المنظمات الطلابية في الجامعات الأمريكية تلعب دوراً مهماً في نقل حضارة أو رسم ثقافة من خلال أنشطة وفعاليات وبرامج تقوم الجامعات الأمريكية بدعمها واحتوائها.. والأندية الطلابية السعودية هي واحدة من تلك المنظمات التي تسعى لنقل الثقافة السعودية للمجتمع الأمريكي والتعريف بها وبالبلد الذي تنطلق منه هذه الثقافة. ويأتي التحدي الأكبر للأندية الطلابية في كيفية تشكيل تلك البرامج وتصميمها بحيث تحوي عوامل النجاح والجذب المطلوبة.. هذه العوامل تقع ضمن محورين، محور يهتم بتكريس الصورة النمطية التقليدية عن المجتمع السعودي بتراثه القبلي والحضري، ومحور أخر يبتعد قدر المستطاع عن هذه الصورة النمطية ويُحذر منها ومن تكريسها.. وبين هذين المحورين تخفيف ورحمة.. ولذا تجد غالباً في الأندية السعودية فريقين، فريق يدعم الصورة الأولى ويبحث عنها وفريق أخر يتجاهلها وينصرف إلى غيرها. وكلا الفريقين يحملون وجهات نظر مقبولة حول هذا الأمر ولا تملك إلاّ أن تتفق معهم جزئياً.

بعض الأندية الطلابية السعودية ndash; كمثال ndash; تسرف كثيراً في ترسيخ الصورة النمطية التقليدية عن المجتمع السعودي من خلال أدوات تراثية قديمة كالخيمة والجمال ومناظر الصحراء دون أن تجتهد في تحديث هذه الصورة عن طريق أدوات التجديد الحديثة من منشأت وإنجازات وتطورات على المستويات التعليمية والصحية والخدماتية وغيرها من الأدوات التي لا تجعل ذهنية جماهير هذه البرامج تتبنى الأدوات التراثية القديمة على أنها لا زالت سارية في المجتمع، وأنها لا تزال هي الصورة الحالية. والبعض الأخر من الأندية الطلابية السعودية تغرق كثيراً في مضمون التجديد والتحديث عند المجتمع السعودي دون التطرق للماضي بتاريخه وتراثياته الجميلة.

ومن واقع تجربة طويلة في العمل مع المنظمات الطلابية، أجد أنّ الصورة النمطية لأي حضارة أو ثقافة أمر مهم ولابد منه، ومن الصعب تجاهلها أو تجاوزها طالما تم التعامل مع هذه الصورة النمطية بذكاء وحرفنة دون إسراف إو إبتذال.. وحينما تريد الأندية الطلابية السعودية أن تخلق برنامجاً ناجحاً وهادفاً في الجامعات الأمريكية فيجب أن تفهم نفسيات الشعب الأمريكي وطريقة تفكيره لتخلق عوامل الجذب والإنبهار التي تمكنها من إيصال رسالتها من خلال تلك العوامل. فالتوازن مطلوب لتحقيق نظرية التكامل والتي تُعد أحد أهم أسباب نجاح البرامج الثقافية والحضارية للمجتمعات والثقافات المُختلفة.
والتطور الحضاري المستمر لأي ثقافة أو حضارة ليس سبباً كافياً لتجاهل الماضي وتهميشه، فهما مكملان لبعضهما البعض بشرط ان لا يتم التعامل مع أحدهما بإسراف دون الأخر لأن الصورة هنا تكون ناقصة.. وما أبشع الصورة حينما تفقد أجزاء منها.. وهنا على الأندية الطلابية السعودية أن تتبنى كلا النظريتين، نظرية التجديد والإبقاء على نظرية التراث القديم لتحقيق التكامل المطلوب الذي نتحدث عنه في نجاح البرامج الثقافية والتوعوية.
الحضارة الأمريكية لم تتجاهل ثقافة الكاوبوي ولا عصر الهنود الحمر ولا حتى العنصرية تجاه الأمريكي الأسود.. وكثيراً ما شاهدت برامج ونشاطات طلابية أمريكية يكون للكاوبوي والهنود الحمر فقرات أساسية فيها.. فلا زالت هذه الأدوات ذات قيمة أدبية في الثقافة الأمريكية التي لا تسعى لتهميشها أو تجاهلها، ولكن بالمقابل يتم دمج الصورة الحديثة مع الصورة النمطية في قوالب رائعة تُضفي على البرامج الثقافية جمالية تجذب الجمهور وتحقق المقصود.

وعلى الملحقية الثقافية في واشنطن أن تهتم كثيراً بهذا الجانب، وأن تتواصل مع الأندية الطلابية السعودية في الجامعات الأمريكية حول مضمون البرامج التي تطرحها وأن لا تكتفي فقط بالدعم المادي لهذه البرامج حتى نستطيع أن نبني الصورة الإيجابية للمجتمع السعودي دون استدعاء الصور النمطية التقليدية التي تعتقد أن الشعب السعودي لا يزال يعيش في الخيام ويعتمد في تنقلاته على الجمال.. ويكون التمر زاده واللبن شرابه. ومن أوجه الدعم المطلوبة إمداد الأندية الطلابية السعودية بالأفكار وتزويدهم بالأدوات التي تساعدهم على تحقيق هذه الأفكار على أرض الواقع.. فالأعلام السعودية وبعض الكتيبات والمنشورات ومعها قليل من الكليبات هي أدوات جيدة لكنها غير كافية.. وعلينا أن نُغير من طريقة تفكيرنا واستراتيجياتنا عند التخطيط لبرامجنا إذا ما أردنا من الأخرين أن يُغيروا من طريقة تفكيرهم عنا.

وعلى بعض الأندية الطلابية السعودية تجنب الإغراق في المحلية في برامجها والتي تستهدف فقط الطلبة السعوديين وتنزوي بعيداً عن بيئة الجامعات الأمريكية ولا تقوم بدورها المطلوب في خلق برامج للأخر سواء كان هذا الأخر ينتمي للثقافة الأمريكية أو ينتمي لثقافات أخرى لها قيمتها وتاريخها وحضارتها. كما يقع على الطلبة السعوديين أنفسهم دور كبير أيضاً في المواجهة والحديث عن الحضارة والثقافة السعودية وعدم تبني السلبية التي تجعل البعض منهم يتجنب تلك المواجهة.

المستقبل يعتمد على جهود الحاضر.. والحاضر يستمد وجوده من الماضي.. ومن لم يكن له ماضي فلن يكون له حاضر أو مستقبل.

خليل اليحيا

المشرف العام على الملتقى السعودي في أمريكا