تعتبر الكتب السماوية هي المنهج الذي أنزله الله تعالى لهداية البشرية باعتبارها تحمل تعاليم الله تعالى إلى الإنسان ومن هنا يفهم إن الأصل في هذا الوجود هو الإنسان أما أن نحمل هذه الكتب مهمة أخرى غير التي نزلت من أجلها فهذا تكليف لا مبرر له وإن شئت فقل تنزيه يحدث تشويه كما هو الحال مع أصحاب التفسير العلمي والعددي ( الرقمي ) الذين لا تثبت أغلب حججهم أمام الزمن أو النقاش المعقول.

أما الصنف الآخر الذين سأتحدث عنهم في هذا المقال فهم دعاة الجهل والضلال الذين وجدوا في ضعاف الناس الجو المناسب والأرض الخصبة لنفث سمومهم وأباطيلهم غير آبهين بما يفرضه الدين عليهم باعتبارهم أصحاب النهج القويم والصراط المستقيم كما يدعون وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) من قال بالقرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار.

علماً إن هؤلاء الناس يخادعون الله تعالى وما يخدعون إلا أنفسهم بادعائهم شفاء الناس من الأمراض المستعصية بواسطة القرآن مع العلم إن هذه الأمراض هي ليست تلك التي نزل القرآن من أجل علاجها كالكفر والنفاق والشك والشرك وغيرها من الأمراض التي تنسب إلى القلوب مجازاً وإنما الأمراض الجسدية حسب زعمهم كالصداع والعمى وآلام الأسنان وإستخراج الجن والسحر وغيرها من الأباطيل التي يوهمون بها الآخرين وكأن مفتاح هذه الأمراض وعلاجها بأيديهم وعن طريق القرآن وما يدعيه هؤلاء ماهو إلا إفتراء على الله ورسوله وبدعة ما أنزل الله بها من سلطان لأن الأمراض الجسدية وعلاجها لا يوجد دليل واحد على إنها من أهداف نزول القرآن وكذلك الحجاب والرقية والتميمة والنشرة والإستخارة وقراءة القرآن في العزاء والناس في شغل شاغل كل هذه الأشياء خارجة عن المهمة التي نزل القرآن من أجلها لأن القرآن نزل لهداية البشرية إلى طريق الحق والصراط المستقيم الذي أشار إليه القرآن في متفرقات آياته. وليس السبب من نزوله علاج الظهر ولا الإنف أو الحنجرة وعند محاججة هذا السنخ من الضالين يواجهك مباشرة بقوله إن في القرآن آيات تشير إلى الشفاء والآن أريد أن أستعرض أهم الآيات التي ذكرت الشفاء لنعلم أي شفاء هو المقصود هل الذي يدعيه هؤلاء أم شفاء آخر.

لنأخذ أولاً قوله تعالى : ( وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) الإسراء 82. فلو تأملنا هذه الآية الكريمة نجد إن الشفاء المقصود فيها هو للقلوب المصابة بداء النفاق والضلال والجهل والتخبط الذي حصل لها بسبب بعدها عن القرآن الكريم فلو أن هذه القلوب تمسكت بالقرآن لكان هو الدواء الشافي لها ولذلك إنتقل الحق بعد الشفاء إلى الرحمة التي عززت هذه القلوب بعد إن دخلها الشفاء واختصرهما على المؤمنين ولذلك قابل تعالى المؤمنين بالظالمين الذين إزدادوا خسراناً بسبب القرآن ولو كان المقصود في الآية شفاء الأجساد فلا داعي لذكر الظالمين وهذا كقوله تعالى ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون ** وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) التوبة 124 - 125.

أما الآية الثانية من الآيات التي ذكرت الشفاء فهي قوله جل شأنه ( قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمىً أولئك ينادون من مكان بعيد ) فصلت 44. وهنا نجد الآية الكريمة تشير إلى صنفين وهم الذين آمنوا والذين لا يؤمنون وكما هو ظاهر فإن الهدى والشفاء نسبته للمؤمنين أما الذين لا يؤمنون فقد جعلت عليهم الآية الضلال والعمى بسبب أن في آذانهم وقر يمنعهم عن سماع القرآن وهذا تشبيه رائع يمثل عدم إستجابتهم للهدى لذلك ناسب قوله في ذيل الآية [ أولائك ينادون من مكان بعيد ] وذلك بسبب بعدهم فكانت المقابلة لطيفة جداً والعقوبة مناسبة لهم. إذن لبعد هذا الفريق وقرب الفريق الأول منه تعالى يظهر إن الشفاء ليس للأجساد وإنما للقلوب التي وصفت بالإيمان الذي عزز الهدى كما في الآية. أما الآية الثالثة فيقول تعالى فيها ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين ) يونس 57.

وسأعتمد تفسير الميزان في هذه الآية لنرى ماذا يقول السيد الطباطبائي فيها. يقول رحمه الله : [ وإذا أخذت هذه النعوت الأربعة التي عدها الله سبحانه للقرآن في هذه الآية أعني إنه موعظة وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمة وقيس بعضها إلى بعض ثم اعتبرت مع القرآن كانت الآية بياناً جامعاً لعامة أثره الطيب وعلمه الزاكي الطاهر الذي يرسمه في نفوس المؤمنين منذ أول ما يقرع أسماعهم إلى آخر ما يتمكن في نفوسهم ويستقر في قلوبهم.... إلى أن يقول.. ثم يأخذ في تطهير سرهم عن خبائث الصفاة ولا يزال يزيل آفات العقول وأمراض القلوب واحداً بعد آخر حتى يأتي على آخرها ثم يدلهم على المعارف الحقة والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة دلالة بلطف برفعهم درجة بعد درجة وتقريبهم منزلة فمنزلة حتى يستقروا في مستقر المقربين ويفوزوا فوز المخلصين ] إنتهى كلامه رحمه الله.

ولم نجد ما يشير إلى شفاء الأجساد وهذا بالفعل هو منطق القرآن الكريم أما من يختار الدجل والشعوذة والإستعاذة بالجن والملائكة وما شابه ذلك من الأباطيل التي لا أثر لها في القرآن فهذا الصنف من الناس ومؤيدوهم ليس لهم هم سوى أكل أموال الناس بالباطل ولو صح العلاج الذي يدعونه لما غفله المسلمون على مر التأريخ ولدرس في المعاهد والجامعات وأخذ مكانة كبيرة عند المسلمين ولطالما لم يحصل هذا إذن المسألة سالبة بانتفاء موضوعها.

ومن هنا وجب على أهل العلم التحذير من فعل هؤلاء وضلالهم لأتباعهم بغير وجه حق. نعم ما جاء به القرآن وثبت نصاً لا يمكننا التفريط فيه كالدعاء من شر الحاسد والغاسق والنفاثات في العقد كما أشارت سورة الفلق وأيضاً قوله ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ) القلم 51. ولكن أيضاً للدعاء شروطه التي لا يمكن أن نتكلم فيها لأنها خارجة عن البحث الذي خصص لهذا المقال.

وكذلك هناك أمراض أشار القرآن إلى طريق علاجها جملة كما مبين في العسل حيث قال تعالى ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) النحل 69. وختامه تعالى لهذه الآية بكلمة [ يتفكرون ] يفتح ألف باب لجعل الإنسان هو الذي يكتشف نوع العلاج الذي يستخرج من العسل علماً إن بعض الأمراض يضاعفها العسل فتأمل ذلك. وكذلك الصبغ الذي بينه تعالى في شجرة الزيتون بقوله ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ) المؤمنون 20.

وهذا موضوع مختلف لا أريد الإطناب فيه الأن وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول إن الذي يتحمل عبء هذه الإفتراءات هم أصحاب القرار من أهل العلم ومن يحق لهم توجيه الآخرين إذا كان علمهم فعلاً لله تعالى ولخدمة البشرية أما إذا كان العلم الذي يحملونه مسخر للشيطان فهذا موضوع آخر وكثيراً من أهل العلم نراهم أخلدوا إلى الأرض واتبعوا شهواتهم وانسلخوا عن آيات الله تعالى وقد ضرب لهم تعالى أروع الأمثلة حيث قال ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ** ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) الأعراف 175 - 176.

عبدالله بدر إسكندر المالكي
[email protected]