قبيل وصوله إلى شرم الشيخ لإجراء مباحثات مع الرئيس مبارك والمشاركة في منتدى ديفوس الاقتصادي العالمي شنت الصحف المصرية أعنف هجوم على الرئيس الأمريكي جورج بوش في حملة واسعة أثارت انتباه المراقبين في الداخل والخارج.


ولم يكن من قبيل المصادفة أن تشارك كل الصحف الرسمية في هذا الهجوم ردا على ما اعتبرته انحيازا سافرا من بوش لإسرائيل خلال مشاركته في الاحتفال بالذكرى الستين لقيامها وعدم احترامه للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين إلى ديارهم.


ولم يكن من قبيل توارد الخواطر أن تنتقد هذه الصحف quot;الخطاب التوراتيquot; الذي ألقاه الرئيس الأمريكي في الكنيست الإسرائيلي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لقيام إسرائيل والذي لم يتطرق فيه للنكبة التي أصابت الفلسطينيين جراء قيام الدولة العبرية على 78% من أراضي فلسطين التاريخية.


وفي تطور لاحق اتهمت الصحف المصرية الرئيس الأمريكي بشن حرب صليبية على العالم الإسلامي بدعوى مكافحة ما وصفه بالإرهاب في الوقت الذي يرفض فيه الضغط على إسرائيل لإقناعها بالجلاء عن الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967.


ورغم أن بوش نفى في شرم الشيخ أن يكون منحازا لإسرائيل على حساب الفلسطينيين معربا عن تفاؤله بقيام دولة فلسطينية قبيل مغادرته البيت الأبيض لكنه لم ينف أبدا وقوفه إلى جانب إسرائيل.


والمؤكد أن كل قالته الصحافة المصرية صحيح تماما فلا أحد ينكر التزام الرئيس بوش بدعم إسرائيل المطلق منذ توليه المسئولية لأول مرة في 20 يناير 2001 حتى أنه جمد عملية السلام تماما طوال فترة ولايته الأولى بهدف التفرغ للحرب على ما وصفه بالإرهاب.


وفي عام 2004 وبعد فوزه بولاية ثانية واصل بوش مساندته لإسرائيل حيث أيد خطة شارون لفك الارتباط من جانب واحد مع الفلسطينيين ثم رعى محادثات سلام شكلية لم يكتب لها النجاح بين الفلسطينيين والإسرائيليين.


والحقيقة أن الرئيس بوش لم ينكر يوما اتجاهاته السياسية كيميني متشدد يؤمن بقوة أمريكا وهيمنتها على العالم وبحق إسرائيل في الوجود، كما أنه لم يخف إيمانه بدور القوة العسكرية كأداة أساسية لمواجهة التحديات وأن السلام لا يتحقق إلا بالانتصار في المعارك وليس تلبية لمقتضيات الدبلوماسية أو العدالة.
ومثل كل المحافظين الجدد لا يبدي الرئيس الأمريكي اهتماما كبيرا بدور المنظمات الدولية أو القانون الدولي على اعتبار أن القوة العسكرية هي الأساس لممارسة السياسة الخارجية وفي هذا الصدد يشدد على أهمية التدخل العسكري لإعادة تشكيل الدول كالعراق وأفغانستان ولبنان وإيران.


كما يعتقد بإمكانية شن حملات عسكرية تأديبية على أي دولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة في حالة تحديها للمصالح الاستراتيجية الأمريكية ويسعى جاهدا وبكل السبل لتهميش دول كبرى ذات دور فاعل وأساسي في العالم كالصين وروسيا.


لم يخف الرئيس بوش يوما واحدا إيمانه المطلق بضرورة التعجيل بعودة المسيح إلى الأرض من خلال شن حرب على ما وصفه بالإرهاب والاستيلاء على كل الأراضي المقدسة واعتبار كل من يرفض رؤيته أيا كان عدوا له وفق قاعدة من لم يكن معنا فهو ضدنا!


لم يخف بوش شيئا من هذا كله حين وقف أمام الكنيست الإسرائيلي في الاحتفال بالذكرى الستين لقيام إسرائيل ليجدد دعمه المطلق للدولة العبرية وإعجابه بالنموذج الإسرائيلي للديمقراطية والتزام أمريكا بحماية إسرائيل.


ولكن الصحافة الرسمية في مصر التي صدعت رؤوسنا طويلا بالحديث عن العلاقات الخاصة بين القاهرة وواشنطن تعاملت مع الحدث وكأنها اكتشفت فجأة انحياز بوش لإسرائيل بعد ثمان سنوات قضاها في البيت الأبيض.
والأكثر غرابة أن هذه الصحف التي أقنعتنا ليل نهار أن 99% من أوراق حل مشكلة الشرق الأوسط في يد أمريكا هي التي تردد الآن أن أمريكا لم تعد وسيطا نزيها وأمينا في عملية السلام بين العرب وإسرائيل!


وفي ذروة هجومها على بوش لم يرتفع صوت واحد يطالب مصر بقطع علاقاتها مع إسرائيل ووقف تصدير الغاز والحديد والأسمنت إليها احتجاجا على موقفها المتعنت من عملية السلام وتجاهلها للحقوق الفلسطينية.


تجاهلت الصحف المصرية هذا النقطة تماما في ذروة هجومها على بوش الذي يستعد لمغادرة البيت الأبيض بلا رجعة في نهاية العام الجاري مما يضع نهاية لحقبة مثيرة للجدل في السياسة الخارجية الأمريكية.


قد يكون الهجوم على الرئيس الأمريكي ردا على الانتقادات التي وجهها للديمقراطية المصرية حين وصفها بأنها تخطو خطوة إلى الأمام وثلاث خطوات إلى الخلف، وقد يكون رهانا على وصول باراك أوباما أو هيلاري كلينتون مرشحا الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض وهو ما يضع نهاية لسياسات الحزب الجمهوري التي أثارت انتقادات عنيفة في مناطق واسعة من العالم.


لكن المشكلة أن الولايات المتحدة باعتراف مراكز أبحاث استراتيجية أمريكية لم تصل بعد إلى المرحلة التي يمكنها أن تتقبل وصول امرأة أو رجل أسود إلى البيت الأبيض في الوقت الذي تتعرض فيه زعامتها للعالم لتحديات كبيرة مما يرجح كفة مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين في انتخابات الرئاسة وبالتالي استمرار حقبة الرئيس بوش والمحافظين الجدد.


والسؤال الذي ينبغي أن يشغلنا جميعا بغض النظر عن حملة الهجوم على بوش: ماذا لو أصبح جون ماكين الرئيس القادم للولايات المتحدة؟!

عبد العزيز محمود

[email protected]