التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن الطريق المسدود لمفاوضات المعاهدة الأمنية مع الولايات المتحدة و التي نفاها وزير خارجيته هوشيار زيباري بعد ساعات من النطق بها!!

لا تعبر عن حقيقة و قوة أدوات إدارة الصراع التي يتحرك بموجبها المالكي و مجمل حكومته التحاصصية المفككة و العاجزة عن الفعل المباح أو القول الصريح، فالأزمة العراقية قد وصلت لحدود كارثية بعد تزايد أزمة المعاناة الشعبية من سوء الخدمات و من التدهور الحياتي المريع و بما أدى لحالات هروب شعبية واسعة النطاق من الجحيم العراقي في ظل مسلسل توالي الأزمات و الحيرة الحكومية الواسعة في التعامل مع ألأوضاع العامة لعدم وجود البرنامج الوطني الحقيقي الذي تلتف حوله كل الشرائح و القوى العراقية من أجل إعادة بناء الوطن المدمر على أسس وطنية حقيقية تتجاوز الحالة الطائفية و العرقية المريضة، و السيد المالكي وهو يجول في دول الجوار العراقي يعلم جيدا بإن لدول الجوار إجنداتها الخاصة و هو ما يتطلب بالضرورة تنازلات بعضها مؤلم من أجل تسيير الأمور و إرضاء الأطراف الداخلية المتنازعة، و المعاهدة التي يزمع الأمريكيون فرضها على العراقيين هي من الأمور التي تتجاوز بكثير إختصاصات و قدرات و إمكانيات المالكي و حكومته المهتزة و القلقة، فالجميع يعلم أن الصلاحيات الحقيقية للمالكي محدودة للغاية فحاكم العراق الفعلي و غير المباشر هو السفير الأمريكي ( رايان كروكر ) و الذي لا يتم تعيين مدير عام في دوائر الدولة دون أخذ موافقته! هذا السفير / الرئيس الذي يمتلك ساحات واسعة من المناورة وحتى الدخول في مشاريع تجارية مع عدد من المتمولين و المسؤولين العراقيين هو من يتحكم في ملفات إدارة الصراع في الملف العراقي و المعاهدة ليست أمرا إختياريا للعراقيين يستطيعون رفضه أو قبوله أو تحديد خياراتهم من خلالها بل أنها أمر إجباري ما على الحكومة العراقية سوى إيجاد المخرج المقبول لتمريره.

و رغم أن المالكي هو قائد لحزب ديني طائفي إيراني التأسيس و الجذور و المنطلقات و الهوى و هو ( حزب الدعوة ) الذي إنتهى واقعيا و تشرذم منذ زمن طويل و منطلقاته الفكرية و النظرية و مسوغاته الشرعية و المرجعية تحرم عليه إطلاقا التفاهم مع المشروع الأمريكي إلا أنه يقود مسيرة ذلك المشروع، و يبدو أن اللقاء الأخير بين القائد الروحي الإيراني و نائب الإمام الغائب والولي الفقيه الجامع للشرائط السيد علي خامنئي و نوري المالكي و الذي إقترح فيه الخامنئي على المالكي رفض المعاهدة الأمريكية قد ترك مؤثراته على تصريحات المالكي في الأردن!، حيث تحدث عن الأذى الذي ستلحقه تلك المعاهدة بالسيادة العراقية!! وهي نكتة سمجة! لأن العراق لا يمتلك أي سيادة فعلية في ظل ذلك العدد المهول من قوات و آليات الإحتلال التي تمارس ما يحلو لها دون رقيب أو حسيب في ظل أوضاع ميدانية بائسة تخيم عليها أجواء الحرب الفعلية بشكل يومي صارخ فالعراق هو في البداية و النهاية ميدان حرب، وهو ساحة قتل معدة سلفا لأعداء الولايات المتحدة! و كل مهام الحكومة العراقية رمزية بحتة لا تتعدى تنظيم مواسم الزيارات و المناسبات الدينية لا أكثر و لا أقل!

كما أن ميزانية الدولة المنهوية قد تناهبتها الأحزاب الطائفية الفاشلة الحاكمة، و رواتب التقاعد المفروضة لكوادر حزب الدعوة من الذين اعطوهم رتبة ( الجنرال )!! أو المدراء العامين متضخمة للغاية و تشكل فضيحة ثقيلة يتم التستر عليها و لم تعرف أبعادها الكاملة بعد؟ يضاف لذلك كله ما أثير حول عقد إتفاقية أمنية سرية بين العراق و إيران قيل أنها إتفاقية للدفاع المشترك!! و لكن ضد من؟ ضد حركة طالبان مثلا!! وهي قضية لم تزل في طور التكهنات و لا شيء حقيقي حولها بعد!، و يبدو أن لنزع ربطة عنق المالكي في لقائه الأخير مع الولي الإيراني الفقيه أبعاد جانبية كثيرة ربطها بعض المراقبين بقضية السيادة الحقيقية للحكومة العراقية!! فكل شيء في العراق يسير بطريقة مثيرة للريبة، و المالكي حينما يتحدث عن رفضه للمشروع الأمريكي فإنه أول العالمين بإستحالة إستمراريته على ذلك الرفض اللفظي العابر الذي جاء بعد أن شرب حليب سباع الولي الإيراني الفقيه!!

فبعد أن طارت السكرة ( الإيمانية ) جاءت الفكرة الميدانية و التي شخصها بشكل واضح و صريح لا لبس فيه وزير الخارجية السيد هوشيار زيباري الذي وضعت تصريحاته النقاط على الحروف و بددت كل الأوهام و الأحلام الوردية.. و لو فكر المالكي حقا بمعارضة الخيار الأمريكي بشكل صريح و فاعل فإن الرد سيكون عبر سيارة مفخخة في عمق المنطقة البغدادية الخضراء ستساهم في تعبيد الأمور و تسويتها..!!!، إنها لعبة الأمم الدموية التي لا تعرف الرحمة..!

داود البصري

[email protected]