النظام في إيران بين مطرقة الداخل وسندان الخارج


بدأ الإعداد الإيراني لبث نفوذه في المنطقة العربية منذ نجاح ثورة عام 1979 ووصول الخميني الى السلطة، بشعارات لا يخطئها الإدراك الصحيح حيث كانت ترجمة للتهيئ المبكر لانشاء إمبراطورية إسلامية جديدة على النمط الإيراني (الشيعي). واستمر الإعداد على مدى عشرون عاماً من خلال أحداث متتالية شهدتها المنطقة ولا تزال. وربما كان للتحولات الدولية الكبرى.. كإنهيار الاتحاد السوفيتي والإرتباك العام ألذي ساد العالم والمنطقة والذي لازم هذا الإنهيار، وسيطرة القطب الواحد، عاملاً مساعداً في دفع وترسيخ هذا النشاط وخلق مراكز نفوذ مؤثره لإيران في أكثر من منطقة عربية وإسلامية.


ويبدو اليوم بأن إيران مضطرة الى الحصاد المبكر لهذا الإعداد الذي لم يحن اقتطافه بعد، في ظل الأحداث المتسارعة التي بدأت تعصف بالمنطقة منذ مطلع القرن الحالي. في صورة بدت وكأن إيران ومشروعها هي المستهدفة في النهاية من جراء أحداث كانت بدايتها أسقاط نظام طالبان في افغانستان شرقي إيران، وتكثيف التواجد العسكري الأمريكي والغربي فيه بحجة حفظ الأمن ومحاربة quot;إرهاب القاعدة وطالبانquot;، وايضا إحتلال العراق غربي إيران وتحويله الى أكبر قاعدة عسكرية، فضلاً عن التواجد المكثف للقطع الحربية الأمريكية في الخليج العربي. ناهيك عن التهديدات المتواصلة بضرب حلفائها ومراكز نفوذها في كل من سوريا ولبنان وفلسطين، الأمر الذي دفع بإيران الى تنشيط مراكزنفوذها، ولعب أوراقها السياسية في اطار تهديد أمن المنطقة للحد من الضغوط التي تمارس ضدها من كل حدب وصوب. ومما لاشك فيه فان حزب الله في لبنان وبعض الميلشيات الشيعية في العراق المدعومة من قبل الأجهزة الحكومية الإيرانية كالحرس الثوري والاستخبارات (اطلاعات).


وفي هذا السياق أصبحنا نسمع عن أنشطة سياسية لأقليات شيعية في بعض دول المنطقة تستمد قوتها من إيران ومراجعها الدينية أكثر من اعتمادها على مشروعيتها الوطنية، فضلا عن بروز بعض الخلايا التي قامت بأعمال تخريبية في بعض دول المنطقة لإعلان عند نفوذها المشروع الطائفي الإيراني على حساب انتمائهم الوطني وذلك قبل اكتمال نموها.


هذا في وقت الذي نشطت فيه آلة القمع الإيرانية في الداخل منذ بداية الثورة بحيث سحق كل ما هو شأنه أن يصبح عائقا امام استئثار المؤسسة الدينية بالسلطة أو يؤثر في هوية إيران المبنية على اساس وطن الأمة الفارسية الشيعية الواحدة.
في حين لا يخفى على أحد بان التركيبة الأثنية الإيرانية تتميز بتعدد الشعوب والاعراق وان الفرس ليسوا إلا شعب من هذه الشعوب لا تتعدى نسبتهم الـ 35% من السكان كما ان الشعوب الأخرى ليسوا كلهم على المذهب الشيعي وذلك عكس ماهو مترسخ في أذهان السواد الأعظم من الشعوب العربية وسائر الشعوب نتيجة للدعاية الرسمية التي حرصت على إظهار الدولة الإيرانية بمظهر فارسي محض.


ان الفسيفساء القومية في ايران تتكون من الترك الأذربيجانيين والتركمان والكرد والعرب والبلوش واللور والجيلك وآخرين وان هذه الشعوب والقوميات تشكل 65% من السكان. كما ان كافة هذه الشعوب والقوميات كانت ولا تزال في صراع مستمر مع سلطة الشعب الواحد لكي تحفاظ على هويتها القومية المهددة من جراء سياسة التفريس ومحاولات طمس معالمها الثقافية.
ومن الناحية المذهبية يشكل المسلمون السنة نسبة تتراوح بين20%-15% من السكان في ايران وهم ينقسمون إلى ثلاث قوميات رئيسية هم الكرد والبلوش والتركمان وقليل من العرب في اقليم الاهواز(عربستان) على حسب احصائية عام 2002 لمركز دراسات الأهرام المصري.


وتسعى إيران الى بسط نفوذها في دول المنطقة مستغلة وجود بعض الاقليات الشيعية العربية عبر العزف على وتر الطائفية و تحت مسميات من قبيل دعم المستضعفين في الوقت الذي تضطهد فيه القوميات والطوائف لديها وتستضعفهم وحتى الشيعة منهم كالعرب والآذربيجانيين، بل تسعى الى إلغاء وجودهم وهذه حقيقة دأبت دولة الشعب الواحد على ممارستها منذ ظهور الدولة الصفوية، وتزداد اليوم وتيرتها، وفي المقابل تتهم السلطات الإيرانية نشطاء الشعوب والقوميات بأنها جيوب عمالة لأعداء إيران.


وعلى ما يبدو فان الشعارات الإيرانية لكسب الشارع العربي والإسلامي لايؤيده الواقع. فالدور الإيراني في تأزيم الأوضاع في العراق أصبح مفضوحاً ومستهجناً حتى لدى الشيعة العراقيين الذين بدأوا يرتبون اولوياتهم الوطنية للحفاظ على مصالحهم اولا. وان دور إيران في تأزيم الحياة في لبنان وبث الشقاق فيه، ومحاولاتها الفاشلة في زرع بذورالفتنة في بعض الدول الخليجية واليمن، ماهي إلا لإظهار قدرتها في التأثير على المصالح الغربية في هذه المناطق الحيوية.


فمتابعة إيران لعملية الاعداد لاستعادة امبراطوريتها سوف تصطدم بالواقع وسيتبدد هذا الحلم بفعل الظروف الموضوعية التي تفرض نفسها على التطورات في المنطقة وستكشف حقيقة المساعي الإيرانية ويسقط أوراقها واحدة تلو الاخرى.

إبراهيم الأهوازي
[email protected]