لأن معظم المواقع السورية، quot;معارضة وموالاةquot;، والثورجية، والليبرالية، والنضالية، والاشتراكية الحمراء والأصولية السلفية السوداء، على حد سواء، ترفضنا وتلفظنا، وكل الشكر والفضل لله، فأول قلق ينتابني وأنا أخط أفكاري المتواضعة، هو أين سأنشر هذه الكلام، فالمحظورات والثوابت القومية والوطنية والإيديولوجية كثيرة، وقد تنهزم، وتنقرض ولا سمح الله هذه الأمة العارية الجرداء من مجرد مقال بسيط، وquot;شويةquot; خربشات. ولذا فتتجه عيوننا وآمالنا وتتطلع أحلامنا نحو صحافة الآخرين، التي تلبي النداء، أحياناً، وأحياناً لا. وقد دأبنا ومنذ حوالي العام تقريباً، ومنذ أن بدأ الخناق يضيق علينا من أكثر من مكان، بالتراسل الدوري المنتظم مع موقع إيلاف الإليكتروني الذي يتمتع، وبكل تجرد من هامش نسبي، ومعقول إلى حد ما، من الليبرالية الإعلامية وحرية التعبير، إذا ما قورن مع غيره من المواقع الإليكترونية التقليدية محلياً وإقليمياً، وعالمياً. ومع ذلك فله هو أيضاً محظوراته وسقفه وسياسته التحريرية الخاصة وحدوده القانونية التي لا يستطيع القفز فوقها، ويحسب لها الحساب. غير أن قبول إيلاف بالمخاطرة والمغامرة بنشر بعض الأفكار quot;الليبراليةquot; وغير التقليدية، التي تبدو quot;متمردةquot; وخارجة عن السياق ومنطق وأطر الخطاب الرسمي العربي وأبواقه التقليدية المأجورة، فهو، ولعمري، نقطة تحسب لإيلاف، وليس عليها، وهذا ما جعل يد التشفير والحجب تطاولها في غير مكان. والحجب والتشفير هو وسام شرف، أحياناً، يضعه النظام الرسمي العربي على صدر هذه المطبوعة أو ذاك المنبر الإعلامي، من حيث يدري أو لا يدري.

لن نضيف جديداً لو قلنا بأن هناك لغة جديدة وخطاباً جديداً ومهنية واضحة وتمويلاً سخياً، و شبكة مراسلين منتشرة في أكثر من عاصمة كبرى وفاعلة، وجهوداً جبارة، وفوق هذا كله رؤية استشرافية واضحة صنعت اسم إيلاف، وحققت لها تلك الريادة والانتشار، برغم الشعور بطغيان وجهة نظر محسوسة أحياناً عليها. هذه المعطيات تجعل من إيلاف منبراً هاماً ومغرياً، وبكل صراحة، بالنسبة لنا ككتاب لتوصيل الأفكار إلى أكبر شريحة من المتابعين والمهتمين والقراء، فجل اهتمام الكاتب هو إيصال ما يريده وما يعتمل في عقله وذهنه إلى من يعتبرهم موضوعاً لتفكيره وعمله ومحور اهتمامه ونشاطه، ألا وهم quot;جمهرةquot; القراء بلغة الفقهاء.

وما أود أن يأخذه الأعزاء في إيلاف بعين الاعتبار في هذا الصدد، هو عزوف غالبية القراء عن التفاعل مع المقالات التي تمثل وجهة نظر النظام الرسمي العربي وصحفه، وبالكاد تجد تعليقاً واحداً أو تفاعلاً من القراء مع كاتب تعتبره وتصفه إيلاف مع النظام الرسمي العربي بأنه quot;كاتب كبيرquot;، ويكتب في صحف النظام الرسمي العربي الصفراء، والسوداء، والخضراء، فلا فرق طالما أنها تنطق عن نفس النظام الرسمي العربي شبه المنهار. ويبقى مقال quot;الكاتب الكبيرquot; على صفحة إيلاف الرئيسية قرابة الأربع وعشرين ساعة دون أن يحظى بأي تعليق ما. فهل ثمة تفسير لهذا أم هو محض مصادفة؟ وهل يعني هذا أي شيء بالنسبة لإدارة إيلاف مقارنة مما نراه في جرأة الطرح، والتحرر من أغلال و قيود والتزامات وثوابت السياسات الرسمية العربية القدرية والمنطقية والعقلانية واللا انتماء لأي جهة حزبية وقطرية ورسمية عربية، تجعل من كتاب quot;مجهولquot; ومتواضع من أمثالنا يحظى بأعلى القراءات، والزيارات، والتعليقات، وكما حصل معنا مع أكثر من مقال كان خبطة فكرية بكل المقاييس؟ وهذا الأمر ينطبق على أكثر من زميل من الزملاء غير المحسوبين على الإعلام الرسمي العربي ويغردون خارج سربه، فهل تعني هذه المعطيات أي شيء لإدارة إيلاف وهي على أعتاب الربيع السادس من عمرها الذي نتمنى أن يبلغ الألف عام.

غير أن أهم ما يؤخذ على إيلاف، ومن وجهة نظر شخصية لكن يمكن تعميمها، هو تسلل بعض السلفيين والوهابيين إليها بجلابيب الليبرالية واتخاذها منبراً للنيل من أقليات دينية بعينها والتشهير بها، من على هذا المنبر الليبرالي الهام، وكأن بينه وبين تلك الأقليات ثارات وعداوات ودماء مع كل ما يترتب على ذلك من استحقاقات قانونية على الكاتب الليبرالجي المزعوم من حيث التشدد في حظر التشهير والتلميح العنصري المعمول به في القانون البريطاني. وللعلم فإن هذه الشخصية الليبرالجية الفذة عضو مؤسس في مؤتمر دولي لنصرة المرأة والأقليات. والأمر الآخر هو إمكانية تحري خط سياسي واضح يطبع موقع إيلاف. فمن يقرأ مقالاً واحداً، ولأسماء تتكرر بشكل شبه يومي، ومنسوخة من جرائد بـquot;عينهاquot; أيضاً، ولاسيما في قسم جريدة الجرائد، يلحظ بوضوح وربما خرج بانطباع بأنها ربما تتبنى تياراً سياسياً بعينه، ووجهة نظر جماعات بعينها في محيط الشرق الأوسط، وتغييب شبه متعمد لتيار وأصوات بعينها. ويكفي أن تقرأ لكاتب quot;نمطيquot; واحد ممن تنقل لهم إيلاف من صحف أخرى حتى تعرف وجهة نظر جميع الكتاب الآخرين الذين يصدحون بنفس النغمة ويرددون نفس الأفكار، فكلهم يعزفون لحناً واحداً في سيمفونية معروفة التوجه والأهداف.

أما تخصيص حيز واضح لما يسمى بكتاب إيلاف، هو ما يجعل المرء في حالة من الاستغراب لسياسة الخيار والفقوس التي تتبعها إيلاف، لاسيما أن بعض مقالات ما يسمى بكتاب إيلاف لا ترتقي للمستوى المطلوب شكلاً ومضموناً، وتحفل بالكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية والقواعدية، ومنهم ما هو غير معروف لغالبية القراء. ولقد لحظت، وبكل أسف، اسم أحدهم أو إحداهن، من كتاب إيلاف هؤلاء في موقع لصوص الكلمة، وبالإثباتات الدامغة التي يقدمها الموقع المذكور. ونرجو ألا تلعب الاعتبارات الإيديولوجية والصداقات الشخصية وquot;الكولسةquot; التي ندركها جيداً في بلداننا في عملية انتقاء هؤلاء الكتاب ليمثلوا واجهة إيلاف لأن ذلك سيؤثر ولاشك مستقبلاً على مستوى كفاءة ومصداقية إيلاف.

ونفس الأمر ينطبق على التحرير بشكل عام، وبعض المراسلين الذين لا تكون عادة تقاريرهم ومقالاتهم ملتزمة بالمقاييس الفنية العالية للنص والمقال، الهمزة، والتشكيل، وعلامات الترقيم، والأخطاء القواعدية، وعدم الالتزام بشكل المقال الأكاديمي التقليدي فنياً من مقدمة، وعرض وخاتمة، ويتألف كل منها من عدد من المقاطع يعرض كل منها لفكرة معينة ويناقشها على حدة ثم ينتقل للفكرة الأخرى وهكذا حتى نصل للخاتمة التي تلخص فحوى المقال بعدة كلمات، وهذا كله لا يبخس، طبعاً، من قيمة المادة، كما لا ينفي الجهد المبذول والمشكور في تحقيق وإنجاز الريبورتاج.

ومع ذلك وبرعم بعض الملاحظات النابعة من حب وغيرة وحرص أكيد على استمرار هذا المشروع الإعلامي الرائد العملاق، والتي بالطبع لا تنسخ الكثير من الإيجابيات التي تحاول أن تقدمها إيلاف كمطبوعة إليكترونية، فإن مشروع إيلاف الكبير يتوطـّد، ويكبر، يومياً وتتسع معه فسحة الأمل بفضاء ليبرالي يبعث هذه المنطقة المنكوبة من سباتها الأزلي ويوقظ هذه الشعوب من غفوتها الأبدية علها تلحق بركب البشرية المتسارع الذي قطعها بسنين ضوئية كثيرة إلى الأمام. ونأمل أن يؤخذ بتلك الملاحظات لا لشيء إلا للارتقاء بأداء إيلاف.

وكل عام وإيلاف الغراء، وطاقمها المميز إدارة وهيئة تحرير، بألف خير، ونحن، بها ومعها، دائماً على موعد متجدد، مع التألق والتميز والنجاح والعطاء.


نضال نعيسة