حكمت محكمة القضاء الإداري المصرية يوم13/5/2008 في القضية المرفوعة من المحامي سمير صبري والذي كان يطالب فيها وزير الداخلية بإسقاط الجنسية المصرية عن الدكتورة نوال السعداوي. والسبب كما جاء في الدعوى: أفكارها تثير البلبلة وتسيء إلى الذات الإلهية. بدأت القضية في نهاية العام الماضي حول أخر كتب الكاتبة المُنيرة المستنيرة. كان الكتاب مسرحية بعنوان: الإله يقدم استقالته.


كانت أخر فصول قصة هذه القضية حتى الآن أن رفضت المحكمة الدعوى المقامة.
كتبت شيماء القرنشاوى في صحيفة المصري اليوم 14/5/2008ـ نقلاً عن حكم المحكمة ـ أن الدستور أعلى من حرية الرأي والتفكير وأنه يلزم في كل قرار يتعلق بالحريات الشخصية أن يتم إصداره طبقاً للأسباب الصحيحة دون أن يحول ذلك دون حق المواطن في التنقل والترحال والعودة إلى وطنه احتراماً لأحكام الدستور والمواثيق الدولية...
وقالت المحكمة أيضاً: ثبت للمحكمة أن الأزهر قام بواجبه وحظر تداول الكتاب في الأسواق.
وليسمح لي القارئ المحترم ببعض الملاحظات السريعة:

أولاً: ليست المرة الأولى التي يُطلب فيها من وزارة الداخلية بنزع الجنسية المصرية عن المفكرين وأصحاب الأسئلة الفكرية ضاربين عرض الحائط بحرية البحث العلمي والديني، مانعين حرية التفكير في العقائد الدينية الموجودة على الساحة الدينية بدون أي إتاحة فرصة للرقي والتقدم العلمي والحضاري بأن نجعل شعوبنا تفكر ولا تسير كقطيع الخراف خلف رجال يدّعون معرفتهم بالحق المُطلق ومنهم مَن يغرف لنا من quot;فضلاتquot; التراث بكل ما فيه من أدوات ووسائل التخلف الحضاري.

ثانياً: متى نفصل بين الدين والعلاقة الفردية لكل إنسان مستقل وإلهه أياً كان هذا الإله وبين الدولة كمؤسسات اجتماعية، كل إنسان فيها له ما للجميع من حقوق وعليه ما على الجميع من واجبات، دون التفرقة بين فئات الشعب الواحد بناء على عقيدته الدينية؟ ومتى يكون هذا حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان؟

ثالثاً: الدكتورة نوال السعداوي كانت لها صولات وجولات في مجال الدفاع عن النساء العرب وحروبها من أجل إخراجهن من مستنقع التعامل معهن على أساس أنهن ناقصات عقل ودين. كتبت الدكتورة السعداوي كُتب مثل: المرأة والجنس، والأنثى هي الأصل، والرجل والجنس، والمرأة والصراع النفسي، والوجه العاري للمرأة العربية، وغيرها الكثير من المقالات والأبحاث والدراسات العملية العلمية الراقية للنهوض بالنساء من كونهن مساويات للكلب والحمار. ورسالتها في أن نهضة النساء نهوض للمجتمع كله. يا للعجب بعد كل هذا يقوم الأزهر بواجبه المقدس السامي وهو حظر تداول الكتاب في السوق. ومن وقتها والدكتورة نوال السعداوي وهي خارج البلاد، إنني أتذكر مثل هذه الأفعال قبل قتل المفكر فرج فودة، أو محاولة اغتيال نجيب محفوظ.

رابعاً: يعطي الدستور المصري حرية الرأي والتفكير. هذا كلام جميل أمام العالم، لكن التطبيق العملي يكون إما بمصادرة المطبوعات كما حدث كثيراً. أو يكون التطبيق العملي هو اعتقال الكاتب أو سجنه مثل المدون عبد الكريم نبيل سليمان الشهير بـ كرم عامر الذي كان كل سلاحه قلم على شبكة الانترنت. وقد تأتي صورة مصادرة الرأي بطرد المفكرين خارج الوطن ومتابعتهم مثل الدكتور الأزهري أحمد صبحي منصور وجماعة أهل القرآن. ومن الأمثلة الصارخة في اضطهاد المفكر المستنير والداعي إلى نهضة فكرية ترقى بمستوى المجتمع من مستنقع النقل والتبعية هو الدكتور نصر حامد أبو زيد وإصرارهم على مطاردته وتطليق زوجته منه.
لقد أصبح شعار التطبيق العملي لإرهابيّ الفكر: كفر الذين يفكرون.

يضحك العالم المتقدم الراقي الذي يلعب بشعوبنا كما يلعب الصبية بكلب أجرب مريض في الأرياف مربوطاً بحبل من رقبته من مصادرتنا للكتب واعتقال المفكرين أو مطاردتهم.
يسأل العالم الخارجي: حتى متى يستمر التخلف الفكري وقيادة رجال الدين لمجتمعاتنا والذي يجعلنا نعيش في مرض وفقر وجهل؟
ومع ذلك نقف أمام أي رأي أو فكر لا يتناسب مع فكر آلهة الأديان أو ما يسمونهم رجال الدين (مُدعي المعرفة والحق) الذين يقفون حراساً وملائكة على أبواب جنة التفكير متخذين النبش والأخذ من التراث الماضي وسيلة لقيادة المجتمع نحو الخلف، جاعلين شعارهم: كل تفكير مُجدد بدعة وكل بدعة حرام.

وحُكم المحكمة ـ مع تقديري للمحكمة وحكمها طبعاً ـ يذكر أن الأزهر قام بواجبه وحظر تداول الكتاب في الأسواق!!!!!!!!!!!

مئة علامة تعجب واستفهام حول الدور والواجب المقدس للأزهر الذي يحظر ويقود مصادرة الفكر والرأي الذي لا يتفق معه ويلعب دور حامي حمى الدين؟ ألا تعطي المصادرة صورة كأن الإله أصبح عاجزاً عن الدفاع عقلياً عن شريعته؟
حين يزايد الأزهر على محاربة مَن يسميهم عدو الله وعدو الدين ألا يعني أن الله العظيم في حالة حرب مع مخلوقاته؟؟ مجرد أسئلة للتفكير والمصارحة من أجل التقدم الفكري والرقي الاجتماعي.

رجال الأزهر الأجلاء، إن كان في أقوال نوال السعداوي ما يدعو إلى الحوار والرد المنطقي أو العقلاني أو الديني أو الفقهي فعليكم بالتفنيد والمناقشة والتحليل والإقناع.
لقد بدأ عصر الحرية. أنطلق قطار التفكير الشخصي بدون الاعتماد على مرجعية أفراد تصادر وتمنع وتحظر النشر.

رجال الدين ـ أي دين ـ الأفاضل افتحوا عقولكم وشجعوا تابعيكم على التفكير وإعمال العقل. ناقشوا، شجعوا على الابتكار والتفكير. كفاكم نقلاً من موروثات القدماء الممتلئة خزعبلات لا تتناسب مع معطيات الحاضر والمستقبل.
ولا يكن شعاركم: كفر الذين يفكرون.
وللمفكرين المحترمين أقول ليكن شعاركم: لا لأي جنسية، نعم للتفكير والحرية.

هذه المقالة تحت مسئوليتي الشخصية مع دعوة للتفكير فيها.


أيمن رمزي نخلة
[email protected]