من قال إن المفاهيم المغدورة لا تنتقم؟


عندما تكون البلاد لا زالت واقعة في حدود السياسة فإن الكلام الذي يصدر عنها يتبع مسار السياسة ويلتزم بنسق التبادل الذي تفرضه والذي يعني تنظيم علاقات الكلام وإحالاته ضمن شبكة الممكن والواقعي. تدفع الكارثة الكلام إلى الخروج على السياسة وعلى حدودها ليقع في المستحيل.الكلام المستحيل غالبا ما ينتج وطنا مستحيلا.


عمل حزب الله دوما على محاولة ابتكار لعبة كلام ثنائية الأركان تضم كلاما مستحيلا ولكنه سياسي في الوقت نفس نفسه. هذا الزواج القسري كان زواجا غير متكافئ البتة وكانت الغلبة فيه دوما لصالح الكلام المستحيل الذي يجبر السياسة دوما على التراجع لتصير شرطي سير ينظم شؤون مستحيلات الكلام.

ما أنتجته الكارثة من كلام دفع بالجميع إلى تبني الكلام المستحيل ليس على طريقة حزب الله تماما ولكن داخل الحدود نفسها التي كان دائما يوسعها لتصير مناسبة لإطاره المطلق. المطلق لا يعترف بالحدود لذا تكون كل فكرة حصر مجالات حراك كلام حزب الله هي محاولات نظرية.


تكلم سعد الحريري بشكل يبدو فيه الكلام دوما وكأنه مدفوع لكي يكون كلاما أخيرا. من البديهي أن على مثل هذا النوع من الكلام أن يقول كل شيء دفعة واحدة. لا مجال للصياغات والترتيب والبلاغة. الكلام في هذه اللحظة هو كلام مقيم في أقصى درجات العري. هو لا يملك أساسا ما يرتديه لذلك لا وجود لحجاب يستره عن المعنى. لا مجال للتأويل والقراءة.لا فصل ممكنا بين الشكل والمضمون وبين الظاهر والباطن.


طرح سعد الحريري سؤالا عاريا عن العلاقة الغريبة التي تجمع بين حزب الله وإسرائيل والتي طالما كان العداء المطلق والحاسم هو الوحيد المخول برسم صورتها وكان الحزب يستعمل الإمكانيات الضخمة الناتجة عن امتلاكه لهذه الصورة في رهن كل البلاد لصالح لحظة أسثنائية دائمة.


حارب الحزب بيروت بوصفها مدينة اسرائيلية وكان السيد حسن نصر الله في خطابه الذي سبق الدخول المظفر لقواته الإلهية إلى بيروت قد أسسس لتبرير كل ما سيحصل على أنه عمل جهادي موجه ضد إسرائيل التي نقل كل ناسها نفوسهم دفعة واحدة من تل أبيب إلى بيروت.


لم يدفع سعد الحريري هذه التهمة وحسب ولكنه وجه سيفها مباشرة إلى صدر حزب الله متسائلا لماذا لم تتدخل إسرائيل مؤخرا وكيف سمحت بكل هذا الإنتقال الكبير والمكشوف لاعداد كبيرة من مقاتلي حزب الله دون أن تعترضهم وتقصفهم في حين أن الحزب صمم معركته كلها على أساس فكرة تقول إن التعرض لشبكة الهااتف السلكية التي أقامها تعني التعرض لأمنه ما يسهل على إسرائيل استهداف قادته وعناصره.


السؤال الذي ينفجر هنا هو ألم يكن هذا الظهور الإستعراضي لمقاتلي حزب الله مغريا لإسرائيل لكي تقوم بصيدهم؟
النتيجة البسيطة التي توصل إليها الحريري تعلن ببساطة قاتلة أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون إلا إذا كان هناك تنسيقا متبادلا بين الحزب وإسرائيل.


لطالما كانت واقعة الإستهداف الإسرائيلي لحزب الله ومناصريه هي أم الوقائع التي استخدمها الحزب لتصميم مفهوم يرسي معادلة تقول إن من يتعرض للقصف هو المقاوم ومن يقوم بالقصف والإعتداء على الآمنين بغض النظر عن هويته الفعلية هو بشكل نهائي إسرائيل وحدها دون سواها.


لقد ارتد هذا المفهوم على صناعه في هذه اللحظة فالجهة القاصفة والمعتدية هي الحزب الإلهي نفسه دون سواه والجهة التي تعرضت للأعتداء بشكل خاص هي بيروت مدينة وأهلا.
من قال إن المفاهيم المغدورة لا تنتقم؟

شادي علاء الدين