وصلت مركبة الفضاء الأمريكية (فينكس) كوكب المريخ وحطت عليه فى يوم الأحد 26 أيار/مايو فى الساعة 7:53 مساء بتوقيت نيويورك وقبيل منتصف الليل بتوقيت لندن. بعد ان قطعت مسافة حوالى 680 مليون كيلومتر فى ثمانية أشهر. سيارة بسرعة 100كم فى الساعة دون توقف ستستغرق 667 سنة ميلادية للسفر من الأرض الى المريخ. حصان او جمل بسرعة 50 كم دون توقف سيستغرق 1552 سنة ميلادية أو 1608 هجرية واستغرقت أول اشارة أرسلتها المركبة الى الأرض 15 دقيقة لتصل اليها بسرعة الضوء.

وفى هذه الأثناء، يكون الكثير منا فى جدل عنيف عما حدث قبل 1400 سنة هجرية لأناس ماتوا وأصبحوا ترابا وعظاما، حول من كان الأحق بخلافة رسول الله، وهل الصلاة الصحيحة ان تسبل الذراعان أم تعقدان أمام الصدر، وهل يسند المصلى جبهته الى (تربة) أم لا، وهل يتم غسل الوجه بيد واحدة ام بالاثنتين، وهل يجوز مصافحة المرأة باليد العارية أم ان لمس يدها حرام، ونتجادل حول بداية كل شهر قمري وبداية الأعياد، وهل نعطى للأنثى من الأرث بقدر ما نعطى للذكر أم نعطيها النصف، وعندما ندخل بيوت الراحة (الحمامات) هل يجب تقديم الرجل اليمنى أم اليسرى، وهل نهين الشارب ونكرم اللحى أم نكرمهما معا ام نهينهما معا، وما هو (الستاندرد) الاسلامي لحلاقة الرأس للرجال، فقد قتل عدة شبان فى العراق لأنهم حلقوا رؤوسهم كما يحلقها الجنود الأمريكان.


علاقاتنا الفطرية مع أزواجنا هل نحددها بما يقول الفقهاء ونبسمل قبل ان نبدأ أم نترك ذلك للفطرة والغريزة، ونتجادل بشدة حول (اسدال الستائر) على النساء ليفزع الأطفال، وتتاح الفرصة للارعابيين لحمل الأسلحة و المتفجرات. ولا يزال البعض يمنع الفتيات من الدخول الى المدارس، ويمنعون الأطباء من فحص النساء المريضات او اجراء عمليات جراحية لهن.


لماذا نتضرع و نتوسل بأناس ماتوا قبل مئات السنين ونرجوا منهم الحماية والصحة والغنى والنصر على الكفار، وهم لم يستطيعون مساعدة أنفسهم عندما كانوا أحياء، فمنهم من مات بمرض الشيخوخة أو واحد من الأمراض التى يصعب تعدادها، أو قتلا بالسيف او بالسم او بالهراوة او خنقا او غرقا او جوعا أو عطشا، وتطول القائمة وتطول. وهل نبنى لأمواتنا القبورونزورهم كما يفعل باقى البشر ام نرميهم فى حفر ونهيل عليهم التراب.

هل نستمع ونردد الأدعية التى ينطق بها امام الجامع بأن ينصرنا الله تعالى على الأعداء الكفار، والكفار برأي فقهائنا هم كل من لم يتخذ من الاسلام دينا. ثم يذكرالأمام محاسن أئمته ويتعرض بالسوء لأئمة الآخرين، بل ويحرض على قتال وقتل الطائفة الأخرى ويتهمهم بالكفر والالحاد، ومنا من تشتد به الحماسة بعد سماع الخطبة العصماء، فيخرج لقتل صديقه او جاره دون ما ذنب جناه سوى كونه من الطائفة الأخرى. منا من يطيع هؤلاء لا لعلم برزوا فيه ولا لعمل أفادوا به البشرية، بل لأن أباه فلان التقي الورع المتفقه، او من العشيرة الفلانية ذات الماضى الباهر الزاهرالتى قارعت الكفار والمستعمرين، فيندفع بعض الناس وراءهم كالعميان يبحثون عن دليل يهديهم، ولا يدركون ان الدليل قد يكون أعمى مثلهم، او معتوها بالولادة فيضلهم عن سواء السبيل.

وفى هذه الأثناء أيضا، وبينما المركبة الفضائية تعمل على سطح المريخ، فان من بعض قادتنا الذين فرضوا حكمهم علينا فرضا، تجدهم يعيشون فى مغارات وكهوف وانفاق، لا تقشفا وزهدا بل خوفا من انكشاف أمرهم فى النور. ويغلفون رؤوسهم ولا تبدوا منهم غير اعينهم المتعطشة الى الدماء. يجندون صغار الشبان اليافعين ويغرونهم بالحور العين، والقصور، والغلمان المخلدين، كاللؤلؤ المنثور، وانهار من العسل والخمور، واذا ما فجروا أنفسهم بين حشد من البشر دون مراعاة لطفل او لشيخ او امرأة، عامل او رجل أعمال، حلاق او بقال، فتسيل الدماء مدرارا، وتدمر المساكن وأماكن العمل والارتزاق، ومحطات الماء والكهرباء، والمساجد والكنائس والمعابد والمدارس والمستشفيات. وقسم آخر من قادتنا يرتدون ملابس رجال الدين وأعمالهم يأنف منها الشياطين، ويقولون عن استكشاف الفضاء هو حرام ومن عمل الشيطان واعتداء على قدسية الخالق الجبار العظيم. واذا ما جاءهم سائل يقولون له اصبر فسيرزقك الرزاق الكريم، ولا يعطوه شيئا مما سلبوه ونهبوه واغتصبوه من آخرين، ويكدسون الذهب والفضة فى خزائنهم، ويأمرون الناس بالانفاق فى سبيل الله، وأن يدفعون لهم الخمس والصدقة والزكاة ثمنا لجنة موعودة، ليزيدون فى ثرائهم ويزداد الناس فقرا وتعاسة. يعالجون انفسهم وذويهم فى بلاد (الكفر) ويطلبون من الفقراء الصبراذ لن يصيب الانسان الا ما كتبه له رب العزة الذى يشفى المرضى ويطعم الجائعين. والأم التى لا تستطيع علاج وليدتها فى اوروبا لعدم توفر ثمن العلاج الباهض الذى يطلبه اخوانها فى الدين، فانها ستعتبر كافرة اذا ما عالجتها فى اسرائيل بالمجان، بينما هم يعالجون من قبل أطباء مسيحيين ويهود ووثنيين فى اوروبا وأمريكا.

وفى هذه الأثناء أيضا، تستمر مركبة الفضاء (فينكس) فى عملها. وبعد فترة وجيزة ستبدأ باغتراف التربة و تحليلها وارسال نتئج التحليل الى الأرض، حيث تتلقفها المختبرات المختصة و تدرس ويعلن عن النتائج التى قد تفيد البشرية جمعاء. ادمغتنا والأدمغة التى صنعت هذه المركبة كلها من صنع الله الواحد القهارالذى علم الانسان ما لم يعلم، ولكن ما داؤنا، ما طبنا، وهؤلاء اناس مثلنا، فلماذا نحن نتقهقر وهم يتقدمون، لماذا هم ينظرون الى الأمام ونحن نلوي رؤوسنا ونجهد أنفسنا بالنظر الى الخلف ونبكى على الأطلال؟ ولماذا نكره كل جديد و نصر على البقاء فى العصر الحجري؟

عاطف العزي