قرأنا في الأيام القليلة الماضية تحليلا مثيرا لوكالة نوفستي الروسية في موسكوعن اخطاء نظام بشار وقالت في النهاية يوجد امام بشار خيارين لا ثالث لهما. الأول ان يستمر في العناد ويتصرف مثل صدام حسين ويواجه العقوبات الوخيمة او ينبطح ويتنازل ويتعاون كما فعل صديقه معمر الغدافي. ولكن هناك خيار ثالث وهذا هو موضوع المقال.

هذا المقال ليس دفاعا عن رفعت الأسد او ترويجا لبرنامجه السياسي بل لتذكير كل من يهتم ويتابع الملف السوري بموقف هام للدكتور رفعت الأسد لم يتم اعطاؤه حقه من التغطية الاعلامية آنذاك كما سنرى لاحقا.

ليس من الممكن الحديث عن التطورات الأخيرة المؤسفة في الساحة اللبنانية دون ربط ذلك بمحاولة دمشق استرجاع النفوذ في لبنان الذي انتهى فجأة بقرار دولي وعلى اثر اغتيال الشهيد رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط فبراير عام 2005.

قرأنا العشرات من التحليلات والمقالات المتعلقة باخطاء النظام وتخبطه وفشله في التعامل مع المتغيرات الجيو-سياسية في المنطقة. اختار النظام استراتيجيات كارثية مثل دعم الارهاب في العراق ودعم جماعات التطرف وتخريب العلاقات مع الدول العربية. ناهيك عن اضطهاد ذوي الرأي الآخر والاعتقالات التعسفية في سوريا والتي نقرأ عنها باستمرار في موقع quot;المرصد السوري لحقوق الانسانquot; الذي يتابع بدقة وموضوعية اخبار سوريا وانتهاكات النظام لحقوق الانسان السوري.

وهذه التصرفات جلبت موجة من المقالات في الصحف العربية والعالمية لتقارن بين سياسات الغباء السورية الحالية وسياسات الذكاء والدهاء التي مارسها الرئيس الراحل حافظ الأسد.

وعودة لتقرير وكالة نوفستي الروسية والخيارين الصدامي والغدافي. وأقول ان هناك خيار ثالث لبشار وهو ان يصغي لعمه الدكتور رفعت الأسد ويدخل في مشروع مصالحة وطنية وبرامج للاصلاح والتغيير والانتقال الى الديمقراطية او يواجه مصيرا مظلما. وفي هذا السياق أذكّر القاريء الكريم ان موقع ايلاف الموقر نشر لي مقالا في 3 مارس آذار 2005 تحت عنوان:

quot;استمع الى عمك رفعت الاسدquot;
فيما يتعلق بانسحاب الجيش السوري من لبنان.

كما قلت في بداية المقال هذا ليس دفاعا او مديحا والحقائق واضحة للجميع.

ملخص الكلام انه في الثامن والعشرين من فبراير (شباط) عام 2004 عبّر د رفعت الأسد من خلال بيان اذاعته فضائية شبكة الأخبار العربية أ ن ن ANN برأيه بموضوع بقاء الجيش السوري في لبنان قائلا:

quot;القوات السورية انجزت المهمة الأمنية في لبنان وقامت بالواجب وقدمت التضحيات ولم يعد لها دور في لبنان ويجب ان تنسحب وتعود الى قواعدها في سوريا. لقد تغيرت الظروف ولم يعد هناك حاجة لبقاء الجيش السوري في لبنانquot;. هذا الكلام المهم جاء عاما كاملا قبل اغتيال الشهيد رفيق الحريري وقبل الانسحاب المهين للجيش السوري.

هذا الكلام ان دل على شيء فانه يدل على بعد نظر رفعت الأسد ورؤيته الاستراتيجية الثاقبة واستيعابه العميق للتغيرات الجيوسياسية في المنطقة. وكل هذا يفتقر اليه بشار المحاط بزمرة من المنتفعين مما يطلق عليهم احيانا بأصنام الموافقة على كل شيء حتى لو كان خطأ واحيانا أخرى بالحرس القديم الذين يرفضوا التغيير والاصلاح والمصالحة الوطنية.

وهنا اتذكر جيدا ما قاله الاستاذ عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي في سياق مشابه قبل 3 اعوام quot;ان بشار يفتقر لحكمة والده في التعامل مع الأزمات والحفاظ على وحدة الوطنquot;.

لو استمع بشار لنصيحة عمه وسحب الجيش السوري من لبنان عاما كاملا قبل اغتيال الشهيد رفيق الحريري لما اضطر الجيش السوري للانسحاب بطريقة مذلة مهينة ولما خيم شبح المحكمة الدولية على النظام السوري الذي يتعرض الآن للابتزاز من اسرائيل ولما دخل في تحالفات خاطئة ولما أخذت سوريا موقفا عدائيا من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

ويحق للمواطن السوري ان يتساءل ماذا انجز هذا النظام؟
من أهم انجازات نظام بشار هو تخريب العلاقة مع الدول العربية الشقيقة ووضع النظام في قفص الاتهام بالاغتيالات السياسية في لبنان والتحالف مع دول واحزاب لا تخدم المصلحة السورية على المدى الطويل.

لماذا يحتاج النظام للنصح والارشاد من د رفعت الأسد:
لا أحد يقدر المخاطر التي تواجه سوريا أكثر من رفعت الاسد الذي كان اول من تصدى لارهاب جماعات التطرف التي تستعمل الدين كغطاء. قال لي سياسي لبناني بارز ووزير اسبق بعد أن شكرته على المشاركة في حلقة تلفزيونية قبل عامين quot;لو كان في العالم العربي اثنين مثل رفعت الأسد لما سمعنا بالزرقاوي ولا بن لادن ولما حدث ارهاب 11 ايلول 2001 )quot; الذي يدفع ثمنه العرب في العراق وفلسطين والمسلمون في افغانستان حتى الآن.
أريد ان استبق المعلقين الذي سيحاولوا استغلال احداث العنف في الثمانينات لتشويه التاريخ وتشويه سمعة رفعت الأسد بالقول أن الاجراءات الصارمة التي اتخذت في ذلك الوقت من قبل الدولة كانت للقضاء على الفتنة وحماية سوريا من الارهاب والتمزق والتفتت ولو تقاعست الدولة لاصبحت سوريا مثل الصومال او افغانستان او مزيجا منهما.

هل سيصغي بشار ويستعمل العقل ويستمع لعمه رفعت الأسد؟

واذا كان غير قادر على ذلك فليتنحى لمن هو اكثر منه كفاءة ومقدرة لانقاذ سوريا من الهلاك وقيادتها الى شاطيء الأمان.

نهاد اسماعيل

اعلامي عربي

لندن