مشهدان، أريد من القارئ أن يتأمّلهما ثم يمكنه أن يحكم بكل استقلالية:

1) تشهد محكمة الجنح في مدينة (تيارت) غربي الجزائر محاكمة ستة مسيحيين ndash;ارتدوا عن الإسلام- وتحولوا إلى مبشرين، إضافة إلى متهمة جزائرية أُلقيَ عليها القبض - مُتلبّسة ndash; بتوزيع الأناجيل دون رخصة حكومية. النيابة العامة طالبت بتغريم المتهمين وحبسهم سنتيْن سجنا نافذة، هذه القضية أثارت ضجة إعلامية دولية.

2) عناوين الصحف الجزائرية في كل مرة تزفّ لنا أخبار دخول صينيين -يعملون بالجزائر- إلى الإسلام، ونتشر تفاصيل إعلانهم الشهادة في أحد المساجد وسط ترديد عبارات التكبير والتهليل.

بهذا المنطق المقلوب فإن الداخل إلى الإسلام، إنسانٌ حرٌ في معتقده وبطلٌ عالمي. أما المبشرين بالمسيحيين فهم مرتدون خونة وجبت محاكمتهم، والسيف المُسلّط على رقابهم هو: القانون الجديد الذي سنّتْهُ وزارة الداخلية الجزائرية والذي يُحدد التّعامل مع الديانات السماوية غير الإسلام.

إذا طُبّق هذا القانون في بريطانيا على سبيل المثال فإن أي مسلم يحمل مصاحف القرآن الكريم يكون معرّضا للمساءلة وللسجن. وأيُّ رجل أعمال مسلم يشتري كنيسة بنيّة تحويلها الى مسجد وجَبت ملاحقته!

هنا أتساءل عن ردة فعل المسلمين المرتقبة حول العالم إذا عكسنا الآية؟ خصوصا مع موضة التباهي باعتناق الغربيين للدين الإسلامي فرادى وجماعات.

لا أريد هنا بأن أدخل في الجدل حول ما أُطلق عليه شعبية الإسلام المتنامية بعد أحداث سبتمبر- أيلول، لأن أي عاقل يعلم جيدا أن أغلب المتأسلمين (خصوصا المتخرجون من الجامعات) مكلفٌ من طرف مخابرات بلاده باختراق الجماعات الإسلامية فهذا ليس موضوعي اليوم.

أعود إلى إسلام العمال الصينيين في الجزائر الذي ثبُت وبالوثائق أن اعتناقهم للإسلام ماهو إلا التفاف على القوانين الجزائرية التي تمنع الأجانب من حق التّملك، وتحرم غير المسلمين من الزواج بالجزائريات، فالدخول إلى الإسلام يفتح الباب أمام الزواج ببنت البلد وامتلاك العقارات والمحال التجارية، وهذا التحايل على القانون من المفترض أن يؤدي إلى السجن وتحمّل غرامات مالية.

المتثاقفون أمطروا الجماهير بتحليلات تفتقد إلى الدقة والموضوعية وبرروا سجن المسيحيين بحجة أن العدو اللدود للإسلام وللجزائر: فرنسا، هي التي تقف وراء حملات التبشير في الجزائر لخلق أقليات مسيحية بغرض زعزعة شأن الدولة العظيمة.

وهنا لا يسعني إلا أن أسرد بعض المعلومات المتوافرة عن علاقة السلطات الصينية بالديانة الإسلامية:

تقول مصادر حقوقية وأكاديمية إن الصين من أكثر الدول معاداة للإسلام في العالم ولها سجل كبير في قمع الأقليات الإسلامية في قُطرها. أما عن تحالفها مع النظامين الإيراني والسوداني فهو من قبيل المصالح التي تفرضها السياسة الدولية ومحاولة استغلال مناطق غنية بالثروات الطبيعية خارج دائرة النفوذ الأمريكي. وبما أن نظام بكين يتبنى الثقافة الكنفوشيوسية (نظرية تقول إن الليبرالية والديموقراطية الغربية غير صالحة لحكم الشعوب في آسيا) فهي تقمع أي حركة دينية تُنافسها الزعامة في الحكم أو يلتف من حولها المواطنون.

من أكبر الأقليات المسلمة في الصين:(الوغيري)، التي تسكن في إقليم كسينجيانغ، والتي تنحدر من أصول تركمانية يبلغ تعدادها سبعة ملايين مسلم، ويتعرض أفرادها لقمع وحشي من طرف السلطات التي لا تتوانى في نشر كاميرات مراقبة في كل جوامع الإقليم لملاحقة من تشتبه في ولاءاته.

الصين ليست عدوة الديانة الإسلامية لوحدها فهي لاتريد المصالحة مع الفاتيكان ولا تسمح له بتعيين أساقف كاثوليك. وتنعت زعيم إقليم التّبتْ بالإنفصالي، لأن سلطة (الدالاي لاما) الدينية تنازعها في الحكم.

أيها المتثاقفون: إن الصينيين لم يدخلوا الإسلام حبا فيه (على الأقل في هذا الظرف) والجزائريون لم يعتنقوا المسيحية خيانة لوطنهم، فالحكم العاطفي على الأحداث هو الذي أبقانا في قاع الجهل والظلمات،

ومن المفترض أن تقوم النخبة بقيادة وترشيد الشعوب وليس العكس، ومصلحة شعوبنا تكمن في إعطائها مجالا واسعا من الحرية لفهم الواقع الذي تعيشه بعيدا عن نشر الكراهية بين الديانات أوالتطبيل والتزمير لأوامر البلاط.

سليمان بوصوفه