اعادت تركيا سوريا الى المشهد الاقليمي مجددا باعلانها استعداد رئيس حكومة اسرائيل ابرام اتفاق للانسحاب من الجولان المحتل، وسلطت عليها الاضواء بعد العزلة الخانقة الدولية و العربية التي تعانيها بسبب تعطيلها الحل الرئاسي في لبنان و تقويضها جهود واشنطن لترتيب اتفاق بين الفلسطينيين و الاسرائيليين، و تحالفها مع ايران لنشر الفوضى والعنف في العراق و قتل المزيد من الجنود الاميركيين هناك عبر الميليشيات الشيعية المسلحة والجهاديين العابرين للحدود السورية.


النبأ الذي اعلنه اردوغان اثار ردود افعال كثيرة و متباينة و متصادمة في اسرائيل لم تكن مقتصرة على النخبة السياسية،بل تعدتها الى الاوساط الشعبية الغارقة في الخوف من مصير مجهول تبشر به نزعات الحرب الخفاقة في الاجواء الاقليمية و الدولية، وفي الوقت الذي اعلن فيه رئيس لجنة الكنيست ديفيد تال انهquot; يعمل على تنظيم نقاش في اسرع وقت حول مشروع قانون يهدف الى فرض اجراء استفتاء شعبي حول التنازلات في مرتفعات الجولان و القدس، اطهرت نتائج استطلاع للرأي اجراه معهد quot; مينا تزيماكquot; ونشرته quot; يديعوت احرونوتquot; ان 25% فقط من اليهود الذين استفتوا يقبلون انسحابا كاملا من الجولان وان 80% منهم لايعتقدون بأن الاسد يهتم حقا بالسلامquot;.


ويبدو ان اولمرت لم يستطع حتى اقناع نواب حزبه بعرضه الى سوريا، فلقد قال النائب عن quot; كاديماquot; زيف ألكين quot; ان اكثرمن نصف نواب الحزب يعارضون الانسحاب من الجولان، وهاجم اولمرت بقوة قائلا انه quot; يعطي وعودا لا يستطيع تنفيذهاquot;.
اليمين quot; نتنياهو وايتام و ستينيتز quot; المتحفز للانقضاض على اولمرت و السيطرة على الحكم رفض التخلي عن الجولان رفضا قاطعا، متجاوبا مع سكان الجولان الذين اعتبروا quot; ان الموضوع ليس مطروحا ابدا على النقاشquot;.


يقول رئيس معهدquot; موشية دايان لدراسات الشرق الاوسط quot; أيا ل زيسارquot; ان لا احدا يتوقع ان يتخذ السوريون مبادرات جريئة على غرار الرئيس المصري الراحل انور السادات quot; مستدركا في الوقت نفسه بأن الامور ليست بالبساطة التي تزعمها سورية التي ابلغت جيمي كارتر ان 85% من الخلافات التي تعرقل اتفاق سلام اسرائيلي ndash; سوري قد حلت العام الماضيquot;.


الحقيقة هي ان سورية و اسرائيل تبادلتا الرسائل مرات كثيرة و درستا احتمال استئناف المفاوضات عبر وسطاء متعددين، غير ان هذا كلة ظل من دون نتيجة تذكر حتى الان، اذ في التسعينيات جرت جولات من المفاوضات لم تنته الى اتفاق مكتوب وبقيت نتائجها شفوية يؤولها الطرفان تأويلات مختلفة.
ولكن الاوضاع في المنطقة وفق زيسارالان تختلف عما كانت عليه العام 2000، اذ لم يعد التفاهم السوري ndash; الاسرائيلي على كبح جماح حزب الله قائما، وكان هذا الحزب يمتلك انذاك صواريخ تهدد نهاريا، فيما لديه الان صواريخ تصل الى ديمونا في العمق الاسرائيلي، كما لم تعد حماس و ايران لاعبين هامشيين في المنطقة.


ويرى بعض المراقبين ان ما يهم اولمرت الان هو ابعاد شبح المواجهة العسكرية مع سوريا و تخفيف حدة التوتر اللفظي و التهديدات المتبادلة لاسيما بعد تنامي التوتر بينهما خلال الاشهر المنصرمة بعد قصف المنشأة المشتبه بها نوويا، وبعد اغتيال الارهابي مغنية في العاصمة السورية.
وتعكس الاشارات الصادرة عن اولمرت تفضيله التفاوض ليس مع حماس وانما مع سوريا التي اظهرت سلوكا تهادنيا وتراجعيا بعد ضرب المنشأة العسكرية، وتجنبها تحميل اسرائيل المسؤولية المباشرة عن اغتيال مغنية بالطريقة الغريبة و الملتبسة التي تجري فيها التحقيقات السورية حول الاغتيال والاهم انها لم تلتزم بالوقت الذي حددته لاعلان نتائج هذه التحقيقات التي تبقى سرية و غامضة حتى الان.


وفي طيات المواقف الاسرائيلية المتأججة ابان الاحتفال بالذكرى الستين لاعلان تأسيس الدولة العبرية على انقاض فلسطين،تظهر اشارات مبهمة بعض الشئ و لكنها في الجوهرتعكس موقفا متناولا كصيغة للخروج من مآزق يفرضها الواقع و الجفرافيا و التاريخ ايضا، وفي هذا السياق يمكن قراءة مقترح المحلل quot; يوعاز هندلquot; في quot; معاريفالداعي الى تاجير الجولان لمدة 200 سنة وتوقيع اتفاق للسلام مقابل المال لاننا كما يقول quot;لا ينبغي ان ننسى ان سوريا في حاجة الى ترميم اقتصادها الضعيف واستعادة كرامتها الوطنية اكثر من الحصول على جائزة نوبل للسلام quot; معتبرا ان quot; اي كلام آخر يؤدي الى افلاس دولة اسرائيلquot;.


على ان نجاح مشروع اولمرت السلمي مع سوريا يستلزم كما يرى عوزي بنزيمان،حصوله على تأييد الرأي العام الاسرائيلي وتشكيل تحالف حكومي مستقر يدعم مبادرة السلام وموافقة المؤسسة العسكرية، و تحضير الشعب لقبول تنازلات مؤلمة ستترتب عن المفاوضات ان نجحت بالطبع، وقال quot; ليس واضحا اذا كان وضع اولمرت فيما يتعلق بالسلام مع سوريا، يشبه وضع الرجل الذي يريد لكنه لا يستطيع، او الرجل الذي يستطيع لكنه لا يريد او الرجل الذي يستطيع و يقنع نفسه بأنه لا يريد في مختلف الاحوالquot;.

محمد خلف