العراق ومن زمان بعيد يستحق ان يكون بلد العجائب وبلد الغرائب، لكن للاسف لاهذه العجائب ولاتلك الغرائب قد انبثقت من أرثه التاريخي الضخم ولامن حضارته الانسانية الاولى بل جاءت دائما من وقائق ومواقع هزيله ومهزوزة ولايمكن ان تحمل اي صفة من الصفات التي تدخلها في سجل الجنس البشري بل ان سماتها الاساسية تنطبق على اخلاق وسلوك الغاب، لذلك ترى الحاكم العراقي وعلى مر العصور يتحول بين ليلة وضحاها الى ' حيوان مفترس ' يسمى انسان وتكون دائما ضحيته الاولى هم ابناء الشعب العراقي أنفسهم وليس غيرهم. وهنا من الواجب التاكيد ان العراقيين انفسهم يتحملون جزء كبير من هذه الحالة التاريخية التي يصل لها الحاكم في البلد. ولااكون مبالغا اذا قلت ان العراق بجدارة بلد مميز لصناعة الديكتاتورية وبكل انواعها ولهذا اسبابه الكثير والمتنوعة والتي ليس هنا مجال الخوض بها. لذلك من يراقب تاريخ العراق منذ اخر ثمانية عقود سيرى ان الحاكم يدخل الى مركز القرار ومن كثرة خوفه وارتباكه وبساطته يتلفت ذات اليمين وذات الشمال او بشكل أدق وكما يقول المثل العراق الدارج ' يمشي بجنب الحائط ' لكن ما ان تمضي عدة شهور وتنطلق حوله ' بيعات ' الاقطاعية العشائرية وتحاك خيوط برجوازية ' الافندية ' ويهتف الفقراء شكرآ وحمدآ لهذا الحاكم على رغيف الخبز او على مكرمة الدجاجة التي يمحنها لهم او طبقة البيض او قنينة الحليب. حتى تصبح دماء العراقيين مستباحه وثرواتهم منهوبه وحرماتهم تنتهك واحدة بعد اخرى. وامام اعينهم وفي وضح النهار. ويبدأ ذلك الذي يمشي بجانب الحايط يتكلم عنتريات لها اول وليس لها اخر واكبر من حجمه ووزنه الحقيقي بكثير وتسود على فمه طنين مفردات مثل القتل والدم والاستهداف والخونة والعملاء. لكن مع اول مواجهة يلوذ بالحفر او بالعناوين الرئيسية التي توفر له حماية ولو بعد حين. والمفارقة الكبرى ان النهايات ايضا تاريخية و متشابهة حبال وجر وسحل لحكام العراق، والادهى من ذلك لايريد احد ان يتعلم. لا الشعب ولا الحاكم!!

وفي العراق الجديد للعجائب والمفارقات حصة كبيرة وعظيمة وان اختلفت الاساليب والمفاهيم والمفردات المستخدمة. رغم ان عراق اليوم هو تميز كبير عن عراق ماقبل ذلك بقرون طويلة. حيث تكون ولاول مرة نتائج صناديق الانتخابات هي الحكم. ورغم كل السلبيات التي رافقت هذه التجربة في شوطها الاول. لكن على الاقل الأمل بدأ يعمر الصدور أن في الاشواط القادمة من الانتخابات يقول العراقيين كلمتهم بوعي وادراك كبيرين في محاولة لمحو كل السلبيات المريرة والكثيرة للتجربة الاولى. مع كثرة الوجوه البائسة التي حصلت على اصواتهم في مرحلة فرز وتحشيد طائفي وعنصري كبيرين. والكرة ستصبح في ملعب هذا الشعب ليزيح هذه الوجوه البائسة ويحافظ على الجيد منهم على الرغم من ندرته. وعكس ذلك فلامجال للنواح والعويل ولعنة الاقدار ' والحظ والقسمه '.

وقد برزت في العراق اليوم بعض الاصوات القاصرة في كل شيء و التي تدعوا الى اعادة ' نظام التجنيد الالزامي ' ومن لايعرف فان التجنيد الالزامي له في الذاكرة العراقية الكثير من المأسي والمظالم والكثير من التناقضات، وهي نوع من حكم الاكراه والقسر والتجبر الذي يجب ان ينفى من سمات العراق الجديد، وتصبح العسكرية العراقية عسكرية محترفة من خلال التطوع الاختياري للشخص. اما غير ذلك فانه عودة الى عصور الاستعباد والهيمنة على البشر والتحكم بمصيره وسنوات عمره دون اي وجه حق قانوني او دستوري وقبل ذلك دون حق أنساني. وهذه دعوة الى الكثير من المفكرين والكتاب الى العمل بجهد واضح وكبير لوضع حد لاشكالية الوطن والمواطن!؟ فايهما افضل الوطن او المواطن ؟ وهل يجب ان يفنى البشر في سبيل الوطن، ومافائدة هذه الارض بعد ان يفنى الانسان ؟ بل السؤال الأصل لماذا علينا ان نضع هذه المعادلة المهزوزة اصلا بالمفاضلة بين المواطن والوطن ؟ مثل هكذا اسئلة شخصيا لااطرحها على اصحاب اقتراح اعادة التجنيد الالزامي. فمثل هولاء وهم اعضاء بارزين في البرلمان العراقي وفي الدوائر الاخرى. ان يجيبوا على اسئلة عدة قبل هذه المزايدات الوطنية الفارغة.


وان هذه الاسئلة بكل بساطة اين مليارات العراقيين خلال خمسة سنوات مضت ؟ وكيف تبددت ثروات العراقيين في جيوب الاوباش ؟ وايضا والاهم من يتحمل الدم العراقي الذي يراق كل يوم في مدن العراق وتحت عناوين شتى يجمعها جامع واحد هو الغباء المزمن ؟ ثم كيف يحق لعضو برلمان ياخذ راتب في الشهر الواحد يعادل اكثر من 600 راتب لعراقي متقاعد خدم العراق اكثر من 30 عام ان يتكلم بصيغة الوطنية ؟ ناهيك عن الحقوق الاخرى المعلنة والسرية منها!! وسؤال اخر هل سيشمل هذا القانون اولاد واقرباء هولاء الاوباش او ان قانون اخر سيتم التصويت عليه في البرلمان لآجل اعفاء ابناء بشوات اخر زمن عراقي قبيح من هذه الخدمة الالزامية!؟ او ان هولاء يفكرون ان في اعادة الخدمة الالزامية ستزيد الرشوة والعمولة في جيوبهم على طريقة بوكيمون العراقي الساقط. ان قانون مثل هذا اذا صدر في عراق اليوم سيتم التعامل معه من العراقيين مثل التعامل الفوري الذي جرى مع ' علم ' مجلس الحكم ذات الخطوط الزرقاء!! بالاهانات والاحذية.

والسؤال المنطقي ماالداعي لاعادة مثل هكذا قوانين ظلاميه الى العراق الجديد. اليس الاجدر بهولاء العمل على توفير فرص عمل مشرفة الى الشباب وفتح المصانع والمزارع والاسواق امام هذا الجيل لوضع أسس سليمة لبلد يعاني الكثير من التعقيدات والتراجعات الاقتصادية والخدمية والمستقبلية. أليس الافضل بناء المدارس والكليات والجامعات والمسارح بدلا من تبديد الثروات في جيوش هرمه ومتخلفة وقسريه. ثم اليس الافضل ان نبني جيش عراقي جديد محترف عن طريق التطوع وبعدد علمي مدروس وسلاح متطور للحفاظ على حدود البلد وقت السلم ودعم الدستور والقانون. وقبل ذلك وهذا، أليس من الافضل والاكثر نزاهة واكثر وطنية ان يتم سحب الرتب العالية التي تم منحها الى اشخاص عمرهم لم يخدموا في الجيش ولم يدرسوا في الكليات العسكرية بل كل مميزاتهم انهم من احزاب معينة او من اقرباء المسؤولين. فهولاء جنرالات هذا الزمان على طريقة اكثر جنرالات صدام الذين يملؤن قاعة محاكمة رموز النظام الساقط ' والفريق الركن الكمياوي المجيد والفريق الهارب الركن الدوري ' نماذج حيه وبائسه على ذلك التاريخ الاسود. الاتفهمون الاتستفادون الاتفقهون من هذه التجربة المريرة والظلامية التي مرت بالعراق ومازال حتى يومنا هذا يدفع ثمنها. او انكم على الطريق سائرون!!

محمد الوادي
[email protected]