقد تحدثت في مقال سابق في موقع إيلاف عن موجة الإبتعاث الجديدة للطلبة السعوديين والطالبات، وعن وجود نسبة من الفتيات السعوديات المُحجبات ndash; نظرياً من الخارج ndash; لكنهن متورطات بإرادتهن في علاقات صداقة غير بريئة مع أخرين سواء سعوديين أو خليجيين أو غيرهم، وأنّ هذه العلاقات إما أن يكون لها جذور قديمة في السعودية ووجدت بيئة خصبة في الغربة لنموها أو أن يكون برنامج الإبتعاث نفسه قد ساهم في نشوء مثل هذه العلاقات من خلال طرح بعض الخدمات والقيام ببعض المُساعدات التي تدفع بالعلاقة إلى اتجاهات أخرى غير جيدة ولها عواقب سلبية تدفع غالباً البنت المُحجبة ثمنها. أختم كلامي بأن الإسلام ليس تعاليم نظرية فقط وعبادات، بل هو سلوك ومُعاملات.. والحجاب جزء من هذه الفرضية.. وحين يحدث التناقض ما بين التعاليم والسلوكيات تنهدم قيم الإسلام ومبادئة وتكون هناك إشارات لوجود خلل ما في الشخصية المُسلمة التي تُمارس هذا التناقض مما يؤثر إجمالاً على المُتلقي وهو الإنسان الغير مسلم وبالتالي يحمل وزر هذا الأمر كل من يمارس هذا التناقض سواء بإرادته أو بسذاجته!!..

واسألوا إن شئتم بعض الشباب الأمريكي عن حرمة شرب الخمر في الإسلام ليقصفوكم بأعداد الشباب المُسلم الذين يُنافسون الأمريكيين وغيرهم في الحانات والبارات والنوادي الليلية ويفوقونهم شرباً وتلذذاً بأم الكبائر.. وهذا أنموذج فقط، وقس على هذا بقية أنواع الكبائر الأخرى والتي لا يتسع المجال لذكرها. وأنا هنا لست أطالب المُحجبات بأن يكنّ زاهدات أو راهبات، ولست أيضاً أدفعهن لنزع الحجاب والإستمتاع بالشهوات.. ولكن التصالح مع النفس مطلب مهم والتناقض غير محمود ولا هو مرغوب.. والإنهزام النفسي والرغبات الشخصية هي جزء من الطبيعة البشرية، ولكن من ستر نفسه ستره الله.. وفي الحديث، quot;وكل أمتي مُعافى إلاّ المُجاهرونquot; و quot;ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعمquot;.

خليل اليحيا

المشرف العام على الملتقى السعودي في أمريكا