في ظل انعدام وجود رؤية واضحة لدى السياسيين اللبنانيين للمستقبل في لبنان، ومحاولات التملص من اتفاق الدوحة الذي تم بينهم بشق النفس الشهر الماضي؛ تنشط في الفترة الأخيرة في بيروت مساع حثيثة من المجتمع المدني لمواكبة الحركة المطلبية الحقوقية، وخاصة ما يتعلق بحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، لا سيما الحقوق السياسية منها، إذ تزيد نسبتهم عن الـ 10 بالمئة من تعداد المواطنين اللبنانيين، من الإعاقات الأربعة (حركية، سمعية، بصرية، وذهنية). هذه المتابعة التي تصب في خدمة quot;البيئة الدامجةquot; التي يسعى لتحقيقها اتحاد المقعدين اللبنانيين وشركاؤه في quot;شبكة الدمجquot; بإدارة جمعية الشبيبة للمكفوفين، ليكون الوطن للجميع ولكافة الفئات لا لجزء من أبنائه.


لقد عانى الأشخاص المعوقون وما يزالون يعانون من التهميش اللاحق بهم نتيجة بعض السياسات الخاطئة المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة على لبنان منذ إقرار اتفاق الطائف حتى اليوم، لكن هذه المرحلة الزمنية الطويلة نسبياً، مرت بصدور القانون 220/2000 الذي أطّر قانوناً لمجموعة كبيرة من الحقوق، بما فيها الحقوق السياسية للشخص المعوق ترشحاً واقتراعاً تحت مظلة شرعة حقوق الإنسان بشكل عام، إذ غدا من المحظور قانوناً أي تمييز تجاه الأشخاص المعوقين. كما أن الاتفاقية الدولية بشأن تعزيز حقوق الأشخاص المعوقين وكرامتهم، الصادرة عن الأمم المتحدة في كانون الأول 2006، والتي وقعت عليها الحكومة اللبنانية العام الماضي، ولم يصادق عليها مجلس النواب لغاية اليوم، تؤكد على هذه الحقوق، وتعتبرها بديهية.


فيما يتعلق بالحقوق السياسية للأشخاص المعوقين في لبنان، يعمل اتحاد المقعدين اللبنانيين، وجمعية الشبيبة للمكفوفين على عدد من البرامج والدراسات والمسوح الميدانية لمراكز الاقتراع فيما يخص احترام الاحتياجات الإضافية لدى الأشخاص المعوقين، وكذلك لما لذلك من منافع تندرج فيها فئات أخرى كثيرة منها المسنين والنساء الحوامل وغيرهم، وقد بدأت ملامح كثيرة لنتائج هذه البرامج تظهر لكنها وللأسف الشديد، كما ظهر من خلال حملة حقي المتكررة في الانتخابات البرلمانية عام 2005، والانتخابات الفرعية في 2007، كانت سلبية، إذ أن الحكومات المتعاقبة لم تراع هذه الاحتياجات، ولم تعمل جدياً على استصدار المراسيم التطبيقية المتعلقة بالحقوق الأساسية المسهلة لعملية الاقتراع الصحيح.


كما أن الاتحاد يسعى نحو تطوير المراسيم التطبيقية المتعلقة بقانون الانتخاب ربطاً بالقانون 220/2000، بغض النظر عن أي قانون للانتخاب سيصدر عن مجلس النواب في الفترة المقبلة.


انطلاقاً من حق المواطن، أي مواطن، مهما كانت قدراته واحتياجاته، الاندماج الكلي في المجتمع، والدمج بمفهومنا هو إيمان تام بقدرات الأشخاص وحقهم بالاختلاف والتنوع. ولقد أقرت لجنة الوزير فؤاد بطرس في نص مشروع القانون المقدم بوجوب العودة إلى أصحاب قضية الإعاقة، لا سيما المنظمات المدنية الحقوقية المعنية بهذه القضايا، للوقوف على المعايير الواجب اتباعها ليتضمنها المشروع. يهمنا هنا الإضاءة على النقاط التالية:

1.الحق بالترشح والاقتراع: يضمن الدستور اللبناني حق الترشح والاقتراع، وممارسة الحقوق السياسية للمواطنين كافة على حد سواء؛ وكذلك القانون 220/2000 والاتفاقيات الدولية ذات الصلة؛ ولا بد من التنويه هنا بالتعميم الصادر منذ شهرين عن وزارة الداخلية الذي تتبنى فيه حقوق الأشخاص المعوقين السياسية من حيث تسهيل عملية الاقتراع، الذي نأمل أن يأخذ طريقه إلى استصدار مرسوم يتضمن الآليات.
2.حق الوصول: وهو حق طبيعي لكافة المواطنين في الوصول والتنقل، وهو أحد الحريات العامة التي يضمنها الدستور، فكيف بالشخص المعوق عندما يريد ممارسة حقه الانتخابي؟ لكن التجربة أثبتت تعذر عملية وصول الشخص المعوق إلى قلم الاقتراع في كثير من الحالات، ومنها:
bull;عدم السماح له بركن سيارته في المكان الأقرب إلى باب قلم الاقتراع كما نص القانون.
bull;وجود عوائق كثيرة بين الشخص المعوق والوصول إلى قلم المركز الانتخابي، وقد بررت في كثير من الأحيان بالتدابير الأمنية المتخذة قرب هذه المراكز.
bull;عدم السماح له بمساعد يتوجه معه إلى داخل المركز الانتخابي.
bull;وجود أقلام الاقتراع على الطوابق العليا، مع وجود أدراج طويلة، مع انعدام وجود التجهيز الهندسي المناسب للاشخاص المعوقين للوصول بشكل مستقل إلى القلم.
بناء عليه، نرى أن أي قانون انتخابي ينبغي أن يتضمن حق الشخص المعوق في الوصول الآمن المستقل إلى المركز الانتخابي، ومن ثم إلى قلم الاقتراع.
3.الحق في الاقتراع الصحيح: ويقصد به الإمكانية التامة المستقلة عن أي تدخل من قبل اي شخص للتأثير على رأي الناخب المعوق باي شكل من الأشكال، بما يتضمنه ذلك من توعية مباشرة وغير مباشرة لرؤساء أقلام الاقتراع ومعاونيهم، ومندوبي المرشحين، كما ينبغي أن يلحظ القانون بعض الأمور منها:
bull;حرية الشخص المعوق باختيار مساعد له إن كان بحاجة لذلك، لا سيما في الإعاقات الذهنية، على أن يكون مساعداً لا وصياً على قراره. ويتحدد دوره في تفسير المطلوب القيام به، المساعدة على التواصل مع رئيس القلم، الإجابة عن أسئلة الشخص المعوق.
bull;تأمين كافة التجهيزات اللازمة لاقتراع الأشخاص الصم، والمعوقين بصرياً بما في ذلك رسوم لغة الإشارة، الكتابة بشكل واضح وكبير، إدراج صورة المرشح إلى جانب اسمه بشكل واضح وكبير، استعمال طريقة برايل لنماذج بطاقات الاقتراع.
bull;تكييف قلم الاقتراع بما يضمن للأشخاص المعوقين حركياً من مستعملي الكراسي المدولبة من التنقل من الباب إلى خلف الستار، وأن تكون الطاولة على علو يسمح باستعمالها من قبلهم، ومن ثم الوصول إلى الصندوق باستقلالية.
bull;وصول الشخص المعوق بشكل مستقل، أو بمساعدة من يرتأيه مناسباً لذلك، إلى خلف الستار العازل، وإمكانية اختياره لمرشحه بشكل سري ومستقل.
bull;وصول الشخص المعوق إلى الصندوق لإدخال ورقته الانتخابية فيه باستقلالية تامة.
4.إن السعي المشكور من قبل منظمي مؤتمر quot;نحو قانون انتخاب على قياس الوطنquot;، وعلى رأسهم الرعاية الكريمة لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان يؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان، تضمن حقوق الأشخاص المعوقين الذين همّشوا تاريخياً في بلدنا. وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال استصدار المراسيم التطبيقية المتضمنة لمعايير اقتراع تضمن استقلالية الشخص المعوق في عمليتي الوصول والاقتراع. لكننا نرى أنه من المهم جداً أن نعمل سوياً على إنشاء هيئة مستقلة دائمة تكون مهمتها متابعة مشاركة الأشخاص المعوقين في الانتخابات، ولا تستحدث يوم الانتخاب، بل هيئة من واجباتها:
bull;تأمين المعلومات اللازمة للجهات المعنية عن الأشخاص المعوقين وأنواع إعاقاتهم في المناطق من جهة، وتأمين المعلومات للاشخاص المعوقين عن مراكز الاقتراع وكيفية الاقتراع من جهة أخرى.
bull;رصد الانتهاكات الحاصلة قبل وأثناء عملية اقتراع الأشخاص المعوقين، والعمل الفوري على ملاحقة عملية التصحيحات اللازمة (البطاقات الانتخابية، لوائح الشطب، الوصول إلى المركز، الوصول إلى القلم، متابعة عمل رئيس القلم ومعاونيه، متابعة أداء المندوبين عن المرشحين، وغير ذلك).
bull;تأمين الاستشارات القانونية بما يخص القانون 220/2000 ومراسيمه التطبيقية من جهة، وقانون الانتخاب من جهة أخرى، اللازمة للأشخاص المعوقين قبل وأثناء عملية الاقتراع، وبعدها.
لدينا مقولة نرددها دائماً، quot;لا شيء يقرر عنا بشأننا من دونناquot;. وها قد أتت النقاط الإصلاحية التي تضمنها مشروع قانون لجنة بطرس لتؤسس لتغيير ما نحو الأفضل في مسار قوانين الانتخاب التي قيست في الماضي على قياس الجهات السياسية المتناحرة على مصالح خاصة، فئوية ومناطقية وطائفية.
أما اليوم، فلم يعد مقبولاً أن يعاد تهميش الأشخاص المعوقين كشريحة ليست بالقليلة العدد من الشعب اللبناني، ونسعى معاً نحو قانون انتخاب عادل لا يهمش فيه أحد، ولا يؤسس لمرحلة أخرى من التهميش. الفرصة اليوم سانحة أكثر من أي وقت مضى نحو الوصول إلى حقوقنا المشروعة، فلنعمل سوية على تحقيقها.


عماد الدين رائف