اكتشاف النفط
كانت بغداد لغاية عام 1497 تعتبر أغنى مدينة فى العالم بسبب موقعها التجاري حيث كانت تمر بها القوافل المحملة بأنواع البضائع بين اوروبا والهند، وبدأ ت بعد ذلك بالاضمحلال بسبب اكتشاف الطريق البحري الذى يدورحول سواحل جنوب أفريقيا (رأس الرجاء الصالح). وكانت كلفة النقل البحري تقل كثيرا عن كلفة النقل البري حيث ينتشر اللصوص وقطاع الطرق.


فى سنة 1908 اكتشف النفط فى ايران فى منطقة (مسجدى سليمان)، فكان هذا الحدث سببا فى تغيير منطقة الشرق الأوسط بأكملها. كان العراق مقسما الى ثلاث ولايات تابعة للحكم العثماني وهي:
ولاية الموصل وولاية بغداد وولاية البصرة. وحصل البريطانيون والهولنديون والألمان على امتيازات نفطية فى سنة 1904. ووصلوا الى ولاية الموصل فى سنة (1908) جيولوجيون اوروبيون كانوا يتظاهرون بأنهم آثاريون جاؤوا للبحث عن الآثار القديمة فى المنطقة.


سكة حديد بغداد- برلين

فى سنة 1871 مد خط سكة حديد صغيرة من اسطنبول الى (أزميد) على بحر مرمرة، وبعد 16 سنة أوصل الخط الى أنقرا. وكانت ملكية الخط دولية نوعا ما ثم أصبحت المانية صرفة من أوائل القرن العشرين. ومد الخط سنة 1896 الى ( قونية)، وزاد قلق البريطانيين عندما سمح بمد الخط المذكور الى البصرة سنة 1903 واعتبروه تهديدا مباشرا للمركز البريطاني القوي فى الخليج العربي الذى يعتبر من وسائل الدفاع الرئيسة عن الهند. وفى سنة 1909 بدأ العمل فى مد سكة حديد بغداد فقدم الى بغداد عدد من الألمان ومواطنى جنوب اوروبا.

الحرب العالمية الأولى وغزو العراق

استطاعت ألمانيا أن تقنع تركيا بالانضمام اليها فى تلك الحرب الضروس، وردت بريطانيا على ذلك باعلان الحرب على العثمانيين فى 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1914 وأنزلت جيشا صغيرا قرب الكويت فى اليوم التالى.
فى البداية سيطرت القوات البريطانية على منابع النفط العربية التى تجهز قواتها البحرية المنتشرة فى المحيط الهندي والخليج العربي. اتجهت القوات البريطانية الى الفاو واحتلتها بسهولة، ثم اتجهت الى البصرة التى انسحبت منها القوات التركية ليلة 19/20 تشرين الثاني/نوفمبر واحتلتها. وفى يوم 9 كانون الأول/ديسمبر اتجهت القوات البريطانية الى القرنة فاستسلمت القوات التركية.
أعلنت الحوزة الدينية فى النجف المتمثلة بالعلامة (محمد سعيد الحبوبي) الجهاد لقتال الغزاة باعتبارهم كفرة يريدون القضاء على الخلافة الاسلامية العثمانية، فانضم أكثر من 20 ألف من المجاهدين يجهلون فنون الحرب الى القوات التركية التى كان عددها أقل من ستة آلاف جندي. ولكن الجيش البريطاني دحرهم واستمر فى زحفه حتى وصل الى جنوبي بغداد، واضطر الى التقهقر بعد وصول النجدات العثمانية التى طاردتهم الى الكوت حيث حاصروا القوات البريطانية 160 يوما واضطروها على الاستسلام فى نيسان /ابريل 1916. جاء الأنكليز بقوات كبيرة فدحروا الأتراك، وفى خلال سنة من حصار الكوت احتل الانكليز بغداد فى 11 آذار/مارس 1917 ومعظم الأراضي العراقية.

الثورة العربية

فى اليوم الثانى من حزران سنة 1916 أطلق الحسين شريف مكة الرصاصة الأولى من شرفة قصره فى مكة المكرمة ايذانا ببدء الثورة االعربية ضد الحكم العثماني، بعد أن اتفق مع بريطانيا على ذلك مقابل موافقة بريطانيا على أن يكون ملكا على دولة العرب الكبرى التى ستحرر من الأتراك. وفى سنة 1917 تقدم الثوار مع الجيش البريطاني فحرروا الأردن وفلسطين وفى 1918 حرروا
دمشق حيث شكلت حكومة مستقلة وبويع الملك فيصل الأول ملكا عليها. ولكن الدولة الجديدة انهارت فى تموز/يوليو سنة 1920 أمام غزو القوات الفرنسية. وكان هذا الغزو مبيتا حيث أتفق عليه الانكليز والفرنسيون فى عام 1916 حسب معاهدة (سايكس ndash; بيكو) التى اتفق الطرفان بموجبها على تقسيم تركة الدولة العثمانية بعد اندحارها.

الغازات السامة

فى عام 1917 كان البريطانيون يجربون أسلحتهم ومنها الكيمياوية فى العراق، واستخدموا الطائرات التى كانت تقصف المدن والتجمعات البشرية بكثافة، حتى قال ونستون تشرتشل وزير المستعمرات البريطاني فى وقتها (وقد كان متحمسا لاستعمال الغازات السامة) انهم لو لم يستعملوا الطائرات لخسروا 25 ألف بريطاني و 80 ألف هندى من جيوشهم، بينما فقدوا 4 آلاف بريطاني و 10 آلاف هندي.

ثم وقعت معاهدت سايكس/بيكو بين بريطانيا وفرنسا والتى وضعت معظم العراق تحت النفوذ البريطاني، عدا كركوك والموصل التى تقرر وضعها تحت الحكم الفرنسي. وبعد اعلان الهدنة فى سنة 1918 بقليل احتلت القوات البريطانية كركوك والموصل فى تشرين الثاني/نوفمبر 1918 رغم وجود الهدنة.


الثورة العراقية (1920)

كان البريطانيون يواجهون مشكلة عسيرة حيث أن خمسة وسبعين بالمائة من مناطق نفوذهم فى العراق كانت عشائرية لا تحترم اية حكومة مركزية. يضاف الى ذلك ان الموظفين العثمانيين السابقين كانوا من السنة يحكمون مناطق ذات أغلبية شيعية، وابقاؤهم فى مناصبهم يعنى بقاء الحكم بيد الأقلية السنية لعدم وجود شيعة كفوئين للادارة. فلم يجدوا بدا من ترك الأمور على ما هى عليه حسب قاعدة (ليكن من بعدنا الطوفان).

بعد احتلالهم للعراق، دأب البريطانيون على كيل الوعود للقادة ورؤساء العشائر ثم يتراجعون عنها، وما أن حلت سنة 1919 حتى كان العراقيون يشعرون بأنهم قد غيروا استعمارا قديما باستعمار جديد، ثم بدأت تحصل حوادث فردية واغتيالات وتبعتها اضرابات ومظاهرات وسرعان ما تحولت الى معارك متفرقة وثورة وخاصة فى جنوب العراق.

فى يوم 30 حزيران/يونية قتل شرطيين فى الرميثة، فكانت الشرارة الأولى للثورة. كان تسليح الثوار بدائيا لا يتعدى البنادق القديمة والسيوف والمكاوير (هراوة بطرفها كرة ثقيلة من القار) والسكاكين، ولم يكونوا متدربين على أساليب القتال الحديثة، يقابل ذلك جنود بريطانيون وهنود مدربون ومتمرسون على القتال ومعهم أحدث الأسلحة بالأضافة الى المدافع. كما اشتركت طائراتهم الحربية وقصفت المواقع المدنية مثل جامع الكوفة الذى دمروه على رؤوس المصلين. وبتشجيع من تشرتشل استعملوا الغازات السامة. كما استعملوا سفنا حربية نهرية قصفوا منها تجمعات الثوار مثل الباخرة (فاير فلاي) المزودة بمدفعين واثني عشر رشاشا وأحرقها الثوار فيما بعد، فكانت معارك غير متكافئة بكل المقاييس.
ولعبت الرشوة دورا كبيرا فى انضمام بعض الشيوخ الى الانكليز مثل الشيخ خيون العبيد، وأمير ربيعة وآخرون، حيث استلموا النقود (الليرات) وازدادت مساحات اقطاعياتهم، بينما حارب آخرون المستعمر بكل ضراوة وبدون هوادة مثل الشيخ عبد الواحد سكر والشيخ مزهر الفرعون والشيخ شعلان أبو الجون فى الجنوب، وفى الوسط الشيخ ضارى الحمود رئيس عشرة الزوبع فى الدليم والشيخ حبيب الخيزران شيخ العزة فى ديالى، وفى الشمال الشيخ أبراهم خان رئيس عشائر دلو. وفى بغداد كان من أبرز الثوار المرحوم جعفر أبو التمن الذى نفاه الانكليز.

واستطاع البريطانيون اخماد الثورة التى استمرت أكثر من خمسة شهور، بعد أن جلبوا قوات اضافية ومعدات ثقيلة، وساعدتهم سياسة التفرقة التى اتبعوها، واستفادوا من الخلافات الدينية والطائفية التى مزقت الشعب، بالاضافة الى انعدام القيادة السياسية الوطنية.

وفى يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1920 وقع الاتفاق بين الثوار والانكليز على ايقاف القتال والقاء الثوار أسلحتهم بعد ان تكبدوا خسائر فظيعة، على أن يسعى الانكليز لتشكيل حكومة عربية مستقلة!

الملك فيصل الأول

وقررالبريطانيون اضفاء صفة الشرعية على احتلالهم فقرروا استقدام الملك فيصل الأول الذى فقد عرشه فى سوريا، والذى كان يحارب العثمانيين الى جانب الانكليزمما أضفى عليه صفة الوطنية.
وأصدر المندوب السامي البريطاني (بيرسي كوكس) أوامره بتشكيل المجلس التأسيسي الذى اوكلت اليه مهمة تشكيل حكومة (وطنية!) انتقالية برئاسة عبد الرحمن النقيب الكيلاني، وانتخاب ملك على عرش العراق وتشكيل الوزارات واختيار الساسة العراقيين لتولى المهام الحكومية المختلفة.

أمر تشرتشل بعقد مؤتمر فى القاهرة عام 1921 لبحث سبل تقليل نفقات بريطانيا فى مستعمراتها الجديدة، وكانت (غيرترود بيل) المحللة السياسية البريطانية من بين الحاضرين، وكانت قد لعبت دورا كبيرا فى تأجيج الثورة العربية فى الحجاز ضد العثمانيين، ورسمت الحدود النهائية للولايات العثمانية الثلاث : بغداد والموصل والبصرة (بعد اقتطاع الكويت منها) واقترحت تأسيس مملكتين هاشميتين واحدة فى الأردن والأخرى فى العراق. فنصبوا عبد الله بن الحسين ملكا على شرقي الأردن، وفيصل بن الحسين ملكا على العراق، بعد أن انتخب فى 23 آب/اغسطس 1921 بنسبة 96 بالمائة من أصوات المجلس التأسيسي الذى لم يكن منتخبا من قبل الشعب العراقي. وقد بذل الملك جهودا جبارة لأعادة اعمار البلد المخرب الذى خيم عليه الحكم العثماني أربعة قرون، وساد على شعبه الجهل والفقر والمرض. وكان الملك يتجاذبه الانكليز ورؤساء العشائر ورجال الدين ورؤساء الأحزاب و الطوائف، ولكنه عمل ما استطاع عمله فى أحوال قاسية جدا، ووافاه الأجل المحتوم فى ظروف غامضة سنة 1933.

عاطف العزي

نحن قوم لا نتعظ لجزء (7)