التنازلات الكبيرة التي قدمتها قوى 14 مارس في اللحظات الاخيرة من اجتماع الدوحة و بعد بيان المعارضة المفاجئ الذي وزعته من دون ابلاغ المضييفين القطريين ما زال يثير تساؤلات كثيرة عن خفايا و ملابسات هذا التبدل السريع في المواقف وقبول ما رفض طيلة الاشهر المنصرمة وفي المقدمة منح حزب النصر الالهي و حلفائه الثلث المعطل في الحكومة الجديدة المرتقبة.


وربط مراقبون هذا التطور بتراجع دور اللاعب الاميركي وضعف تأثيرادارة الرئيس بوش على مجرى احداث المنطقة، مشيرين الى ان واشنطن عجزت عن استخدام ثقلها الديبلوماسي لاقناع حلفائها بخوض سياسات ومسارات مختلفة.
وبالتأكيد ان موقف الاغلبية الديمقراطية الجديد الذي يخرج عن سياق المبادرة العربية التي فشل في تسويقها امين عام الجامعة العربية عمرو موسى ما كان سيتخذ لولا موا فقة القوى العربية الداعمة لها وفي مقدمتها السعودية و مصراللتان تصديتا بقوة وقاومتا التدخل السوري السافرفي الازمة اللبنانية بدفع حلفائها الى التعطيل وفرض الشروط التعجيزية.


ومن الواضح ايضا ان رئيس الحكومة القطرية ووزير خارجيتها حمد بن جاسم لم يكن ليتولى الوساطة بين اللبنانيين من دون حصوله على موافقات كثيرة، ولقد كشف القطريون انه كان يجري اتصالات لم تتوقف ابدا مع السعوديين والايرانيين و السوريين و في كل الاتجاهات، وهو ما يعني ان الاطار الاقليمي و من ثم الدولى كان العامل المحدد لمسار الحوار و اتجاهاته على ايقاعات مخاوف نشوب حرب اهلية اوسع بعد نقض حزب الله لتعهداته بعدم استخدام سلاحة في الداخل.


لقد اعتبر المبعوث الاميركي السابق للشرق الاوسط دنيس روس اتفاق الدوحة quot; كارثةquot; على واشنطن لانه quot; يمنح حزب الله قوة سياسية لا سابق لهاquot; في تأريخة، قائلا quot; ان هذا سيفتح الافق على لبنان مختلف وبآلية سياسية جديدةوتحديات اكبرquot;.


ولعل الاستناج الاكثر اهمية الذي ذكره روس وهومؤلف كتاب quot; صناعة السياسة: كيفية استعادة اميركا موقعها في العالم quot; الذي سيصدر قريبا هو quot; ان اتفاق الدوحة و الاعلان السوري ndash; الاسرائيلي يعكسان بوضوح تواري التأثير الاميركي كلاعب اساسي في المنطقة واستغلال لاعبين اصغر مثل قطر و تركيا لهذا الامر و أخذ مواقع قياديةquot; وهو نفس الاستنتاج الذي كان توصل اليه مساعد وزير الخارجية الاميركي الاسبق مارتين انديك الذي قال ان العواصم العربية لم تعد حينما ترسم سياساتها تعير اي اعتبار للمصالح الاميركية في المنطقة بسبب اخفاق ادارة بوش في العراق.
في السياق نفسه ربط المحلل الاسرائيلي روعي نحمياس بين عودة المفاوضات مع سوريا و اعلان الدوحة معتبرا quot; ان الامرين من صنع الرئيس بشار الاسدquot; موضحا quot; القاسم المشترك بين الحدثين واضح: بصمات الاسد الكبيرة فيهما، اذ لو لم يكن راغبا في ما يحدث لما ولد اتفاق الدوحة الذي منح حليفه نصر حق الفيتو على قرارات الحكومة في بيروت، ومهد الطريق امام صديقه القديم الجنرال ميشال سليمان للقصر الجمهوري في بعبدا، وهذا ما اراده الاسد في اسطنبولquot;.


وبتصور روس ان خطأ بوش الاكبر في المنطقة كان في quot; تضخيم الاقوال وغياب الافعالquot; خاصة على الساحة اللبنانية حيث لم تقدم ادارته ما يكفي لدعم لدعم الاكثرية الديمقراطية في لبنان او تنفيذ القرار1701 بمنع تدفق الاسلحة على حزب الله، وقال ان quot; ايران وحزب الله لم يكترثا لرد فعل واشنطن قبل تنفيذه انقلابهما العسكري في بيروت لادركهما بانحسار القدرة الاميركية اقليميأ.


وحتى الان لم يتضح الموقف الاميركي من اتفاق الدوحة عدا ترحيب مساعد وزيرة الخارجية ديفيد ولش به ووصفه بأنه quot; خطوة ايجابية و ضروريةquot; وهو ما يتعارض مع ما نقلته مصادر دبلوماسية عن quot; مشاعر خيبة امل لدى ادارة بوش من نتائجه وبشكل خاص اعطاء المعارضة الثلث المعطلquot; وابلاغها الكاردينال نصر الله صفير الذي كان يزور العاصمة واشنطن quot; قلقها من تنامي قدرة حزب الله كدولة داخل الدولة quot; و كذلك quot; استياءها من عدم قيام الاوربيين بادراج حزب الله على لائحة الارهابquot;.


الغموض يبقى اذن سيد الموقف الاميركي فيما يخص اتفاق الدوحة و المفاوضات السورية ndash; الاسرائيلية التي ستتواصل بعد 10 ايام في اسطنبول، ومتغيرات لوجستية وسياسية و امنية ملموسة في الساحة العراقية،ومعلومات متدفقة عن مفاوضات تجري في السرلترتيب و تسوية الملف النووي الايراني باعطاء ضمانات بعدم التعرض لنظام الملالي او اسقاطه والقبول به لاعبا اقليميا وهو مايثيرويستفز المزيد من الاسئلة عما تفكر به ادارة بوش و ما تزمع عمله فيما تبقى لها من اشهروما اذا كانت ستشهر استسلامها امام المد المتصاعد لتيارات التشدد في الساحات العربية الستراتيجية؟.

محمد خلف