صادف يوم 31 أيار- مايو من كل عام ما أطلق عليه quot;اليوم العالمي لمكافحة التدخينquot;. وهذا تقليد جرت عليه منظمات حكومية وأهلية ومؤسسات علمية وأفراد في مختلف بلدان العالم، وبمواضيع مختلفة الغرض منها لفت النظر من أجل محاربة هذه الظاهرة أو تشجيع تلك. ومن الظواهر الإجتماعية التي أصبحت مشكلة كبيرة تهدد صحة الفرد والمجتمع بشكل كبير هو تدخين التبغ.


والتبغ يصنف الآن ضمن المواد المخدرة التي يؤدي تعاطيها إلى الإدمان عليها. فهو يقتل حوالي 4-5 ملايين شخص سنويا، ومن المتوقع أن يصل إلى 10 ملايين سنويا في عام 2020 وهو ما يفوق ضحايا مرض الأيدز. ويصل عدد المدخنين في السعودية مثلا إلى ستة ملايين مدخن، يتوفى منهم 20 ألفا سنويا، وفي منطقة الخليج مجتمعة يصل العدد إلى 30 ألف. أما في ألمانيا فقد بلغ عدد ضحايا التدخين عام 2006 فقط 42348 شخصا. وهو عدد كبير لا شك علما أن عدد سكان ألمانيا يفوق سكان السعودية بأكثر من الضعف بقليل، ولكن قد لا يتم إثبات الوفاة بطرق الكشف الصحية التي تنسبه إلى أضرار التدخين في المملكة، كما هو الحال في ألمانيا.


ولا حاجة إذن لتعداد أضرار التدخين الصحية مفصلا سواء على متعاطيها بصورة مباشرة، أو ذلك الذي يتعاطاها بالإكراه نتيجة تأثره بدخان المتعاطي بصورة مباشرة. أما أضراها الإقتصادية على ميزانية الفرد أو الأسرة أو المجتمع بأكمله فهي باهضة جدا. فقد وصل حجم الإنفاق الحكومي السعودي على علاج المدخنين ومرضى السرطان الناتج عن التدخين إلى 30 مليار ريالً خلال الأعوام العشرة الماضية. هذا على صعيد دولة على سبيل المثال، أما على صعيد الفرد، فلو افترضنا أن مدخنا يحرق علبة سكائر بعدد عشرين سيكارة في اليوم وهو معدل معظم المدمنين عليه، وأن سعر العلبة يساوي 3 دولارات كمعدل معقول أيضا في العالم، فإنه سينفق 90 دولارا في الشهر، وما يصل إلى 1095 دولارا سنويا، من ميزانيته أو ميزانية أسرته، فضلا عما ينفقه على صحته وعلاجه عن أضرارها، وما سيلحقه من ضرر على أسرته وعلى المجتمع.


إن مسؤولية محاربة التدخين تقع على عاتق جميع المؤسسات الحكومية والمدنية، ومنها بصورة خاصة وسائل الإعلام. ومسؤولية هذه الأخيرة قد تكون الأخطر، ذلك لأنها يمكن أن تنقل صورة جذابة للسكائر من خلال الترويج لها بإعلانات مدفوعة الثمن، أو من خلال عرض الأعمال الفنية التي تظهر بعض نجوم المجتمع ومشاهيره مثل نجوم السينما والتلفزيون وهم يتعاطون التبغ في بعض الأعمال الفنية أو في مشاهد إخبارية عنهم. الأمر الذي يجذب الشباب إلى تقليدهم.


ونفس الدور ينطبق على باقي وسائل الإعلام من صحف مطبوعة ومواقع انترنت ومحطات إذاعية التي يمكن أن تروج بصورة مباشرة أو غير مباشرة له.
يتم الآن في معظم دول العالم الصناعية، حظرا للتدخين في الأماكن العامة من شركات ومكاتب ودوائر رسمية وغير رسمية، ومحطات النقل العام والخاص ووسائلها. إلى سنوات قريبة كانت هناك أماكن وأجنحة مخصصة للمدخنين في القطارات والمطاعم وغيرها، في سياسة للعزل بين المدخنين وسواهم، وفي خطوة لحصر أضرار التبغ، لكن الأمر الآن قد تطور ليصل إلى حظره في كل هذه الأماكن. ومن أنواع الحظر الأخرى هي منع بيعه (الكحول أيضا) لمن هم في سن دون 18 سنة.


وهذه الحملات ساهمت في زيادة الوعي لدى العامة من الناس، بحيث وصل الأمر إلى أن نشاهد العديد من الحالات التي يقف فيها شخص بباب بيته أو باب العمارة التي تقع فيها شقته ليدخن سيكاره خارج البناية مهما كانت طبيعة الطقس.
كان الأمر الشائع أن التدخين حق شخصي، ولكن رفض التدخين أيضا أمر شخصي، وحق يجب أن يكفله القانون. أي من حقي أن لا أدخن بالإكراه من خلال استنشاق دخان غيري. والمؤسف أن البعض من الجهلة في مجتمعاتنا لازال يكره أفراد أسرته بمن فيهم الأطفال الرضع على استنشاق دخان سيكاره من خلال التدخين في فضاء المسكن الذي يلمهم.


فكم نحن بحاجة إلى حملات وحملات للتوعية بمخاطر وأضرار التدخين؟؟

وإن على وسائل الإعلام كافة أن لم تساهم بهذه الحملات، أن تكف عن الترويج للدخان وأهله.
نتطلع إلى تشريعات قانونية أشد من أجل حصر التدخين وأضراره تصل حتى إلى حذف المشاهد التي يظهر فيها الممثل يدخن، مالم يكن غرض المشهد هذا محاربة التدخين، فضلا عن محاسبة وسائل الإعلام التي تروج بطريقة وأخرى.

د. حميد الهاشمي
رئيس تحرير مجلة علوم إنسانية
WWW.ULUM.NL