انتهت قبل ايام الانتخابات التشريعية في ايران والتي شهدت مرحلتين: الاولى تمت في 14 مارس/آذار الماضي و الثانية في 25 ابريل/ نيسان الماضي وسيفتتح البرلمان المقبل في يوم 27 مايو/ ايار الحالي. وقد انهت هذه الانتخابات شهورا من السجالات والنقاشات الحادة بين المعسكرين المتنافسين في ايران اي المحافظين و الاصلاحيين. وقد شملت النقاشات التي شهدتها الساحة السياسية الايرانية احتجاج المعسكر الاصلاحي على عملية الاقصاءات الواسعة للمرشحين الاصلاحيين و التي قام بها مجلس صيانة الدستور المحسوب على المتشددين في ايران. اذ لم يتمكن الاصلاحيون ان ينافسوا غرمائهم المحافظين الا على ثلث المقاعد البرلمانية إثر الاقصاءات التي تحدثنا عنها و شملت شخصياتهم البارزة التي كان يمكن ان تغير نتائج الانتخابات التشريعية بشكل كامل لو سمح لها بالترشح.


و يتشكل البرلمان الايراني الذي يعرف بquot;مجلس لشورى الاسلاميquot;من 290 نائبا، غيرانه تم الغاء نتائج 3 دوائر انتخابية في المرحلة الاولى للانتخابات. و من بين 287 مقعد برلماني متبقي فاز 203 نائب في المرحلة الاولى و 84 في المرحلة الثانية للانتخابات التي تمت يوم الجمعة 25 ابريل/ نيسان الماضي.


البرلمان القادم: التركيبة و الاتجاهاتوقد تختلف الاحصاءات حول نتائج الانتخابات التشريعية والاتجاهات السياسية للنواب الجدد بين ما اعلنه وزير الداخلية مصطفى بورمحمدي و ما يعلنه الاصلاحيون في اعلامهم.
وقال بورمحمدي - الوزير الذي اقاله الرئيس احمدي نجاد بسبب الانتخابات التشريعية نفسها - قال يوم السبت 26/4 : ان المحافظين حازوا على اكثر من 69 في المئة من مقاعد البرلمان و الاصلاحيين على 16.38 في المئة و المستقلون على 14.29 في المئة من تلك المقاعد.


واذا وزعنا النسب على 287 مقعد برلماني يظهر ndash; وفقا لتصريحات الوزير ndash; ان المحافظين حازوا على 199 مقعدا و الاصلاحيين على 47 مقعدا و المستقلين على 41 مقعدا. لكن النتائج التي نشرتها الصحف الاصلاحية هي كالتالي: بلغ عدد الاصلاحيين الذين فازوا في انتخابات المرحلة الثانية 21 نائبا (واحد في طهران و 20 في المحافظات و المدن الاخرى) حيث اذا اضفنا اليها النواب الاصلاحيين ال 44 الذين فازوا في المرحلة الاولى للانتخابات يبلغ عدد الاصلاحيين في البرلمان القادم الذي سيباشر اعماله بعد ايام 65 نائب.
وتدعم وسائل الاعلام الاصلاحية احصاءاتها باسماء النواب الفائزين و المدن التي فازوا منها.
واما جبهة المحافظين التي فازت بنحو ثلثي مقاعد البرلمان لا تضم الا عدد قليل من النواب الموالين للرئيس احمدي نجاد او بالاحرى لايشكل هؤلاء الا 10 - 15 في المئة من نحو 181 نائب محافظ يشكلون اغلبية البرلمان القادم.
ويعتبر هذا فشلا للمجموعات الموالية للرئيس احمدي نجاد حيث يعد معظم النواب المحافظون الفائزون في الانتخابات التشريعية من منتقدي سياسات الرئيس الايراني. كما كاد ان يفقد وزير الداخلية منصبه بسبب هذه النتائج المخيبة لآمال الحكومة حيث اتهمه رئيس الحكومة بارسال تقارير عن تجاوزات تمت خلال المرحلة الاولى من الانتخابات الى السلطات العليا في البلاد.
وفيما اعلن وزير الداخلية ان نسبة المشاركة في المرحلة الاولى للانتخابات التشريعية بلغ 60 في المئة من الايرانيين المؤهلين للتصويت، اكد عضو البرلمان الحالي اكبر اعلمي ان هذه النسبة لم تتجاوز 47 في المئة من المؤهلين للتصويت في ايران و انها تظهر انخفاضا في مستوى المشاركة الجماهيرية في الانتخابات التشريعية قياسا لمثيلاتها في السابق.
وقد حذر رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني من خطورة مثل هذا الانخفاض على مصير النظام السياسي في البلاد لكنه اعتبر ذلك مقبولا على المستوى الدولي.


ويقول المتحدث باسم جبهة التحالف الاصلاحي و النائب السابق حسين مرعشي: quot;فيما يخص دوام النظام والأمن القومي في البلاد، صحيح أن هذا الأمر (انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات) لا يمكن أن يعرض البلاد والنظام للتهديد في المدى القصير، لكن لا يمكن تحمل هذا المستوى المنخفض من الحراك والمشاركة السياسية ولا القبول به، خاصة في نظام يعتمد فقط على جماهيره. فعلى مسؤولي النظام أن يدركوا الأبعاد المختلفة لهذه الرسالة السياسية والاجتماعية المهمة، وأن يتعرفوا بصورة علمية على الآفات، وأن يردوا على انتقادات الناس بشكل مناسب، وأن يمهدوا الأرضية للمشاركة الشعبية في أعلى مستواها في الانتخابات المقبلةquot;.
نتائج الانتخابات في طهران و الاهواز و كردستاناخترنا هنا من بين المحافظات الايرانية اولا محافظة طهران كمحافظة مسيسة بشكل تام و ثانيا منطقتي الاهواز و كردستان كمنطقتين قوميتين لهما ميزاتهما الخاصة.


انتهت المرحلة الثانية لانتخابات البرلمان الايراني وتمكن الإصلاحيون من الفوز في الدوائر الانتخابية الخاصة بالمدن التي كانت لهم فيها إمكانات جيدة للمنافسة، وذلك خلافا لطهران -الجبهة الأمامية للسياسة في إيران- حيث لم تحز جبهة الإصلاحات على أي نجاح هام.
بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في المرحلة الاولى في طهران نحو 28 في المئة من المؤهلين للتصويت ndash; وفق احصاءات اعلمي ndash; و في المرحلة الثانية نحو 13 في المئة ndash; وفق احصاءات وزارة الداخلية ndash; حيث تعد اقل نسبة للمشاركة خلال تاريخ الانتخابات التشريعية في ايران مما دفع ببعض المسؤولين منهم رئيس البرلمان الايراني غلام علي حداد عادل ان يطالب بالالغاء المرحلة الثانية للانتخابات التشريعية و اقتصارها على مرحلة واحدة فقط.
ويقول حسين مرعشي:quot;إذا غضضنا الطرف عن صحة النتائج المعلنة للانتخابات في طهران أو سقمها، والتي تجب دراستها وتحليلها في مكان آخر، لا يجب أن نعتبر الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات فوزا مطلقا لجبهة التحالف الأصولي، لأن هذه النتائج حصيلة أصوات أقلية محدودة من الناخبين في مدينة طهران. فقد شاهدنا عدم مشاركة حاسمة وذات معنى لأغلبية الناخبين في العاصمة طهران، حيث مهد هذا الأمر لجبهة التحالف الأصولي كي تتمكن، وبأقل الأصوات، من أن تكتسح بسهولة وبأغلبية حاسمة مقاعد البرلمان في العاصمة. إذن يجب أن ندرس ونحلل عدم مشاركة الناس في الانتخابات التشريعية في طهران ndash;والتي لها معنى خاصndash; من مختلف الأبعاد السياسية والاجتماعيةquot;.


وفي مدينة الاهواز ndash; عاصمة محافظة خوزستان ndash; التي تضم مع ضواحيها نحو 70 في المئة من العرب و 30 في المئة من غير عرب لم يشارك الا نحو 23 في المئة من المؤهلين للتصويت في الانتخابات البرلمانية في المرحلة الاولى مما ادى بالسلطات العليا للبلاد ان يبعثوا وفدا من العاصمة طهران الى الاهواز لدراسة اسباب انخفاض المشاركة التي لم يسبق له مثيل. ويبدو ان هذه النسبة انخفضت اكثر فاكثر في المرحلة الثانية للانتخابات. لكن خلافا لمدينة الاهواز شملت مدينة شادغان / الفلاحية/ مشاركة واسعة بلغت نحو 85 في المئة وذلك بسبب الحزازات و المنافسات العشائرية بين المرشحين العرب الذين ينتمون لقبائل مختلفة.
وفي محافظة كردستان الايرانية التي تضم اغلبية كردية كانت المشاركة ndash; وكسائر الانتخابات السابقة ndash; في اقلها و لربما اقل من سائر المحافظات في ايران. لكن ورغم ذلك لم تنتخب الاقلية المشاركة في مدن هذه المحافظة اي مرشح من المحافظين بل النواب المنتخبون اما هم من الاصلاحيين واما من المستقلين المعارضين للمحافظين.
وقد شهدت الاهواز تفجيرات و اعمال عنف وبروز اتجاهات انفصالية واعدامات خلال الاعوام القليلة الماضية وهو ما ترفضه معظم النخب و المثقفون العرب الاهوازيون لانها تضر بالعملية الديمقراطية و المسار السلمي والمدني في ايران عامة و الاهواز خاصة. و يمكن لأي مراقب محايد ان يسبر الاسباب الاجتماعية و الاقتصادية لهذه الاعمال و قصور السلطة في حلحلة المشكلات لكن و رغم ذلك لايمكن تبرير اعمال العنف لأي سبب كان. فالعنف
و الارهاب و استهداف المدنيين مرفوضة انسانيا و شرعيا و دوليا. كما ان النزعات الانفصالية لم تجد لها صدى واسعا لأنها تتناقض
و التعايش التاريخي بين الشعب العربي الاهوازي و سائر الشعوب الايرانية في بلد واحد يسمى ايران.
البرلمان الجديد و مصير الرئيس احمدي نجادلاشك ان العدد القليل لمناصري الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لم يسمح لهم بترشيح رئيسهم المفضل لمجلس الشورى الاسلامي اي (البرلمان الايراني) القادم. ومرشحهم هو رجل الدين آغا طهراني الذي كان معلما للاخلاق في حكومة احمدي نجاد.
فكلما نقترب من نهاية الدورة الحالية للبرلمان و افتتاح البرلمان الجديد في 27 ايار/ مايو المقبل تزداد التكهنات حول الشخصيات التي يمكن ان تتولي رئاسة البرلمان القادم. وتأتي اهمية هذا المنصب للمحافظين باعتباره نقطة انطلاق للوصول الى منصب رئاسة الجمهورية. وهذا ما يؤمن به المتنافسان على كرسي رئاسة البرلمان وهما الرئيس الحالي للبرلمان غلامعلي حداد عادل و النائب المنتخب لمدينة قم علي لاريجاني والذي كان مسؤولا للملف النووي الايراني.


ويقول المحلل السياسي محمد عليخاني في هذا الصدد: quot; خلافا لما يسعى البعض ان يلقنه للراي العام الايراني، ان الرئيس محمود احمدي نجاد لا يتمتع بوضع سياسي مستقر و محبذ. وقد فقد احمدي نجاد دعم القوى الاصولية إثر سياساته التي تعرضت لإنتقادات حادة في المجالات المختلفة و خاصة في القطاع الاقتصادي وذلك بالرغم من تمكنه من كسب مساندة الاصوليين في الانتخابات الرئاسية في العام 2005 بشرط و شروط و في المرحلة الثانية فقطquot;.


ويضيف عليخاني: quot; سيصبح علي لاريجاني المنافس الرئيس لغلامعلي حداد عادل لتولي رئاسة البرلمان القادم اذا لم يتم اتفاقا بين القوى المحافظة في ماوراء الستار، و سيصعّب هذا من امر الرئيس احمدي نجاد اكثر فاكثر. و في مثل هذه الظروف ان الذي يتمتع بمساندة طبيعية للعديد من رجال الدين البارزين بسبب انتسابه لعائلة من رجال الدين و تمثيله لمدينة قم في البرلمان هو نفسه الذي سيتم ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية. كما سيتم استخدام توليه لمنصب رئاسة البرلمان كاولوية مضاعفة له ازاء احمدي نجاد. و لاننسى ان علي لاريجاني سيتمتع و بشكل ضمني بدعم بعض الشخصيات السياسية القوية المقبولة لدى التيارين الاصلاحي و المحافظ.
اما الوجه الاخر للمسكوك هو حداد عادل لأن توليه لمنصب رئاسة البرلمان سيقصي علي لاريجاني الى الهامش حيث يجب ان نعتبر في ذلك الحين حداد عادل خيارا جديا للاصوليين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.


وكلامي الاخير هو: يبدو ان عهد احمدي نجاد قد انتهى بعد ان بدأت عملية اقصاء الاصلاحيين الى الهامش - حيث لعب احمدي نجاد دورا طليعيا فيها - و انتهت بهيمنة الاصوليين على مختلف اركان السلطة في ايران، وعلينا ان نتوقع سيناريوهات لقوى اصولية لاتريد ان تبقى اللعبة السياسية المقبلة حائرة على مفرق الاصلاحيين و المحافظين. وإن رشح الاصوليون المحافظون حداد عادل أم علي لاريجاني لمنصب رئاسة الجمهورية نستطيع ان نتكهن منذ الان ان لامكان لأحمدي نجاد في برامجهم المقبلةquot;.

يوسف عزيزي

طهران