مشكلة العراقيين مع ' تجار دروب ' الصعود الى السماء، كثيرة ومتشعبة حد التقاطع التام وأن تشابهت النتائج في الموت والقهر والاقصاء والابعاد وكل سمات التفرقه. فكل من حكم العراقيين بشرهم بالحياة الكريمة والعزة والرفعه والكرامه والذرى واللبن والعسل وحور العين، لكن كل ذلك يتم من خلال طرق السماء ' الاستشهاديه ' او حتى ' الانتخابيه ' وليس في مفردات حياتهم اليومية، لذلك ترى العراقي هو الاغنى بالثروات لكنه الافقر على الاطلاق والاكثر عوز!! ويبقى المبشرون هم المتغير في المعادلة العراقية بالهيئة بين اصحاب ربطات العنق او بدونها وبين اصحاب الزيتوني او ' غيرها ' وبين اصحاب الاحزاب اليسارية او اليمنية وبين الاحزاب ' القومجية و الاسلامجية!! '. لكن بذات الوقت يبقى الثابت في هذه المعادلة هي معاناة الشعب العراقي وتضحياته الانسانية والوطنية الجسام التي تدفع دائمآ في الزمان والمكان الغير مناسب اطلاقآ. او بشكل غير منظم فتذهب سدى او يتم استغلالها من قبل نموذج ' الانتهازية الثورجيه ' المشهورة في التاريخ الانساني العام والعراقي منه على وجه الخصوص.

اليوم في العراق يتم تداول ' فقط ' مامسموح به للتداول بخصوص المعاهدة العراقية الامريكية المزعم توقيعها. وحقيقة الامر هذا الموضوع يحمل في طياته من الخطورة مايعجز من تشخصيه الكثير من مراكز البحوث والدراسات المتقدمة في العالم. والسبب الجوهري في هذه الخطورة ان مثل هكذا معاهدات كل حرف فيها له معنى ودلالة. فكيف يكون الحال مع كل كلمة او كل سطر او نقطة ومحور وصفحة وملف وحتى مع اللغة التي ستكتب فيها مثل هكذا اتفاقيه تاريخيه بكل معنى لكل حرف!! لذلك اسجل استغرابي ان مثل هكذا موضوع مصيري وخطير قد تم تناوله من قبل بعض اعضاء البرلمان والحكومة العراقية في الاعلام بكل سهولة ويسر واسترخاء واجزم انهم لو تكلموا عن غياب الخدمات وشحة الوقود وانقطاع الكهرباء والماء وغياب مفردات الحصة التمونية والاختلاسات التي تجري في البلد كل يوم وكل ساعة وبارقام فلكيه لكان حالهم اكثر تعصب وانحسار وضعف. فمن اين جاءتهم كل هذه ' الاريحيه ' في تناول هكذا موضوع مصيري وخطير!!، واكثرهم لايملك اي مؤهل علمي او أدنى خبره مطلوبه في مثل هكذا امور خطيره ومصيريه. هل سبب ذلك هو عدم المسؤولية!؟ او عدم الانتباه لخطورة الموقف!؟ او انها مواقف مدفوعة الثمن مسبقآ!؟ او انها مجرد رغبة للظهور والبروز ليس اكثر!؟ كلها اسئلة منطقية يجب ان تملأ فراغاتها باجوبة لاتقل اهمية عن الاسئلة نفسها، اذا كانت اصلآ لاتزيد عليها أهمية. و ليس الضرورة من طرح هذه التسأولات تبني احدها او جميعها. لكن الجامع في مثل هكذا اسئلة يجب ان يكون هو الاهم من خلال طرح السؤال الاكبر ' ماهي مصلحة العراقيين في مثل هكذا معاهدة؟ وكم حجم الفائدة لحاضرهم ومستقبلهم؟.

للاجابة على مثل هكذا سؤال اولا يجب الاطلاع على تفاصيل كل هذه المعاهدة، فليس من المعقول ان يتم التعامل وتحليل المعاهدة من خلال الاربعة بنود التي سربت الى الاعلام، فما هذه البنود ' السائبه ' الا جرعة خفيفة لامتصاص زخم التساؤلات التي بدات تتسرب الى راس الشخص العراقي. واذا كان هناك من رأي ' فقير ' يصر ان هذه فقط هي بنود الاتفاقية ليس اكثر فعلينا نحن العراقيين اولا ان نوقع فورآ. وثم علينا ان نغير قناعتنا فورا ونحول الولايات المتحدة الامريكية من الدولة العظمى الاولى في العالم الى اكبر ' جمعية خيرية ' ولاهذا ولاذلك له قدر ضئيل من الصحة والصواب. لذلك يجب ان تعرض هذه المعاهدة بكل وضوح وبلغة عربية واضحة على الشعب العراقي. وليس من الحكمة حصر الامور فقط بموافقة الحكومة العراقية والبرلمان العراقي. لان في ذلك انحراف كبير وخطير للعملية الديمقراطية والدستورية نفسها والتي في واقع الامر ' ورطتنا ' نحن العراقيين باغلبية اعضاء البرلمان. واثبتت الظروف والاعوام الخمسة السابقة ان اغلبهم ينظر الى العراق او الى المنصب وكأنه ' غنيمه ' يجب الاستفادة منها قدر المستطاع وفي اسرع وقت ممكن هو وعائلته وعشيرته وحزبه.!! ثم حتى العملية الديمقراطية الصحيحة لاتخول البرلمان المنتخب في اي دولة في العالم ان يعطي لنفسه الحق بالتصرف والتوقيع على هكذا امور خطيرة ومصيريه. ومثال بسيط على ذلك كل الشعوب الاوربية مارست حقها الانساني والدستوري للتصويت على تغير عملتها المحلية الى اليورو. ودول مثل الدنمارك والسويد مازالت حتى يومنا ترفض شعوبها من خلال التصويت الموافقة على تبديل عملتها المحلية ' الكرونه '.

حقيقة الامر العراق بحاجة الى معاهدة ستراتجية كبرى مع الولايات المتحدة الامريكية ويجب ان تشمل الجانب الاقتصادي والامني والعسكري والسياسي والعلمي وحتى الرياضي. لان في ذلك حائط صد قوي ومتين لاطماع الكثير من دول الاقليم العربي والاسلامي وحتى الدولي على حد سواء ودون اي استثناء. فالعراق كان قبل نيسان 2003 ' مكرمة من القائد الرمز ' لكل من هب ودب وخاصة بعض الدول العربية على وجه الخصوص، واليوم العراق على أيدي البعض من التوابع هو مجرد ولايه تلحق مرة بدول الجوار من جهة الغرب واخرى من جهة الشرق كلا حسب ولائه وذيوله، وبعض المقاومين لهذه التوجهات البائسة من داخل العملية السياسية، يلاقون الصعوبات الكبرى من هولاء التوابع. واذا كان لابد من اختيار قسري ومن باب الافتراض بين هولاء التوابع الاقليمي العربي وغير العربي فاعتقد الافضل ان يكون العراق ' ومع الألم و الاسف الشديد ' ولاية امريكية على ان يكون ولاية ' أقليمية '. والاسباب لهذا الاختيار القسري الموجع كثيرة ومتشعبة. لكن كل هذه الاطراف الاقليمية والدولية تقع في وهم كبير اذا نظرت الى العراق من هذه الزوايا الضيقة جدا ومن خلال وضعه الحالي. فالعراق مثل شعبه ' صعب المراس ' لذلك ستنقلب الامور على الاخرين في اقرب فرصة ممكنة. لذلك يجب اولا ان تكون المعاهدة مع الامريكان واضحة البنود دون أدنى ألتباس او تأويل. وثم في الوقت التي تحفظ هذه المعاهدة حقوق العراق وثرواته من جيرانه واقليمه اولا ومن الاطماع الدولية، يجب بنفس الوقت ان لاتعطي اشارات مزعجة او بوادر تهديد للجيران، فقد يكون مجرد التلويح بقوة المعاهدة هو الرادع القوي لهولاء الجيران. ان للامريكان مطالبهم الواضحة في ثروات العراق النفطية، وهذا ليس خطأ او خطير اذا تم التعامل معه على اساس مبدأ التبادل المنفعي المشترك بين العراق وامريكا. لكن هل الوضع العراقي الحالي يعطي الامكانية الكاملة الى من يتفاوض باسم العراق بضمان حقوق هذا الشعب الذي عانى الويلات والضيم الكثير؟ ان وجود الامريكان على الارض بحجمهم الحالي يعطي عناصر قوة لهم ويفقد عملية التفاوض ' أن وجدت ' توازنها المطلوب. لذلك أجد ان الحل المناسب في الوقت الحالي قد يكون بتبني اعلان مبادىء كخطوة عملية لمعاهدة توقع بين البلدين في المستقبل القريب وبعد ان يكون العراق البلد في وضع احسن واقوى، اما استعجال البعض فليس له اي تفسير سوى الحفاظ على المقاعد. تلك ' المقاعد الهزازة ' في تاريخ بلد مثل العراق. فالامريكان اضافة الى عينهم الاولى على الاحتياط النفطي الهائل للعراق، فانهم ايضا يطالبون بالسماء الثانية للعراقيين وهم لايبشرون بالجنه والعسل واللبن وحور العين كما يفعل القومجية والاسلامجية، بل يريدون الاجواء العراقية من 29 الف قدم فما فوق!! ومعنى ذلك في أقل تقدير ان مابين تلك الثروات و الارض ومابين هذه السماء الثانية سيكون تحت رحمتهم وتحت سلطتهم. وقد يجد نفسه اي عراقي يمشي في شارع الرشيد مثلا بين ساعة واخرى بين سماء وارض اخرى غير عراقية وبشكل قسري او سري!! وما المانع اذا كانت نفس تلك المعاهدة تعطي كامل الحصانة للجندي الامريكي. لذلك يجب التريث في الوقت الحالي والاكتفاء برادع اعلان المباديء وبشكل رسمي يبث اشارات كافية للطامعين بالعراق. وحتى يحين في المستقبل القريب وقت قطف وتوقيع المعاهدة الامريكية العراقية. دون الالتفات الى طنين ورنين بعض ابواق الاعلام العربي المنافق.

محمد الوادي
[email protected]