مرة أخرى يثير عمل فني حفيظة البعض بصورة تبتعد تماماً عن العقلانية والموضوعية. فقد نقلت الأنباء عن مقال للكاتب حمدي رزق نشرته جريدة quot;المصري اليومquot; الأسبوع الماضي أن مجموعة من النشطاء الإلكترونيين العرب طالبت المسلمين بمقاطعة أعمال الفنان عادل إمام بدعوى ترويجه لما أسموه بالـquot;تنصيرquot; من خلال تجسيده لشخصية رجل دين مسيحي في فيلمه الكوميدي الجديد quot;حسن ومرقصquot; الذي يعالج من خلاله إمام قضيتي التطرف الديني والتسامح بين المسلمين والمسيحيين.

لم تكن المطالبة بمقاطعة أعمال عادل إمام هي الأزمة الاولى التي يواجهها الفنان بسبب quot;حسن ومرقصquot; فقد سبق له أن واجه حملة تشهير مغرضة قام بها إسلامويون متطرفون ومثقفون علمانيون قبل شهور حين اجتمع مع البابا شنوده الثالث بطريرك الإسكندرية لمناقشة بعض الأمور العقائدية التي يتناولها الفيلم وللحصول على تصريح للتصوير ببعض الكنائس. ورغم مرور شهور على العمل بالفيلم إلا أنه لم يبد أن المتربصين بالاعتدال والتسامح سيمرروا الفيلم من دون مشاكل، فقد توالت اتهامات الإسلامويين لعادل إمام الواحدة تلو الأخرى كلما اقترب موعد عرض الفيلم.

وقد استعر غضب المتطرفين الإسلامويين للاستعار في الأسابيع القليلة الماضية بسبب الصور الدعائية القليلة التي تداولتها الصحف الورقية والإلكترونية للفنان عادل إمام التي ظهر فيها، تمثيلاً بالطبع، مرتدياً الصليب فوق الجلباب التقليدي الذي يرتديه رجال الدين في الكنائس المسيحية التقليدية. فلم يقبل المتطرفون أن يظهر الفنان الكوميدي الأشهر على الساحة العربية مرتدياً الصليب الذي يتخذونه عدواً أكبراً لهم ولأطروحاتهم المتشددة، فما كان منهم إلا أن اعتبروا الفنان عدواً للإسلام ومروجاً للمسيحية التي يبغضونها.

لم تصل إلى مسامعي أن مجموعة النشطاء المتطرفيين هذه اعترضت يوماً على قيام الفنان عادل إمام أو غيره من الفنانين بتمثيل دور شخصية شريرة غير مقبولة اجتماعياً كشخصية اللص أو القاتل أو المغتصب على اعتبار أن تمثيل هذه الأدوار يروج للأعمال الشريرة لهذه الشخصيات. ولكن من سخرية الأقدار أن مجموعة المتطرفين اعترضت على قيام الفنان إمام بدور رجل الدين المسيحي. فمن الواضح تماماً أن المتطرفين الإسلامويين يرون أن رجل الدين المسيحي الذي يتدلى الصليب على صدره يعد أشد خطورة على المجتمع الإسلامي من اللص والقاتل والمغتصب!

لم أر الفيلم ولم أقرأ قصته وبالتالي لن أقوم بتقييم الفيلم فنياً وفكرياً في مقال اليوم. ولكن من دون أن نحتاج للدخول في قصة الفيلم ومن دون أن نحتاج للحديث عن اتفاقنا أو اختلافنا مع طريقة تناوله لقضيتي التطرف الديني والتسامح بين المسلمين والمسيحيين فإنني أؤكد على أن المطالبة بمقاطعة أعمال الفنان عادل إمام تعد من أعمال الترهيب والابتزاز والقمع الفكري الذي تشتهر بها بلدان العالم العربي. ولعل المناخ الرديء الذي تعيشه المجتمعات العربية يعرقل رسالة فيلم quot;حسن ومرقصquot; التسامحية، فالأعمال الفنية بصفة عامة ستبقى عاجزة عن مواجهة التطرف في
العالم العربي ما لم تكن مصحوبة بإصلاحات سياسية وتعليمية ودينية واجتماعية واسعة.

لقد بدأ الفنان عادل إمام بفيلم quot;حسن ومرقصquot; حلقة جديدة من سلسلة مواجهاته مع التطرف الديني. وإذا كان الفنان قد كسب الحلقات السابقة من المواجهات، فإن هذا الكسب، برأيي، لم يتحقق إلا لأن تلك الحلقات اهتمت بالإرهاب من دون أن تتناول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين. الأمر يبدو مختلفاً في الحلقة الجديدة التي تتناول القضية بالغة الحساسية. وإذا كان مجرد ارتداء عادل إمام للصليب قد أثار المتطرفين الإسلامويين، فإن ذلك يعني أن معركة شرسة وطويلة تنتظره لكسب هذه الحلقة.

وربما تنتهي الحلقة بفقدان الفنان جزءاً من قاعدته الشعبية العريضة في العالم العربي بسبب الفيلم الذي تحمس له وحشد له الكثير من الإمكانات المادية والطاقات البشرية. ولكن من المؤكد أن إمام، كغيره من مناهضي التطرف، سيحظى بالمزيد من الاحترام من قبل المعتدلين والأحرار وأصحاب العقول السليمة والنفوس السوية في البلدان العربية. وتحية لكل معتدل ولكل جندي في معركتنا ضد التطرف.

جوزيف بشارة
[email protected]