مرة أخرى تعود دولة قطر لتملأ الدنيا و تشغل الناس!، و لكن هذه المرة ليس من بوابة السياسة و الإقتصاد؟ و لا من المشاحنات التي تثيرها ( قناة الجزيرة )! و ليس من بوابة السياحة و الإستثمار!

بل من خلال البوابة الرياضية و تحديدا لعبة كرة القدم في ضوء التصفيات التمهيدية المؤدية للمشاركة في نهائيات كأس العالم التي ستقام في جنوب أفريقيا، و هنا تبدو المسألة عادية و غاية في الطبيعية حينما تنشط دولة من أجل تهيئة الظروف و الإمكانيات و تحشيدها و شحنها للمشاركة في واحد من أكبر التجمعات الدولية وهو المونديال و بما يضيف لسمعة الدول المشاركة أهمية و لمعان إعلامي سينعكس حتما على نشاطات أخرى، فدولة قطر لم يتح لمنتخبها الوصوا أبدا لنهائيات كأس العالم على عكس بعض الفرق الخليجية كالسعودية أو الكويت أو البحرين، وهي لذلك تسعى بجد و إجتهاد لتحقيق تلك الأمنية الغالية و إنجاز الحلم المتحقق بأقدام اللاعبين المهرة فقط لا غير، و يبدو أن المعارك و الغزوات في حياتنا العربية قد أصبحت فريضة محكمة و سنة متبعة!

فبدلا من أن تكون الروح الرياضية هي الحكم و الفيصل في مثل تلك الأمور فقد حلت محلها للأسف لغة أخرى لا علاقة لها بالرياضة و لا بالشباب و لا بالقيم الكونية للعولمة، وهي صيحات ( الثأر ) و إستحضار الأحقاد!! و نبش الملفات!! و الضرب تحت الحزام!! و إتباع كل الوسائل الكفيلة بتحقيق صرع الخصم و لو كانت وسائل غير نزيهة فالغاية تبرر الوسيلة و لغة ( يالثارات قريش ) أو أسلوب ( و نجهل فوق جهل الجاهلينا ) قد أضحى هو المعيار الحقيقي للتعامل بين الرياضيين و لو كانوا أشقاء تربطهم روابط الدم و العقيدة و الإنتماء و المصير و ليس حذاء الأديداس أو النايك فقط!! أقول ذلك و أنا أتابع الحملات الإعلامية المؤسفة و التراشقات الكلامية الموجعة بين الإخوة في دولة قطر و جمهورية العراق بمناسبة مباراة الثأر و المصير التي ستقام يوم الأحد و تقرر مصير ثاني المجموعة الملتهبة، فهزيمة أحد الفريقين تعني أقصاوه عن مونديال جنوب أفريقيا و إنهيار الحلم!

و قد شاء حظ الشعبين الشقيقين العاثر أن يقعا في مجموعة واحدة و أن تثار من أجل ذلك كل ملفات و إدعاءات التآمر!! و دخول ملفات الطائفية و السياسة على الخط! لا بل أن التحكيم قد شمله اللغط أيضا! لأن الحكم الكويتي الدولي سعد كميل و الذي كان من المقرر أن يكون حكما لمباراة المصير من المشهورين بكفاءته و نزاهته و حرفيته و إبتعاده عن تحكيم المباراة بسبب عارض صحي يعتبره البعض مؤامرة مقصودة!

و كذلك الحال مع عدم مشاركة اللاعب العراقي يونس محمود مع فريقه تصنف ضمن نفس التصنيف السابق، و الحق يقال و من وجهة نظر محايدة أو تحاول أن تكون كذلك فأنا لست من المهتمين بمباريات الكرة أو المعنيين بنتائجها فإن دولة قطر قد إعتبرت المباراة ( معركة المصير ) بل أم المعارك بذاتها لذلك كان فريقها حداثي و يعتمد على كل مواصفات العولمة و شروطها الموضوعية، فالفريق متعدد الجنسيات و الثقافات و اللغات و الأديان أيضا!!

كما أنه يضم مدارس كروية متنوعة لاتينية على إفريقية على أوروبية حتى أضحى بمثابة تحالف دولي كروي شامل مما إنعكس بالكامل على أوضاع الصحافة القطرية ووسائل الإعلام التي تواصل الحشد و كأن ( معركة هرمجدون ) على الأبواب!!، و الطريف أن لاعبي الفريق القطري ( الدوليين ) لا يعلمون بأمر تلك الضجة الإعلامية و لا شعارات ثارات قريش و لا بنداءات ( العدو من أمامكم و مهرجان التسوق من ورائكم )!! بل أن كل ما يعلمونه بعد الترجمة غير المباشرة هي أن تلك المباراة مهمة و عليهم كسبها بشتى الوسائل!!..

المهم في الموضوع أنه أيا كانت النتيجة الكروية التي ستتحقق على أرض الملعب فإنها ستنعكس سلبا و لفترات طويلة على علاقات البلدين و الشعبين للأسف!! فالكراهية المتبادلة قد وصلت للعظم..!! فهل أن ذلك هي رسالة الرياضة و المونديال؟.. لا نقول سوى شعارنا التاريخي : و الله حالة.. و الله طرطرة...! و يا أمة ضحكت من ثاراتها الأمم؟.

داود البصري

[email protected]