مرت العلاقات الإيرانية - المصرية خلال القرن الماضي بمراحل مختلفةlsquo; تراوحت بين التطور الذي بلغ حد التصاهر بين نظامي الحاكم في البلدين في مرحلة ما lsquo; و بين القطيعة الكاملة والدخول في حرب سياسية وأمنية شديدة في مرحلة أخرى. و كنموذج لمتانة العلاقة التي شهدها البلدان lsquo; يمكن ذكر زواج ولي عهد إيران ( شاه إيران فيما بعد ) الأمير محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية أخت الملك فاروق سنة 1939مlsquo; حيث أثمر هذا الزواج lsquo; الذي جرى بترتيب من المايسترو البريطاني الذي كان مهيمنا على البلدين آنذاك lsquo; عن أنجاب quot; الأميرة شهنازquot; lsquo; لتكون همزة وصل بين نظامي الحكم في البلدين. إلا ان هذا الزواج لم يدم طويلا حيث وبعد ان أدى غرضه المنشود جرى طلاق الإمبراطورة المصرية من الشاه الإيراني سنة 1945 مما ترك ذلك أثرا سلبيا على العلاقات بين البلدين و دفع بإيران للاعتراف بدولة quot; إسرائيل quot; عند إعلانها سنة 1948مlsquo; مما زاد في الانخفاض مستوى العلاقات بينهما.


و مع قيام ثورة يوليو 1952م. و تولي الزعيم جمال عبد الناصر زمام الأمور وتصاعد المد القومي العربي lsquo; فقد اتخذت إيران موقفا عدائيا من عبد الناصر( رغم انه متزوج من إيرانية هي السيدة تحية كاظم أبنت تاجر سجاد إيراني ) الأمر الذي تسبب و لأول مرة سنة 1963 في قطع العلاقات بين البلدين. و لما تعرضت مصر للعدوان الثلاثيlsquo; وقفت إيران إلى جانب دول العدوان lsquo; وهكذا فعلت في حرب 1967م lsquo; وقامت بمد الكيان الصهيوني بالنفط. وبالمقابل فقد دعم عبد الناصر المعارضة الإيرانية ضد الشاه و أيد ثورة مصدق بقوة. ( أورد تفاصيل ذلك الدعم كل من المرحومquot; فتحي الديب quot; lsquo; رجل عبد الناصر ورسوله لدى كل الثورات وحركات التحرر العربية والأجنبية في كتابه quot; عبد الناصر والثورة الإيرانيةquot;.lsquo; و quot; مصطفى شمران quot;lsquo; وزير الدفاع الإيراني في عهد رئاسة أبو الحسن بني صدر lsquo; في كتابة المعنون quot; لبنان quot;).


ومع اعتلاء الرئيس الراحل أنور السادات سدة الحكم في مصر عام 1970lsquo; عادت العلاقات بين البلدين إلى مجاريها وأصبحت في آخر أيام الشاه حميمية للغاية حيث تبادل الشاه والسادات الزيارات بينهما lsquo; خصوصا بعد ان قطع العرب علاقاتهم مع مصر نتيجة توقيعها اتفاقية quot; كمب ديفيد quot; مع الكيان الصهيوني lsquo;. وعندما هرب الشاه محمد رضا بهلوي من إيران اثر قيام الثورة الشعبية ضده عام 1979م وأصبح تائها يتنقل بين البلدان أملا في ملجأ يؤويه, احتضنته مصر حتى حين وفاته عام 1980م ودفن في المقبرة الملكية بجامع الرفاعي الشهير في القاهرة.


و في هذه الفترة دخلت العلاقات الإيرانية المصرية مرحلة جديدة سادها التوتر الشديد بين البلدين. فنظام الثورة الإيرانية كان مصرا على ان تقوم مصر بتسليمه الشاه الهارب lsquo; غير ان السادات كان يرفض ذلك وهو ما وجدته إيران فرصة لكي تقوم بشن حرب إعلامية وسياسية ضد مصر متذرعة باتفاقية كامب ديفيدlsquo; ما حدا بالسادات إلى الوقوف بجانب العراق في الحرب 1980- 1988م التي شنتها إيران ضده تحت شعار quot; تحرير القدس يمر عبر تحرير كربلاء quot;lsquo;.


و قد وجد النظام الإيراني في التعاطف الشعبي المصري مع الثورة الإيرانية التي رفعت شعار الإسلام lsquo; فرصة لمد خيوط العلاقات مع منظمات الإسلام السياسي المصرية lsquo; تنظيم الجهاد lsquo; الإخوان المسلمينlsquo; الجماعة الإسلامية,, lsquo; في إطار مشروع تصدير الثورة. ولهذا فقد قامت طهران عام 1980م بقطع كامل علاقاتها السياسية مع مصر. وقد اقسم آية الله الخميني حينها قائلا : quot; أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تعيد علاقات بمصر إلا إذا مزقت الأخيرة اتفاقية كامب ديفيدquot;،. وعند مقتل السادات عام 1981م ابتهجت إيران واعتبرت قاتله quot; خالد الاسطنبولي quot; بطلا إسلاميا وأطلقت اسمه على احد الشوارع الرئيسية في طهران وبنت له جدارية كبيرة نصبتها على مقربة من السفارة المصرية.


و قد تعرضت مصر طوال العقود الثلاثة الماضية لأعمال إرهابية عديدة lsquo;ذهب ضحيتها الكثير من المدنيين الأبرياء وألحقت أضرارا بالمصالح الاقتصادية والأمنية المصرية. وقد أثبتت التحقيقات ان اغلب تلك الجرائم الإرهابية كانت مدعومة من قبل أجهزة المخابرات الإيرانية lsquo;وذلك بحسب الأدلة والشواهد التي قدمتها السلطات المصرية lsquo;ومنها اعترافات العناصر التي كان قد تم تدريبها و تمويلها من قبل أجهزة المخابرات الإيرانية وجرى دفعها للقيام بإعمال معادية ضد مصر.
ولعل من بين تلك الشواهد يمكن ذكر قضية quot; محمود عيد دبوس quot; العميل المصري الذي حكم عليه عام 2004م بالحبس 35 عاما بعد ان تم إلقاء القبض عليه و اعترافه بالتجسس لحساب شبكة إرهابية تعمل لصالح الحرس الثوري الإيراني lsquo; و يرأسها الدبلوماسي في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهر الضابط الحرسي quot; محمود رضا حسن دوست quot;. و لكن رغم كل تلك الاعتداءات الإيرانية إلا أن مصر بقيت ممسكة بأعصابها ولم ترد بالمثل، مما اعجز إيران من إظهار تعرضها ولو لمرة واحدة لعمل معادي تثبت لمصر دور فيه.


وبعد موت الخميني وتولي ثعلب السياسة الإيرانية quot; هاشمي رفسنجاني quot; رئاسة الجمهورية lsquo;جرى في سنة 1991م استئناف العلاقات بين طهران والقاهرة على مستوى مكتب رعاية المصالح، وظلت العلاقات مستمرة على هذا المستوى منذ ذلك الحين.
وعند قيام إيران عام 1992م باستكمال احتلالها لجزيرة أبو موسى الإماراتية lsquo; دفع ذلك مصر للتحرك على صعيد الأروقة الدولية للحيلولة دون تطور الأزمة وبنفس الوقت طالبت بضرورة إنهاء إيران لاحتلالها الجزيرة الإماراتية مما أدى بطهران لشن حملة إعلامية مكثفة على مصر، متهمتا أيها مجددا بالعمل ضمن المحور الأمريكي للسيطرة على الخليج بحسب زعمها.


ومع تولي محمد خاتمي سدة الرئاسة وصعود التيار الإصلاحي الذي حاول تلميع صورة إيران و إظهارها بمظهر الاعتدال وقبولها لمشروع السلام في المنطقةlsquo; فقد سعت طهران نحو التقارب مع مصر، وقد رحبت القاهرة بالخطوة الإيرانية ولكن بحذر. وقد جرى على هامش اجتماع القمة العالمية الأولى لمجتمع المعلومات فى جنيف فى كانون الأول /2003 م لقاء بين الرئيسين lsquo; محمد حسني مبارك و الإيراني محمد خاتمي lsquo; وكان هذا أول لقاء بين رؤساء الدولتين منذ ربع قرن وهو اللقاء الذي أعقبه قيام إيران في ديسمبر 2004م بتسليم قادة الجماعة الإسلامية quot; مصطفى حمزة quot; و quot; رفاعي طه quot; إلى مصر. و كان ذلك دليل واضح على إيواء إيران للكثير من قادة وعناصر التنظيمات المصرية المسلحة التي تعمل على قلب نظام الحكم.


إلا ان هذا التقارب بين البلدين سرعان ما توقف بعد ان أبدت مصر امتعاضها الشديد من التدخل الإيراني السافر في الشؤون العراقية والذي أخذ منحا خطيرا يهدد وحدة العراق ويدفع به نحو الحرب الطائفية. وقد ردت إيران على ذلك بدفع المليشيات الطائفية الموالية لها عام 2005م للقيام باختطاف السفير المصري في بغداد quot; إيهاب الشريف quot; وقتله lsquo; الأمر الذي جعل الرئيس المصري حسني مبارك quot; و في حوار أجرته معه قناة (العربية) الفضائية في سنة 2006م quot; ان يصف الوضع في العراق وبكل صراحة lsquo;بأنه أقرب إلى حرب أهلية، وحذر من أنها قد تمتد إلى خارج الحدود العراقية، واعتب صراحة ان الشيعة فى العراق موالون لإيران.


و في عام 2007 lsquo; وحين كانت مصر تقوم بالعمل على رأب الصدع بين الأطراف الفلسطينية lsquo; اعتمادا على ثقلها الإقليمي والدولي وعلاقاتها الوطيدة بأغلب الحركات الفلسطينية lsquo; وكانت على وشك ان تنجح في مساعيها الحميدة lsquo; فان إيران كانت قلقة جدا من نجاح المساعي المصرية lsquo; ولهذا فقد دفعت بحركة حماس لتنفيذ انقلابها المدعوم إيرانيا على السلطة الوطنية الفلسطينية lsquo; وذلك من اجل إرباك مساعي الوساطة المصري وخلط الأوراق اللعبة السياسية.ولكن القيادة المصرية بحكمتها المعهودة وخبرتها الطويلة في التعاطي مع الملف الفلسطيني lsquo; تمكنت من استيعاب واحتواء ما أفرزته عملية حماس الانقلابية وتمكنت مرت أخرى من إفشال المخطط الإيراني.


لقد حاولت إيران كثيرا أن تأخذ دور مصر في المنطقة، خصوصا بعد انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان، والذي أعطي الفضل فيه إلى حزب الله الموالي لها. حيث حاولت القيادة الإيرانية آنذاك، استغلال هذه النقطة لتحقيق هدفها، إلا إنها فشلت في ذلك وعادت مصر للقيام بتنشيط دورها في القضية الفلسطينية، إضافة إلى تنشيط دورها في المنطقة العربية عامة، وقد اخذ هذا الدور يشهد تصاعدا خاصة بعد احتلال العراق و هو ما عزز من مكانة مصر ودورها في النظام الإقليمي والدولي.
وقد ثبت لقادة النظام الإيراني بعد تجربة طويلة أنه لا يمكن لمشاريعهم التوسعية الرامية إلى فرض الهيمنة الفارسية على المنطقة أن تنجح في عزل أو تحييد مصر أو ثنيها عن القيام بواجبها القوميlsquo; وتحديدا في منطقة الخليج العربي وفلسطين. لهذا فقد وجد الإيرانيون أن الدور المصري في الساحة العربية أمر واقع وان العرب لا يمكنهم ومهما بلغت خلافاتهم، الاستغناء عن دور مصر في دعم قضاياهم الخارجية وحل خلافاتهم الداخلية lsquo; و ان إيران مهما عملت فإنها لن تستطيع أن تحل محل مصر في المنطقة. lsquo;لذلك فقد أصبحت إيران اليوم هي من يسعى وراء إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر بعد ان كانت البادية في قطعها lsquo; وقد كررت إيران في منتصف مايو آيار الماضي lsquo; وعلى لسان رئيسها احمدي نجاد lsquo;استعدادها لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر. فقد صرح احمدي نجاد quot; إننا على استعداد لاستئناف علاقاتنا الدبلوماسية مع مصر وفي حال أبدت الحكومة المصرية استعدادها لذلك فإننا سنفتح سفارتنا في اليوم نفسه quot;.


من جانبها، رحبت الخارجية المصرية بتصريحات الرئيس الإيراني lsquo; و وصف الوزير احمد أبو الغيط هذه التصريحات بأنها quot;ايجابيةquot;lsquo;. إلا ان مصر اشترطت قبل التفكير في تطبيع كامل العلاقة بينها وبين إيران أن تثبت الأخيرة حسن نواياها وجديتها بالعمل لإعادة الأمن والاستقرار إلى العراق وتكف عن تدخلها في الشؤون العربية.
ولكن هل تستطيع إيران ان تلبي هذا الشرط المصري الذي يشكل مطلبا عربياlsquo; أم أنها سوف تسد أذانها و تستمر في مؤامراتها أملا في تحقيق أهدافها المشئومة؟


صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي

rlm;05rlm;/06rlm;/2008